استمع إلى الملخص
- التداخل التركي في الملف السوري: تتواجد قوات تركية في سوريا لتشكيل "مناطق آمنة"، وتستضيف تركيا نحو 3 ملايين لاجئ سوري. تسعى تركيا للتطبيع مع نظام الأسد بناءً على مكافحة الإرهاب وعودة اللاجئين.
- التحديات الدبلوماسية والخلافات الإقليمية: تواجه تركيا تحديات مع إيران بشأن العمليات العسكرية، وتسعى للحفاظ على المدن المعارضة بدون تصعيد، مع التركيز على التوافقات مع إيران وروسيا لتحقيق الاستقرار.
انقسمت المواقف السياسية التركية حيال التطورات في سورية مع تقدّم الفصائل المسلحة المعارضة و"هيئة تحرير الشام" (هيئة النصرة سابقاً) وسيطرتها على مساحات واسعة منذ الأسبوع الماضي، فيما توافقت الأحزاب السياسية على ضرورة الحوار مع نظام بشار الأسد في طريق الحل السياسي لما يجري في سورية وسط اعتقاد بأن التطورات الميدانية في سورية يمكن أن تستفيد منها أنقرة لتحقيق أكثر من هدف. وبرز أمس الخميس قول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن مرحلة جديدة "تجرى إدارتها بهدوء" في الصراع السوري، وذلك في اتصال هاتفي مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس. وبحسب بيان للرئاسة التركية على منصة إكس، قال أردوغان لغوتيريس إن النظام السوري بحاجة إلى التواصل بسرعة مع شعبه للتوصل إلى حل سياسي شامل، مضيفاً أن تركيا تعمل على تهدئة التوتر وحماية المدنيين وتمهيد الطريق لحل سياسي. من جهته، دعا غوتيريس جميع الأطراف في سورية للانخراط وبشكل جدي مع مبعوثه الخاص إلى سورية غير بيدرسون من أجل وضع نهج جديد وشامل لحل الأزمة السورية بما يتماشى مع القرار الدولي 2254.
وتتداخل تركيا بشكل كبير مع الملف السوري، ويبلغ طول الحدود بين البلدين أكثر من 910 كيلومترات، وتوجد قوات تركية في سورية مشكّلة "مناطق آمنة" في كل من مناطق "درع الفرات" و"غصن الزيتون" و"نبع السلام"، وتوفر الحماية العسكرية الميدانية لمحافظة إدلب. كما أن تركيا تستضيف نحو 3 ملايين لاجئ سوري تطالب بعض الأحزاب بعودتهم إلى بلادهم وخصوصاً المعارضة، فيما تتهم تركيا "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) بأنها امتداد لحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً.
وقبل التقدم الكبير للفصائل المسلحة، حاولت تركيا التطبيع مع نظام بشار الأسد وإجراء حوارات معه وتأسيس علاقات تقوم على 3 مبادئ، هي مكافحة الإرهاب وعودة اللاجئين والحل السياسي، قبيل مغادرة القوات التركية للأراضي السورية، فيما وضع النظام شرط تحديد جدول زمني لانسحاب القوات التركية من سورية، ووصف هذه القوات على مدار السنوات السابقة بأنها قوات احتلال.
وعلى الرغم من أن الحكومة التركية كشفت عن أسباب ودوافع التطبيع بأهدافها الثلاثة، إلا أن السبب الرئيسي يعود للضغط الداخلي التركي الذي يعتقد على المستوى السياسي والشعبي أن مسألة عودة اللاجئين السوريين تمر عبر إعادة تأسيس العلاقات مع النظام، وهو ما دفع الحكومة لإطلاق مساعي التطبيع مع النظام.
وقائع جديدة في سورية
ومن المتوقع أن تفرض التطورات الأخيرة واقعاً جديداً على المعادلات السياسية في المنطقة، وبهذا الصدد أجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتصالات هاتفية مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين ومع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، فيما أجرى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان اتصالات مع نظرائه في مصر والسعودية والأردن وإيران وروسيا وقطر والولايات المتحدة والعراق، واستضاف وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في أنقرة الاثنين الماضي.
