تركيا والسودان يرممان علاقتهما: تعاون اقتصادي وعسكري

تركيا والسودان يرممان علاقتهما: تعاون اقتصادي وعسكري

04 يونيو 2021
كسرت زيارة دقلو لتركيا الجمود بين البلدين (الأناضول)
+ الخط -

تشكل زيارة نائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو، المعروف بـ"حميدتي"، لتركيا قبل أيام، ولقاؤه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونائبه فؤاد أوقطاي، فضلاً عن مشاركته في افتتاح مسجد تقسيم في إسطنبول، وتوقيع العديد من الاتفاقيات، أحدث المؤشرات على أن العلاقة بين أنقرة والخرطوم، والتي تضررت بعد سقوط نظام الرئيس عمر البشير، بدأت تجد طريقها نحو الترميم، عبر بناء أسس تعاون جديدة مع السلطة الانتقالية، يحتل فيها الاقتصاد دوراً محورياً.
وبقدر الأهمية التي توليها أنقرة للعلاقة مع الخرطوم، فإن الأمر نفسه ينطبق على جوبا عاصمة جنوب السودان، إذ لطالما أبدت تركيا طيلة سنوات اهتماماً كبيراً بالسودان لجهة موقعه الجغرافي الاستراتيجي والتاريخ المشترك، ولما يملكه من ثروات طبيعية، والتي كانت أحد الدوافع الرئيسية لتوالي زيارات المسؤولين الأتراك للخرطوم. ولم تتبدل هذه الاستراتيجية بعد ولادة دولة جنوب السودان في 2011. ولذلك لم يكن مستغرباً أنه بالتزامن مع مباحثات دقلو في أنقرة، كان السفير التركي لدى جوبا أردم موتاف، يرافقه مسؤول الوكالة التركية للتعاون والتنسيق "تيكا"، يبحث مع وزيرة الطفولة والرفاه الاجتماعي في جنوب السودان آية بنيامين وريل، سبل التعاون بين البلدين وتطورات المشاريع التركية في البلد الأفريقي.

طه عودة أوغلو: السودان يريد الاستعانة بالقدرات العسكرية التركية

وأكد الباحث التركي في العلاقات الدولية طه عودة أوغلو أن "الزيارة التاريخية" التي قام بها "حميدتي" لتركيا اكتسبت أهمية كبيرة، لأنها أول زيارة لمسؤول سوداني كبير إلى تركيا منذ الإطاحة بالبشير في إبريل/نيسان 2019، ولأنها جاءت بمثابة فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، وخطوة لتدشين صفحة جديدة تعيد تشكيل التوازنات القائمة بالمنطقة. وقال عودة أوغلو، لـ"العربي الجديد"، إن عودة العلاقات الخليجية، وتطبيع العلاقات مع قطر، رفعا الحرج عن الحكومة الانتقالية في استئناف العلاقات مع تركيا، مشيراً إلى أن زيارة وزير الدفاع السوداني ياسين إبراهيم لتركيا قبل شهرين مهدت لزيارة حميدتي. وكشف عودة أوغلو أن مباحثات "حميدتي" وراء الأبواب المغلقة مع الأتراك تمثلت في محاولة استعانة الخرطوم بالقدرات العسكرية التركية، في إطار استعدادها لاحتواء التوترات مع جارتها إثيوبيا، في إطار بروتوكول التعاون العسكري المشترك.

