ترحيب في طرابلس وصمت بالشرق... هل يصمد اتفاق وقف إطلاق النار الليبي؟

ترحيب في طرابلس وصمت في الشرق... هل يصمد اتفاق وقف إطلاق النار الليبي؟

24 أكتوبر 2020
الاتفاق تم برعاية أممية (تويتر)
+ الخط -

لقي الاتفاق الموقّع، أمس الجمعة، بين وفدي اللجنة العسكرية الليبية المشتركة، بشأن وقف دائم لإطلاق النار، ترحيباً من جانب حكومة "الوفاق" في طرابلس، فيما لا يزال معسكر شرق ليبيا وحلفاؤه يلتزمون الصمت حياله، وسط تشكيك مراقبين في فاعلية وقدرة الاتفاق على الصمود.

وانتهى الاتفاق الموقّع في جنيف بين وفدي اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5 برعاية الأمم المتحدة، إلى 5 مبادئ أساسية، و12 بنداً، عنوانها العريض "وقف إطلاق النار بشكل دائم" في جميع أنحاء البلاد.

وتمثل بنود الاتفاق، التي نشر مضامينه "العربي الجديد"، طريقاً لتطبيق فعلي لوقف الاقتتال في البلاد، أهمها إخلاء جميع خطوط التماس من الوحدات العسكرية بإعادتها إلى معسكراتها، بالتزامن مع خروج جميع المرتزقة والمقاتلين الأجانب من الأراضي الليبية، براً وبحراً وجواً، في مدة أقصاها ثلاثة أشهر من تاريخ التوقيع على الاتفاق، مع تجميد العمل بالاتفاقيات العسكرية الخاصة بالتدريب في الداخل الليبي وخروج أطقم التدريب إلى حين تسلم الحكومة الجديدة الموحدة أعمالها.

كما نصت البنود على تشكيل غرفة أمنية مشتركة لتنفيذ ترتيبات أمنية خاصة تكفل تأمين المناطق التي تم إخلاؤها من الوحدات العسكرية، تزامناً مع تشكيل قوة عسكرية تعمل تحت غرفة يتم تشكيلها من اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5 لمراقبة تنفيذ الاتفاق وكقوة للحد من الخروقات المتوقع حدوثها.

 ورحب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة "الوفاق"، فائز السراج، بالاتفاق، معتبراً أنه الطريق "الممهد لنجاح المسارات الأخرى الاقتصادية والسياسية".

وبينما شدد السراج، خلال كلمة وجهها للشعب الليبي بمناسبة انتصار ثورة 17 فبراير، بثها التلفزيون الرسمي، الجمعة، على ضرورة أن يفضي الاتفاق إلى "مسار يقود سريعاً إلى الانتخابات وهو الاستحقاق الذي سينهي أزمة الشرعيات التي أنهكت البلاد"، إلا أنه شدد على أنّ حكومته "لن تهمل قضية المساءلة ولا تساهل مع من ارتكب جرائم في حق الليبيين، ومن خلّف عند انسحابه ألغاماً ومقابر جماعية". 


ورغم مضي يوم على توقيع الاتفاق لم يصدر عن قيادة مليشيات اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، ولا مجلس نواب طبرق أي موقف بشأنه، ولا عن الدول الداعمة لحفتر كالإمارات وروسيا. لكن دولاً أخرى على رأسها الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا وقطر ومصر، عبرت عن ترحيبها بالتوقيع على الاتفاق، علاوة على الاتحاد الأفريقي والأوروبي والجامعة العربية. 

وعلى الرغم من أنّ نصوص الاتفاق أكدت البدء الفوري في تنفيذه حال توقيعه، إلا أنّ غموض موقف معسكر شرق ليبيا وحلفاءهم حتى الآن يبعث الشكوك بخصوص قدرة الاتفاق على الصمود، بحسب رأي الأكاديمي الليبي خليفة الحداد.

ويرى الحداد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، اليوم السبت، أنّ "الإنجاز والخطوات السريعة للبعثة الأممية جاءت بدفع أميركي واضح وتأييد من دول الغرب بهدف عزل روسيا في المشهد الليبي"، مشيراً إلى أنّ "إرغام معسكر حفتر على التوقيع على الاتفاق هو لسحب اللواء المتقاعد الذي تتخذ منه موسكو غطاء لوجودها في ليبيا".

وفور توقيع الاتفاق، قال السفير الأميركي في ليبيا، ريتشارد نورلاند، إنه "ليس هناك شك في أنّ مجموعة فاغنر تتصرف نيابة عن الحكومة الروسية"، مشيراً، في تصريحات صحافية، إلى أنه "ليس هناك أمل في انسحاب المقاتلين الأجانب من غرب ليبيا طالما استمرت مجموعة فاغنر في تعزيز وجودها في الشرق".

ويشكك الحداد في قدرة الاتفاق على تنفيذ البند الأساسي المتعلق بمغادرة المرتزقة المقاتلين الأجانب في غضون ثلاثة أشهر، موضحاً أنّ "روسيا دعمت شركة فاغنر بآليات حديثة ومنظومات دفاع والمتحدث الرسمي باسم جيش الوفاق كشفت عن أكثر من 30 تحصين عسكري لفاغنر حول قاعدة الجفرة وثقل عسكري آخر في قاعدة براك الشاطئ في الجنوب".