مصادر دبلوماسية تركية: الخلافات لا تزال تسيطر بشدة بين تركيا وإيران بشأن التطورات في سورية
وقالت مصادر دبلوماسية تركية لـ"العربي الجديد" إن الخلافات لا تزال تسيطر بشدة بين تركيا وإيران بشأن التطورات في سورية، فطهران تطالب بوقف فوري للعمليات العسكرية من قبل الفصائل السورية المسلحة، والعودة إلى واقع اتفاقات أستانة السابقة، وتعتبر أن هذه التطورات تهدد المسار والتوافقات التي جرت فيه. ووصفت المصادر الخلافات بأنها عميقة جداً، ولا تزال المفاوضات جارية وربما تستمر حتى توقف العمليات العسكرية والتفاوض وفق الواقع الجديد، إذ تشدد تركيا على موقفها بأن يكون هناك حل سياسي وحوار بين النظام والمعارضة وتطبيق القرارات الأممية والتطبيع بين دمشق وأنقرة فضلاً عن الحفاظ على المدن التي باتت المعارضة تسيطر عليها بدون أي تصعيد يؤدي للنزوح، مبينة أن التوافقات سواء بين تركيا وإيران، أو بين تركيا وروسيا، بحاجة إلى مزيد من الوقت، وستتوضح أكثر بعد لقاء وزراء خارجية الدول الضامنة المنتظر في وقت لاحق.
يُذكر أن علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، كان قد هاجم الثلاثاء الماضي الحكومة التركية بشدة بسبب تطورات الأوضاع في سورية، وذلك بعد وقت قصير من زيارة عراقجي لأنقرة، قائلاً إن "تركيا للأسف تحولت منذ فترة إلى أداة بيد أميركا والكيان الصهيوني"، مضيفاً في مقابلة مع قناة تسنيم الإيرانية: "لم نكن نتصور أن تركيا بتاريخها الإسلامي الطويل تقع في حفرة أنشأتها أميركا والكيان الصهيوني".
وفيما يخص التعليقات السياسية الداخلية التركية على ما يجري في سورية، كان أردوغان قد أعرب يوم الاثنين الماضي، عن أمله بإنهاء حالة عدم الاستقرار في سورية عبر اتفاق يتماشى مع المطالب المشروعة للشعب السوري، وذلك خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس جمهورية الجبل الأسود ياكوف ميلاتوفيتش في أنقرة. وأضاف: "نتابع عن كثب التطورات التي استجدت بشكل مفاجئ في جارتنا سورية، وكما كانت تركيا بالأمس فهي مستعدة اليوم أيضاَ للقيام بما يقع على عاتقها لإخماد النار المشتعلة في المنطقة، وأكبر تمنياتنا هي الحفاظ على وحدة أراضي سورية وإنهاء حالة عدم الاستقرار عبر اتفاق يتماشى مع المطالب المشروعة للشعب السوري". وأشار أردوغان إلى أن الوزير فيدان ورئيس جهاز الاستخبارات التركي إبراهيم قالن، على اتصال مستمر مع المسؤولين ذات الصلة في الدول الأخرى في ما يخص تطورات الشأن السوري.
من جهته، أكد فيدان أن بلاده لا تريد للحرب الأهلية في سورية أن تتصاعد أكثر، وذلك في مؤتمر صحافي مشترك مع عراقجي الاثنين. وقال: "من الخطأ في هذه المرحلة محاولة تفسير الأحداث في سورية بوجود تدخّل خارجي، وعبر مسار أستانا كنا نهدف إلى تعزيز انخراط النظام مع المعارضة في المجال السياسي، والسبب وراء اندلاع صراعات واسعة النطاق مجدداً هو أن المشاكل المترابطة في هذا البلد لم يتم حلها منذ أكثر من 13 عاماً"، واصفاً تجاهل المطالب المشروعة للمعارضة السورية وعدم اشتراك النظام بإخلاص في العملية السياسية بـ"الخطأ"، وذكر أن "التطورات الأخيرة تظهر مرة أخرى أن دمشق يجب أن تتوصل إلى تسوية مع شعبها ومع المعارضة الشرعية".
