تركيا والواقع الأفغاني الجديد: بحث عن موطئ قدم

تركيا والواقع الأفغاني الجديد: بحث عن موطئ قدم

21 اغسطس 2021
لدى تركيا حالياً 710 جنود متواجدين في مطار كابول (الأناضول)
+ الخط -

فرضت التطورات الأخيرة في أفغانستان، بسيطرة حركة "طالبان" على البلاد، واقعاً سياسياً جديداً على مختلف الدول في العالم، جعلها تبحث عن وسائل وطرق للتعاطي والتعامل معها، ومن بينها تركيا، التي أبدت استعدادها للتواصل مع الحكومة التي ستشكّلها "طالبان"، بغية تحقيق الأمن والاستقرار في أفغانستان. كما أن أنقرة تتخوف من موجة هجرة كبيرة من الأفغان تصل إلى أراضيها، لأنها تقع على طريق العبور لأوروبا. وشهدت تركيا أخيراً موجات وصول مهاجرين غير نظاميين إليها بشكل كبير، وهو ما أشعل جدلاً داخلياً سياسياً استغلته المعارضة، وأثّر على حزب "العدالة والتنمية" الحاكم الذي عمل بدوره على إنشاء جدار على الحدود الإيرانية، وتعزيز القوات الأمنية، وشنّ هجمات بحق المهربين من أبناء المنطقة الحدودية وترحيل المهاجرين الذين يتم القبض عليهم.

تتخوف أنقرة من موجة هجرة كبيرة من الأفغان تصل إلى أراضيها

وأكدت السلطات التركية مراراً استعدادها لتوفير الحماية وتشغيل مطار كابول الدولي، ولكن "طالبان" لم ترسل إشارات إيجابية في هذا الإطار، إلا أن أنقرة بقيت على موقفها واستعدادها للتفاوض مع الحركة لاستمرار عمل المطار، معولة على براغماتية أظهرتها الحركة في انفتاحها على الآخرين، خصوصاً أن المطار سيكون واجهة وبوابة لعبور البعثات الدبلوماسية إلى البلاد.

وأشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى إمكانية تواصل أنقرة مع الحكومة التي ستشكلها حركة "طالبان" في أفغانستان، بغية تحقيق الأمن والاستقرار في هذا البلد. وفي خطاب ألقاه أول من أمس الخميس، عقب ترؤسه اجتماعاً للحكومة التركية في أنقرة، قال أردوغان إن "غايتنا الأساسية تحقيق الأمن والاستقرار في أفغانستان، ولأجل ذلك سنتواصل مع الحكومة التي ستشكلها طالبان إن استدعى الأمر ذلك". ولفت إلى أن تركيا تبذل جهوداً كبيرة لإحلال الأمن والاستقرار في أفغانستان، بغية الحيلولة دون حدوث موجات هجرة جديدة تجاهها من هذا البلد.

وكان الرئيس التركي قد رحّب في حوار تلفزيوني الأربعاء بـ"التصريحات المعتدلة الصادرة عن قادة حركة طالبان"، مضيفاً أنه "سبق أن قلنا إنه يمكن استقبال قادتهم وما زلنا على الموقف، وبلادنا مستعدة لكافة أشكال التعاون من أجل رفاهية الشعب الأفغاني ومصالحه". وحول القوات التركية ودورها المستقبلي، قال أردوغان إن "القوات التركية في أفغانستان لم تكن قط قوة قتالية، والوجود العسكري التركي في أفغانستان سيقوي يد الإدارة الجديدة في الساحة الدولية ويسهل عملها، نضع خططنا وفقاً للحقائق الجديدة المتشكلة ميدانياً، ونواصل مفاوضاتنا على أساس ذلك". وفي معرض تعليقه على موضوع المطار، ذكر أن "المؤسسات التركية المعنية على تواصل مع طالبان بالفعل منذ فترة من الزمن، فيما موقف الحركة تجاه تركيا يتحلى بالحذر والدقة الشديدة بالنسبة إلى السياسة الخارجية، وأنقرة تأمل أن يستمر هذا الأمر"، وأكّد أنه يمكن الحديث عن خيارات مختلفة، مثل توقيع اتفاقية ثنائية على غرار ما تم توقيعه بين تركيا وليبيا.

والواضح من تصريحات الرئيس التركي أن هناك نوايا تركية متواصلة لإيجاد موطئ قدم في المنطقة، إذ سبق أن استخدمت تركيا قوتها الناعمة في البلاد عبر تقديم المساعدات وعمليات التدريب من خلال المؤسسات التابعة لها، وتواجد قوات غير محاربة، والحديث هنا عن اتفاقية تعاون تشبه تلك الموقعة في ليبيا، تحمل أبعاداً هامة على صعيد الاهتمام التركي بالحكم الجديد في أفغانستان وتأسيس العلاقات مع "طالبان". ويأتي الموقف التركي الجديد متناغماً مع المواقف الدولية التي تراقب سلوك الحركة ووعودها الجديدة، المختلفة عما كانت عليه قبل 20 عاماً.

