تركيا والنظام السوري: تعاون أمني محدود بلا تطبيع سياسي

تركيا والنظام السوري: تعاون أمني محدود بلا تطبيع سياسي

28 يونيو 2022
قالن: لا اتصال على المستوى السياسي مع النظام (أوزان كوسه/فرانس برس)
+ الخط -

لا تزال تركيا تتمسك بموقفها برفض أي تطبيع سياسي في العلاقات مع النظام السوري قبل التوصل إلى حل سياسي للقضية السورية، والذي يبدو بعيد المنال في المدى المنظور. لكن ذلك لا يلغي وجود تعاون استخباراتي بوساطة روسية، تفرضه تحديات أمنية على الحكومة التركية ونظام بشار الأسد، لكنه يبقى محدوداً ومرتبطاً بالتطورات التي تحصل.

وأعلن المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن في مقابلة تلفزيونية، مساء أول من أمس الأحد، عن وجود "لقاءات" على الصعيد الاستخباراتي بين بلاده والنظام السوري "بين الحين والآخر بهدف المصلحة الوطنية"، غير أنه أكد أنه لا يوجد اتصال على المستوى السياسي.

قالن: هناك لقاءات على الصعيد الاستخباراتي مع النظام السوري بهدف المصلحة الوطنية

وأشار المسؤول التركي إلى أن عقد صفقة مع النظام لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم "ليس بالأمر السهل"، لافتاً إلى أن هؤلاء اللاجئين "فروا من الحرب، وعانوا من آلام شديدة"، وأكد في الوقت نفسه "ضرورة عودة اللاجئين في نهاية الأمر، ولكن من دون التسبب بمأساة إنسانية".

وشدد قالن على أن أنقرة تبذل الجهود "لإنشاء منطقة آمنة في شمال سورية وخلق بيئة حيث يمكن لهؤلاء الأشخاص الحفاظ فيها على حياتهم، في عفرين وإدلب وتل أبيض ورأس العين".

اللقاءات الأمنية بين الأتراك والنظام السوري ليست دورية

وفي ما يتعلق باللقاءات الاستخباراتية بين تركيا والنظام السوري، قالت مصادر تركية مطلعة لـ"العربي الجديد"، إن "اللقاءات الأمنية بين المخابرات الوطنية التركية وأجهزة استخبارات النظام ليست دورية، بل هي لقاءات جرت أثناء إنجاز التوافقات التركية الروسية في مناطق خفض التصعيدـ شمال شرق وشمال غرب سورية، وتشكيل المناطق الآمنة، أي إبان العمليات العسكرية التركية في هذه المناطق"، نافيةً أن تكون هناك أي "لقاءات قد جرت في الفترة الأخيرة".

وأضافت المصادر أن "اللقاءات تُعقد عندما تستلزم الأمور بين الطرفين ذلك، وهي تتم بوساطة روسية في كل مرة، ويتم تحديد مستوى المشاركة فيها من قبل مسؤولي أجهزة المخابرات بحسب الاجتماع وطبيعته"، مشيرةً إلى أنها "لقاءات تحصل على مستوى منخفض بشكل عام، وليس على مستوى رفيع كأن تشمل رؤساء أجهزة الاستخبارات".

وهذه ليست المرة الأولى التي يشير فيها مسؤول تركي إلى وجود اتصالات بين الأجهزة الأمنية في تركيا وتلك التابعة لنظام بشار الأسد خلال سنوات الصراع السوري.

تدهور العلاقات بين تركيا والنظام السوري

وكانت أنقرة ترتبط بعلاقات "مميزة" مع النظام قبيل انطلاق الثورة السورية عام 2011، والتي أرخت بظلالها على هذه العلاقات، بعدما رفض بشار الأسد التجاوب مع محاولات حثيثة من الحكومة التركية للتوصل إلى حلول سياسية للحيلولة دون اتساع نطاق الحراك الثوري في ذلك العام.

ومنتصف عام 2011، فتحت تركيا حدودها الجنوبية أمام تدفق اللاجئين السوريين نتيجة الحرب التي شنها النظام على شعبه، حتى باتت تركيا تضم اليوم أكثر من 4 ملايين لاجئ سوري، تحاول إيجاد حلول لملفهم من خلال توفير ظروف لعودة بعضهم إلى الشمال السوري.