مواقف حزبية تركية من تطورات سورية
وعلى صعيد الأحزاب، قال زعيم حزب الحركة القومية دولت باهتشلي، وهو حليف أردوغان، في كلمة له في اجتماع الكتلة البرلمانية بأنقرة الثلاثاء الماضي: "يجب إحياء الدبلوماسية والحوار بين تركيا وسورية بدون أي تأثير تخريبي من أطراف ثالثة... سورية دولة خلافية عالقة بين دمشق واللاذقية، وخرج ثلثا أراضيها عن السيطرة، وأصيبت سيادتها بجراح مميتة، وهي على قيد الحياة، إنها حقيقة مأساوية". وأكمل "لم يفت الأوان بعد، قيام الأسد بالاتصال والحوار مع تركيا بدون شروط مسبقة وإظهار رغبته في التطبيع هو لمصلحته أولاً ثم لمصلحة بلاده، وتركيا لا تطمع بأراضي أحد وفي الوقت نفسه لا تتسامح بمن يضع عينه على أراضيها، والآن تم تطهير تل رفعت، ونأمل أن تكون منبج هي التالية".
مقابل ذلك، ذهب رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض أوزغور أوزال إلى دعوة أردوغان لعدم التدخّل في الشؤون السورية، وللاستفادة من أخطاء الماضي، قائلاً في كلمة أمام اجتماع كتلة حزبه البرلمانية في أنقرة الثلاثاء الماضي: "نحذر الحكومة من إعادة تركيا إلى سياسات سابقة، ويجب الابتعاد عن مخططات تقسيم سورية، فهي وروسيا وإيران جيران لتركيا، ومن الضروري أن تكون لتركيا علاقات جيدة مع جميع جيرانها". وأضاف: "لا يمكننا العمل من أجل مصالح الولايات المتحدة أو روسيا في المنطقة، لا يمكننا أن نعمل كرؤساء مشاركين لمشروع الشرق الأوسط الكبير ولا أن ننخرط في ارتباطات من شأنها أن تضع مواطنينا في الغرب في موقف صعب، حزب الشعب الجمهوري على استعداد للمساعدة، دعونا نجتمع مع الأسد، فهدفنا الرئيسي هو الاستقرار وحل مشكلة اللاجئين في تركيا، وهذه هي دعوتنا للأسد: عندما يغادر الجميع سنبقى هنا، وسنستمر في البقاء هنا، من مصلحتكم إقامة علاقات جيدة مع تركيا بغض النظر عن التوترات السابقة والكلمات المتبادلة مع الإدارة الحاكمة في تركيا اليوم، لا بد من فتح صفحة جديدة والبدء بالحوار من أجل وحدة أراضي سورية وأخوّة شعبي البلدين".
أوزغوز أوزال: نحذر الحكومة من إعادة تركيا إلى سياسات سابقة، ويجب الابتعاد عن مخططات تقسيم سورية
كما قال زعيم الحزب الجيد مساوات درويش أوغلو، في كلمة له الأسبوع الماضي، إن "التنظيمات الجهادية في حلب تقوم بتحركات قد تؤدي إلى القضاء على سلامة الأراضي السورية"، مشدداً على أنه يتعيّن على تركيا الابتعاد عن أي مسار للأحداث من شأنه أن يؤدي إلى ارتباطها بهذه الجماعات.
ويظهر من التصريحات السياسية التركية ومن حديث مراقبين وخبراء، أن ثمة إجماعاً على وحدة سورية، وعلى الحوار مع النظام وتأسيس العلاقات وصولاً إلى الحل السياسي الذي يؤدي لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وهي أولوية تركيا.
وعن المواقف التركية السياسية مما يجري في سورية، قال الكاتب والإعلامي المختص بالشأن السوري جلال دمير، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "هناك تطورات تاريخية في سورية ربما تؤثر على خريطة المنطقة والتوازنات الإقليمية والعالمية"، مضيفاً أن "المعارضة السورية تحقق تفوقاً هاماً أمام قوات الأسد وتسيطر على مناطق ومحافظات واسعة، والموقف التركي يسعى لتقديم خطاب معتدل متوازن يتناسب مع دور أنقرة بمسار أستانا، وهي تشير دائماً إلى أن هناك مشكلة في سورية وبحاجة للحل على أرضية سياسية، وحاولت تركيا نقل المسألة لكافة الميادين الدولية ولروسيا وإيران والنظام، ولكن لم يتم الاعتبار لها ومع ذلك ما زالت تركيا عند قناعتها".
