الحديث في واشنطن عن توسّع بقعة الحرب في المنطقة متداول منذ عملية "طوفان الأقصى" كاحتمال وارد وإن غير مرجح، مرتبط بتطورات اجتياح غزة ومآلاته. وقد بدأ يتقدّم إلى الواجهة بعد توجيه حاملة الطائرات الأميركية الثانية أيزنهاور إلى شرق المتوسط، وإرسال ألفي جندي أميركي إلى إسرائيل. ثم برز أكثر بعدما كشف وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في مقابلة مع شبكة ايه بي سي نيوز، الأحد، عن تعزيزات عسكرية إضافية شملت صواريخ "ثاد" للدفاع الجوي مع الإيعاز بالإعداد لنشر المزيد من القوات في الشرق الأوسط بغرض "تعزيز الردع ورفع إمكانيات الحماية للقوات الأميركية، فضلاً عن توفير المساعدة لإسرائيل"، كما قال، معرباً عن "القلق من إمكانية التصعيد" في المنطقة.
وهذه أول مرة تشير فيها الإدارة الأميركية إلى هذه الإمكانية بمثل هذا الوضوح. وكأن حشد القوات الأميركية هناك صارت مهمته تتخطى الردع لتشمل المواجهة غير المستبعدة.
ولا يبدو صدفة أن يتزامن كلامه، وهو قلما يعطي مقابلات، مع تزايد التسخين وإن المنضبط حتى الآن، بين إسرائيل وحزب الله على الحدود اللبنانية. وخشية الإدارة هنا من أن عملية الانقضاض على القطاع بالطريقة التي توعدت بها إسرائيل مستقوية بالحشد العسكري الأميركي في الجوار قد تؤدي إلى اشتعال جبهات أخرى في حرب واسعة "تترتب عليها تبعات اقتصادية وجيوسياسية من شأنها أن تجرّ واشنطن إلى التدخل المباشر" الذي لا يريده الرئيس جو بايدن، حسب الدبلوماسي الأميركي ريتشارد هاس.
ما يحبّذه الرئيس هو أن يبقى الرد الإسرائيلي في حدود "الأهداف الممكن تحقيقها" وأن يحصل وفق مقاربة تقوم على "فض الاشتباك" كالتي اعتمدها وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر في 1974 لفصل القوات الإسرائيلية عن المصرية والسورية.
لكنّ الإدارة غير واضحة ولا حاسمة. من جهة "تنصح" (بتعبير بلينكن) إسرائيل بحرب لا تخرج عن "قانون الحروب" بخاصة لناحية حماية المدنيين، وفي الوقت ذاته تشدد على حق إسرائيل ليس فقط في الدفاع عن نفسها، بل أيضاً في الرد "بالطريقة التي تضمن عدم تكرار" عملية طوفان الأقصى. وهذه نصيحة قابلة للتأويل الذي تبرع إسرائيل في فنونه، إذ يترك لها تفصيل "الطريقة" على قياساتها.
أيضاً، بعد الإفراج عن الرهينتين الأميركيتين، يوم الجمعة الماضي، التقط الرئيس بايدن الفرصة ليؤكد على طلبه (سبق وقال إنه أبلغه إلى الحكومة الإسرائيلية) بخصوص تأجيل إسرائيل اجتياحها، علّ ذلك يفسح المجال امام احتمال الإفراج عن المزيد من الرهائن. بعد ساعات قليلة تراجع البيت الأبيض عن كلام الرئيس بزعم أنه "لم يسمع بأن السؤال كان عن التأجيل"!
وثمة تخمينات بأنّ تكرار الوعد الإسرائيلي باجتياح "وشيك"، قد يكون عملية تمويه لمفاجأة قيد الإعداد، ولو أن الاعتقاد الأرجح يربط التأخير بقضية الرهائن التي فرضت دينامية جديدة للمواجهة وتركت المبادرة بيد "حماس"، بخاصة أن عدد الرهائن كبير والخيارات تكاد تكون معدومة، ما عدا خيار شراء الوقت.
وسط الانتظار يتفاقم خطاب التحريض الذي ضرب الرقم القياسي في الضخ والشحن العرقي والفئوي الذي بلغ حدود تصنيف الأزمة في خانة "الحرب الدينية" والدعوة إلى "مسح المكان (غزة)" وتسويته بالأرض والإقلاع عن المطالبة بحرب محدودة واستبدالها بتوجيه "إنذار لإخلاء غزة خلال 3 أيام على أن يتبعه الهجوم الماحق"، بتعبير المدير العام السابق لوكالة الاستخبارات المركزية سي آي إيه جيريمي باش. وهو خطاب ساهم في انفلات الغرائز وبما أدى إلى طعن طفل فلسطيني عمره سبع سنوات، حتى الموت، في إلينوي، كما إلى قتل فتاة يهودية في ميشيغان.