وأكد أن هذا الوجود العسكري يشير إلى رغبة روسية في البقاء و"لن يجبرها اتفاق عسكري ليبي أو غيره على الخروج دون تحقق مصالحها"، على حد تعبيره.

 
ويلفت الحداد إلى تلكؤ في تصريحات ممثلي حفتر في اللجنة العسكرية، وقال "أحدهم صرح بعد توقيع الاتفاق مباشرة بالقول إنهم اتفقوا على إرجاع الوحدات العسكرية ولم يتفقوا على إخلاء سرت وهو ما تؤكده بنود الاتفاق التي لم تتحدث صراحة عن سرت والجفرة"، معتبراً أنّ الاتفاق ترك هامشاً كبيراً للمناورة لكلا الطرفين.

وحيال تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي وصف الاتفاق بـ "ضعيف المصداقية"، يقول الحداد إنّ "تركيا شعرت بانتكاسة لدى الوفاق ويبدو أنها لم تستشر في بنود هذا الاتفاق العسكري وهي التي دعمت الوفاق عسكرياً ووازنت الميدان لصالحها"، مشيراً إلى أنّ "تصريحات وزير الدفاع بحكومة الوفاق، صالح النمروش، بشأن الاتفاق جاءت كرسالة ترضية لعدم رضا التركي حيال الاتفاق".

وفي وقت متأخر من أمس الجمعة، وصف النمروش الاتفاق بـ"المبدئي"، مؤكداً أنّ فعاليته تبدأ بـ"السحب الفوري للمرتزقة من المنشآت النفطية كافة والمواقع العسكرية إثباتاً لصدق النوايا وخروجهم النهائي من البلاد"، وفق تصريحه لتلفزيون ليبي.

لماذا شككت تركيا بالاتفاق؟

ويلفت الحداد إلى أنّ الانزعاج التركي يتعلق أيضاً بنص الاتفاق على تجميد الاتفاقات "ما يعني مساواة اتفاقها القانوني مع حكومة الوفاق بالاتفاقات غير المعلنة من جانب حفتر مع شركة فاغنر".

ويرى أنّ الاتفاق لن يصطدم برفض روسي ضمني فقط بل سيتعداه لموقف تركيا التي لن توافق على تجميد اتفاقاتها البحرية مع "الوفاق" بسبب أهدافها الاستراتيجية في شرق المتوسط، خصوصاً أنّ هناك تقارباً بين أنقرة وموسكو مؤخراً قد يوحد موقفهما. 

ورغم الصمت المريب من جانب معسكر شرق ليبيا، إلا أنّ الباحث السياسي الليبي بلقاسم كشادة يرى أنّ بنود الاتفاق قد تخدم مصالح حفتر "وعلى رأسها أنها ستمنحه صكا يبرّئه من كل الجرائم المتصلة بحربه على طرابلس كالمقابر الجماعية وقتل المدنيين".

ويضيف كشادة متحدثاً لــ"العربي الجديد" أنّ "الاتفاق صيغ بين طرفين متساويين وتم التغاضي عن كل جرائم حفتر وكأنه لم يعتدِ على مدنيين ويحاصر العاصمة لأكثر من عام. كما أنه يبرئ دولاً شاركت بطائراتها في قصف طرابلس كالإمارات".

وعلى الرغم من استيائه مما وصفه بـ"ضعف الاتفاق"، إلا أنّ كشادة يرى أنه احتوى على بنود تحلحل قضايا وأزمات تتصل بحياة المواطن والاقتصاد. 

وفي هذا الصدد، أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط، عن رفع حالة القوة القاهرة، عن ميناءي السدرة ورأس لانوف، وسط البلاد، أمس الجمعة. 

تقارير عربية
التحديثات الحية

وقالت المؤسسة، في بيان ليل الجمعة، إنها أعطت تعليماتها لمباشرة ترتيبات الإنتاج بمراعاة معايير الأمن "بعدما تأكد مغادرة القوات الأجنبية بمنطقة الميناءين بما يمكنها من القيام بعملياتها النفطية ومباشرة الصادرات"، في إشارة لمغادرة مقاتلي" فاغنر" المسيطرين على الحقلين، ما يراه كشادة مؤشراً إيجابياً لبدء تنفيذ البند المتعلق بخروج المرتزقة. 


ورغم تأكيد كشادة على تعلق تنفيذ الاتفاق بإرادة الطرفين خصوصاً بعد الإنهاك التي عاشه طرفي الصراع، إلا أنه يرى أنّ الطريق لا يزال طويلاً أمام اقتناع الأطراف على الأرض بجدوى هذا الاتفاق.

واعتبر كشادة أنّ تأكيد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، على أن "الكثير من العمل الشاق ينتظر الاتفاق"، يعكس اعترافاً أممياً بصعوبة تنفيذه.

المساهمون