وأكد أن "تركيا تطالب بحصول استقرار في سورية، وأي فوضى ستؤثر على تركيا، ولا الدولة ولا الشعب ولا الأحزاب تطالب بذلك، ولهذا تهتم أنقرة بالحل السياسي". وتابع: "تركيا ستواصل الدفاع عن حقوق السوريين، ومن الواضح أن هناك مرحلة ستكون فيها مطالب المعارضة أقرب للتحقق، وتطالب أنقرة بحل سياسي يشمل جميع السوريين، وفي الوقت نفسه فإن الرؤية التركية عبر معظم الأحزاب هي الوقوف ضد التنظيمات الانفصالية والإرهابية والابتعاد عنها، وأن تكون سورية خالية منها".
إلياس قلج أصلان: الحكومة والمعارضة في تركيا تنتظران أن يخوض نظام بشار الأسد حواراً مع أنقرة
من جهته، قال الصحافي والكاتب إلياس قلج أصلان، لـ"العربي الجديد"، إن "الرأي العام في تركيا راقب التطورات في سورية باستغراب كبير فلم تكن التوقعات بحصول تطورات كبيرة بهذا الشكل، وكانت الحكومة قبل فترة قد أطلقت مسألة العفو عن زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، والحوار مع حزب ديم الكردي، ويبدو أن كل ذلك كان للتحضير للوضع في سورية، أما التطورات الحالية وخصوصاً تقدّم المعارضة فيحظى بدعم كبير من الأحزاب السياسية، خصوصاً مع تحرير تل رفعت وتوجه الأنظار إلى منبج". ولفت إلى أن "الحكومة والمعارضة في تركيا تنتظران أن يخوض نظام بشار الأسد حواراً مع أنقرة، وعرض أردوغان ذلك سابقاً ولكن الأسد لم يقبل، ولكن الآن مع تقدّم المعارضة وتغير خريطة القوى التي قد تؤدي إلى رحيل الأسد عن السلطة، قد نشهد استمراراً لمسار أستانا بشروط جديدة بعد توقفه وفق المنظور الحكومي في تركيا"، مضيفاً أن "المعارضة التركية وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري، وإن كانت تنظر للأمر بزاوية مختلفة، فهي تدعم في النهاية سياسة الدولة التركية حيال سورية".
ورأى أصلان أن "تحقيق الانتقال السياسي في سورية والاستقرار والسلام وعودة اللاجئين ستؤدي لتغييرات سياسية داخلية لصالح الرئيس أردوغان وتخفف ضغوط المعارضة عليه، وإن ترافق ذلك مع مسألة العفو عن أوجلان ستؤدي لعودة قوية لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة، وبالتالي التطورات السورية تحمل أهمية كبيرة للرئيس أردوغان ومستقبله السياسي وقد تقود به إلى التوافق للترشح مجددا في الانتخابات، وهو يسعى بجهد لتحقيق المقاربة التركية".
وفي السياق، قال الخبير العسكري والجنرال السابق في سلاح الجو التركي أردوغان كاراكوش لوكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) عبر الهاتف يوم الثلاثاء إن أنقرة يمكن أن تحقق في نهاية المطاف هدفين رئيسيين من أهدافها الرئيسية طويلة الأجل في سورية. وأضاف كاراكوش أن تركيا تأمل في عودة ما يصل إلى مليوني لاجئ سوري في البلاد إلى وطنهم إذا تمكن المسلحون من السيطرة على مدينة حلب. وأضاف أن هذا من شأنه أن يخفف من وطأة الأمر على الرئيس أردوغان فيما يتعلق بالسياسة الداخلية في تركيا. وبالإضافة إلى ذلك، يفترض كاراكوش أن يتمكن المسلحون الموالون لتركيا من طرد مسلحي وحدات حماية الشعب الكردية من غرب الفرات على طول الحدود التركية. وسيعني ذلك تعزيز أمن الحدود حيث تعتبر تركيا وحدات حماية الشعب فرعا من حزب العمال الكردستاني المحظور وبالتالي فهي منظمة إرهابية، وفقاً لكاراكوش.