وعشية زيارة دقلو لتركيا في 29 مايو/أيار الماضي، ذكرت صحيفة "السودان اليوم" أن القيادي في حزب "المؤتمر الوطني" المحظور، محمد مصطفى الضو قال إن دولةً عرضت عليهم تقديم مساعدات تتمثل في وقود ودقيق، للخروج من الأزمة الحالية التي تمر بها البلاد، مقابل قطع السودان علاقاته مع قطر وتركيا وإيران.
من جهته، قال الباحث السوداني وليد الطيب، لـ"العربي الجديد"، إن أهمية زيارة دقلو لتركيا ليست في مخرجاتها والاتفاقيات الموقعة، وإنما في كسر الجمود الذي اعترى العلاقات الثنائية بعد سقوط البشير، ومجيء نظام محسوب على محور خصم لتركيا، كما أنها تفتح الباب للوزراء السودانيين للتواصل مع نظرائهم الأتراك. وأضاف الطيب: "التأثير الكبير للإمارات على السلطة في السودان لن يرهنها إلى طرف واحد"، مؤكداً أن السودان سيعمل في المرحلة المقبلة على الابتعاد عن استقطاب المحاور، وسيمارس التوازن في علاقاته الخارجية وفق ما يحقق مصالحه.
ولفت الطيب، المقيم في أنقرة، إلى أن الدول الأفريقية، بما فيها جنوب السودان، تسعى للتحرر من الهيمنة الغربية وتأسيس المشروع التنموي المستقل، وهذا دافعها المشترك مع تركيا التي تحمل سجلاً نظيفاً إزاء علاقاتها مع الدول الأفريقية. وبيّن أن دولة جنوب السودان تعيد اكتشاف علاقاتها مع تركيا، مثل النظام السوداني الجديد، فضلاً عن أن جوبا تبحث عن أصدقاء جدد، مثل أنقرة، لمساعدتها في التخلص من أزماتها.

وليد الطيب: السودان سيعمل على الابتعاد عن استقطاب المحاور

وشهدت العلاقات بين أنقرة والخرطوم تطوراً خلال العقدين الماضيين، وتحديداً منذ وصول "حزب العدالة والتنمية" إلى السلطة في تركيا في 2002، حيث وضع خطة طموحة لتعزيز التواصل مع البلدان الأفريقية. وعلى الرغم من ترنح الاقتصاد السوداني طيلة السنوات الماضية، بعد عقود من العقوبات المفروضة عليه، بالإضافة لانفصال جنوب السودان، المنطقة الأغنى بالنفط، إلا أن ذلك لم يوقف الاستثمارات الخارجية في المنطقة المعروفة بثرواتها الطبيعية.
وقد شهد عام 2017 زيارة لأردوغان، برفقة مجموعة من رجال الأعمال الأتراك، للسودان. وأعلن حينها رغبة بلاده في رفع استثماراتها تدريجياً داخل البلاد حتى تصل إلى 10 مليارات دولار. وخلال هذه الزيارة، سلم البشير إدارة جزيرة سواكن إلى تركيا لفترة زمنية غير محددة، كي تقوم بإعادة ترميم الآثار العثمانية الموجودة فيها. وانتهت الزيارة بارتفاع الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة بين البلدين إلى 21، في مقدمتها إنشاء مجلس للتعاون الاستراتيجي. أما على الأرض، فتتصدر وكالة "تيكا" تسلم مشاريع البنية التحتية في البلاد. كما يتمثل الاستثمار التركي الأكبر في السودان، في مشروع بناء مطار الخرطوم بميزانية تصل إلى نحو مليار دولار.
وتمتد جذور العلاقة والتعاون بين تركيا والسودان وجنوب السودان لما يقرب من 450 سنة، إذ بدأت في العام 1555 عندما أنشأ العثمانيون محافظة على جزء من السودان وجزء من دولة إريتريا. وكانت تركيا من بين أوائل الدول التي اعترفت بدولة جنوب السودان، وافتتحت سفارة لها في جوبا في أكتوبر/تشرين الأول 2012. وذكر الموقع الإلكتروني لوزارة الخارجية التركية أن أنقرة "لديها استراتيجية أفريقية شاملة، وأنها بذلت مساعيها وجهودها لحل الأزمات والمشاكل في تلك القارة بالطرق السلمية". وأوضح أن "تطوير العلاقات مع دولة جنوب السودان يحمل أهمية كبيرة، لكونها دولة حديثة تمتلك موقعاً استراتيجياً مهماً للغاية، يتمثل في سيطرتها على طرق المرور في شرق أفريقيا ووسطها". واعتبر أن أنقرة "عملت منذ استقلال جنوب السودان على تسوية القضايا بين السودان وجنوب السودان، وأنها تقوم بدور هام وفاعل في هذا الصدد".