مصادر تركية: اللقاءات تُعقد عندما تستلزم الأمور بين الطرفين ذلك، وهي تتم بوساطة روسية في كل مرة

وكانت أنقرة قد أغلقت سفارتها في دمشق، وقنصليتها في مدينة حلب عام 2012، وفرضت عقوبات على حكومة النظام، منها وقف التعامل مع المصرف المركزي السوري بسبب "قمع المتظاهرين". ورد النظام على هذه العقوبات باتخاذ إجراءات عدة ضد تركيا منها إيقاف العمل بمنطقة التجارة الحرة بين البلدين.

وتدعم تركيا فصائل المعارضة السورية المسلحة في الشمال السوري، فضلاً عن أنها أقامت العديد من القواعد العسكرية على امتداد هذا الشمال، غربي الفرات وشرقه.

كما تحتضن تركيا "الائتلاف الوطني السوري"، الذي يعد أبرز التيارات السياسية في المعارضة السورية، وتعتبره الأمم المتحدة الطرف المعني بالتفاوض مع النظام لإيجاد حلول للأزمة السورية.

ويبدو أن الجانب التركي يرى أن التعامل مع الخطر الذي تشكله "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، التي تعتبرها أنقرة نسخة سورية من حزب العمال الكردستاني، يتطلب اتصالات أمنية مع النظام السوري.

وكان النظام قد سهّل لحزب العمال الكردستاني إدخال عناصره إلى الشمال الشرقي من سورية لقمع الشارع الكردي في عام 2012. ولكن سرعان ما شكّل هذا الحزب، المصنف ضمن خانة التنظيمات الإرهابية لدى العديد من دول العالم، وحدات "حماية الشعب" التي تحولت في عام 2015 إلى الثقل الرئيسي لـ"قسد" التي فرضت سيطرة شبه مطلقة على منطقة شرقي نهر الفرات الغنية بالثروات، بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن.

تحديات أمنية تعني الجانبين التركي والسوري

في السياق، قال الباحث السياسي التركي هشام جوناي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "هناك تحديات أمنية تعني الجانبين التركي والسوري على حد سواء، خصوصاً ما يتعلق بتنظيم داعش وحزب العمال الكردستاني".

وأضاف أن "حزب العمال الكردستاني يتخذ من سورية مقراً، ويهدد وحدة أراضيها من خلال التأسيس لإقليم مستقل في شمال شرقي سورية، وهذا أمر يضرّ الإدارتين السورية والتركية".

وتابع: "أنقرة تدرك أن تقسيم سورية سيؤثر سلباً على وحدة الأراضي التركية، لذا أعتقد أن هناك تنسيقاً بين الأجهزة الأمنية في تركيا وسورية لتبادل المعلومات الاستخباراتية".

واستبعد جوناي أن يفضي هذا التعاون الأمني إلى تطبيع سياسي بين الجانبين، موضحاً أن "تركيا تحتضن المعارضة السورية، وما لم يحدث حل سياسي للقضية السورية، فلا عودة للعلاقات الدبلوماسية بين أنقرة ودمشق".

هشام جوناي: أنقرة تدرك أن تقسيم سورية سيؤثر سلباً على وحدة الأراضي التركية

وعلى الرغم من أن النظام يعتبر الحضور التركي في شمال سورية بمثابة "احتلال"، بيد أنه أكد أكثر من مرة استعداده لتطبيع العلاقات مع تركيا في سياق محاولات حثيثة لإعادة تعويم نفسه إقليمياً.

وفي هذا الصدد، أكد وزير خارجية النظام فيصل المقداد، في فبراير/ شباط الماضي، أن علاقات نظامه مع تركيا يمكن أن "تتحسن" في حال سحبت الحكومة التركية قواتها من سورية وكفت عن دعم "الإرهابيين"، وعن "حرمان السكان السوريين من الموارد المائية".

وترتبط تركيا وسورية بحدود طويلة تصل إلى نحو 900 كيلومتر، منها 400 كيلومتر شرقي نهر الفرات. وتفرض أنقرة سيطرة عسكرية واضحة على أجزاء واسعة من ريف حلب الشمالي تمتد من عفرين غرباً إلى جرابلس على نهر الفرات شرقاً، وبعمق يصل إلى أكثر من 30 كيلومتراً.

كما تسيطر في منطقة "شرق الفرات" على شريط حدودي بطول 100 كيلومتر من تل أبيض غرباً إلى رأس العين شرقاً، وبعمق يصل إلى 30 كيلومتراً.

ويبدو أن أنقرة تخطط لتوسيع نطاق مناطق نفوذها في الشمال السوري خصوصاً في ريف حلب الشمالي باتجاه منطقة تل رفعت، وهو ما يرفضه النظام.

المساهمون