وذكرت مصادر تركية لـ"العربي الجديد"، أن "تركيا تجري اتصالات منذ فترة مع طالبان بدأت منذ حكم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب واتخاذه قرار الانسحاب من أفغانستان، وكان من أحد أسباب الاتصال محادثات السلام الأفغانية التي كان ينتظر أن تستضيفها إسطنبول قبل أشهر، وعلى الرغم من أن المحادثات لم تحصل إلا أن الاتصالات لا زالت متواصلة بين الطرفين". وأضافت المصادر أن "الرسائل التي وصلت إلى أنقرة من طالبان حتى الآن، ليست سلبية، ولكن كانت هناك مطالب بانسحاب القوات التركية كما القوات الأجنبية، وعلى الرغم من ذلك، فإن تركيا لديها 710 جنود من قواتها متواجدين في المطار، وحتى الآن لا يوجد أي قرار يتعلق بسحبهم، فالحركة لا تستعجل انسحابهم حاليا لأن وجود القوات التركية يساهم بخروج الأجانب الراغبين بترك البلاد". وتابعت المصادر: "كما ترغب أنقرة بمراقبة سلوك طالبان والمواقف الدولية التي ستبنى للاعتراف بالحكومة الانتقالية المنتظرة، وترسل في الوقت نفسه إشارات إيجابية عبر استمرار عمل بعثتها الدبلوماسية بخلاف باقي الدول، من دون موقف حاسم حاليا بمسألة الاعتراف بحكم طالبان".

سبق لتركيا أن استخدمت قوتها الناعمة في البلاد عبر المساعدات والتدريب وتواجد قوات غير محاربة

وعن ذلك، قال أستاذ العلاقات الدولية المختص في الشأن التركي في مركز ابن خلدون بجامعة قطر، علي باكير، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "بخلاف عدد من القوى الإقليمية والدولية، لم يحصل ارتباك في تركيا نتيجة التطورات المتسارعة في أفغانستان، فالبعثة الدبلوماسية التركية واصلت عملها من دون انقطاع وصدرت تصريحات إيجابية من الحكومة التركية في ما يتعلق بالحفاظ على الأمن والاستقرار وبذلت جهوداً في هذا الإطار، والمسؤولون علقوا على الأمر". ولفت إلى أنه "حتى قبيل دخول طالبان إلى كابول، كانت هناك تصريحات تركية بإمكانية إجراء لقاءات رفيعة المستوى مع قيادات الحركة، كما أن الرئيس أردوغان عبّر عن استعداده لاستضافة بعض المسؤولين في طالبان بعد اكتمال الترتيبات".

وأعرب باكير عن اعتقاده بأنه "مع سيطرة طالبان، ستجرى لقاءات من هذا القبيل خلال الفترة المقبلة، والقوات التركية لا تزال متواجدة في المطار، وسبق أن أعلنت أنقرة أنها لم تسحب عرضها لحماية وتشغيل المطار، ولكن التطورات على الأرض ربما تقوض إلى حد ما أهمية المقترح". وأوضح أنه "إذا ما أعطي المطار وضعاً خاصاً، فسيكون للقوات التركية دور أكبر، ولكن هذا الأمر لا يزال يخضع لنقاشات". ولفت باكير إلى أن "الجانب الأميركي وافق على الدور التركي، والجانب الباكستاني أثنى على هذا الأمر، وقال إنه يتطلب لقاءات مباشرة بين تركيا وطالبان، وحتى الآن من المبكر الحديث عما إذا كانت طالبان ستغير رأيها أو ستشجعها باكستان على تغيير رأيها، وسنجد نتائج ملف المطار بعد اللقاءات الثنائية بين طالبان وتركيا".

من جهته، لفت الكاتب والصحافي إسماعيل جوكتان، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الحكومة التركية تسعى لتحديد موقف تجاه الأحداث المتسارعة في أفغانستان في ظل هجوم المعارضة التركية عليها بسبب أزمة اللاجئين". وذكّر جوكتان بتأكيد أردوغان على استعداده للتعامل مع "طالبان"، لكنه أكد أن المحادثات مستمرة مع الحركة عبر الكوادر الدبلوماسية حاليا مع إمكانية لقائه قياداتها، وبالتالي "ليس من المعقول أن ترفض تركيا التواصل مع طالبان بينما جميع الدول تبدي رغبتها في التواصل مع الحركة، وأعتقد أن الحكومة التركية ستقوم بالخطوة تجاه ذلك".

يتحلى موقف الحركة من تركيا بالحذر والدقة الشديدة بالنسبة للسياسة الخارجية

ولفت جوكتان إلى أنه "بعد سيطرة حركة طالبان على العاصمة كابول، أعلنت الكثير من الدول أنها ستراقب تصرفات الحركة قبل الاعتراف بها"، معرباً عن اعتقاده أن تركيا "ستتخذ المنهج نفسه تجاه هذه القضية، وعندما نأخذ تصريحات طالبان التي قالت إنها مستعدة للتواصل مع تركيا يمكن القول إن لديها فرصة لتسهيل وتسريع هذا الأمر مقارنة مع الدول الأخرى، لذلك يمكن القول إن الخطوة الأولى من قبل تركيا تجاه أفغانستان ستكون خلال وقت قصير".

وفي ما يخص حماية المطار، قال جوكتان إن "الحكومة التركية كانت متحمسة جداً لتتبنى مهمة حماية مطار كابول الدولي، وقد بدأت العمل في هذه القضية، لكن الأحداث المتسارعة وانهيار الجيش الافغاني أمام مقاتلي طالبان جعلت القضية مجمدة، ومن المعلوم أن طالبان ترفض بشكل قطعي وجود أي قوى أجنبية على أراضي افغانستان وترفض أيضاً أن تتولى تركيا حماية المطار، لكن مع ذلك لدى أنقرة فرصة نتيجة الشراكة الدينية مع أفغانستان، فيمكن لها أن تتواصل مع الحركة وتتخذ موقعا قويا في مستقبل أفغانستان حتى لو كانت قد فوتت فرصة تولي حماية المطار، فتوليها حماية مطار كابول مهمة صعبة حالياً، لكنها ليست مستحيلة".

المساهمون