استمع إلى الملخص
- تتفاقم الخلافات بين أوكرانيا والولايات المتحدة بسبب اقتراح واشنطن إنشاء صندوق بقيمة 500 مليار دولار تتحمل أوكرانيا تكاليفه، بينما ترفض كييف الشروط الأمريكية وتطالب بضمانات مالية وعسكرية.
- يسعى ترامب لإنهاء الحرب الأوكرانية بشروط روسية، مما يثير قلق كييف من تقديم تنازلات، بينما ترحب موسكو بتشديد ترامب لهجته حيال أوكرانيا.
بعد ثلاث سنوات على بدء الحرب الأوكرانية بغزو روسي واسع النطاق، تبدو كييف أبعد من أي وقت مضى عن إحراز تقدم على الأرض أو الحصول على مزيد من الدعم الأميركي الحيوي، بعد تحوّل موقف البيت الأبيض من الملف الأوكراني في أعقاب تنصيب دونالد ترامب رئيساً في 20 يناير/كانون الثاني الماضي. وعشية حلول الذكرى الثالثة للحرب الأوكرانية، ذكرت وكالة بلومبيرغ الأميركية أن الولايات المتحدة تسعى لعرقلة مشروع قرار أوكراني أوروبي مندد بالغزو الروسي لأوكرانيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بينما قدّمت وزارة الخارجية الأميركية نص مشروع قرار بديل يكتفي بالتعازي في ضحايا "النزاع الروسي الأوكراني" والحث على وقف إطلاق النار في أسرع وقت.
مشروع قرار أميركي بشأن الحرب الأوكرانية
ودعا المقترح الأميركي الذي لا يتجاوز 65 كلمة إلى إنهاء الحرب الأوكرانية وإلى "سلام مستدام بين أوكرانيا وروسيا"، في صياغة مقتضبة تختلف تماماً عن نصوص سابقة للجمعية تدعم صراحة كييف، من دون وصف روسيا بـ"المعتدي"، أو المطالبة بسحب قواتها من أوكرانيا. ويتناقض هذا مع مشروع قرار مدعوم من جانب أوروبا، دعا إلى انسحاب القوات الروسية بصورة فورية من أوكرانيا. والمفاوضات بشأن التعديلات المحتملة على مشروع القرار الأميركي جارية. بدوره، أكد ترامب، مساء أول من أمس السبت، أنه يحاول "استعادة أموال" المساعدات التي قدمتها الولايات المتحدة إلى أوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي، على خلفية مباحثات بين واشنطن وكييف محورها التوصل إلى اتفاق يتصل بموارد كييف من المعادن.
وقال ترامب: "أتواصل مع الرئيس (الأوكراني فولوديمير) زيلينسكي، وأتواصل مع الرئيس (الروسي فلاديمير) بوتين. أحاول استعادة الأموال أو تأمينها". وأضاف: "أعطت أوروبا المال في صورة قرض، وستسترد أموالها. أما نحن، فقد أعطينا المال من دون مقابل، لذلك أريد منهم أن يعطونا شيئاً في مقابل كل الأموال التي دفعناها". وتابع في خطاب في مؤتمر العمل السياسي المحافظ (سيباك)، وهو تجمع سنوي للمحافظين يعقد قرب واشنطن: "سأحاول وضع حد لكل هذا الموت". وقال الرئيس الأميركي: "نطلب معادن نادرة ونفطاً، أي شيء يمكن أن نحصل عليه". وشدّد ترامب على أنه "سنستعيد أموالنا لأن هذا ليس عادلاً. وسنرى ما سيحدث، ولكنني أعتقد أننا قريبون جداً من التوصل إلى اتفاق، ومن الأفضل أن نكون قريبين جداً لأن هذا كان وضعاً مروعاً".
وتفاقمت الخلافات الأوكرانية الأميركية بعد اقتراح واشنطن تأسيس صندوق بقيمة 500 مليار دولار تتحملها أوكرانيا عبر تنازلها عن نصف عوائد الموارد الطبيعية، بما فيها المعادن النادرة، وكذلك أرباح الموانئ وغيرها من عناصر البنية التحتية، على أن تمتلك الولايات المتحدة هذا الصندوق تعويضاً عن النفقات التي تحملتها لدعم أوكرانيا. إلا أن كييف عارضت هذا الاقتراح، مقدرة قيمة الدعم الأميركي الفعلي المقدم لها بـ90 مليار دولار، وفق مصدر من "بلومبيرغ" مطلع على المحادثات، بينما لا يزال حجر العثرة هو انعدام أي ضمانات مالية وعسكرية وأمنية أميركية لكييف. وأكد زيلينسكي أنه "غير مستعد" لتوقيع اتفاق بشأن المعادن الأوكرانية مع واشنطن، وفق ما ذكر مصدر مطلع على الملف لوكالة فرانس برس، مساء أول من أمس السبت. وأوضح المصدر: "يريدون سلب 500 مليار دولار منا"، مضيفاً: "أي نوع من الشراكة هذه؟ ولماذا يتعين علينا منح 500 مليار دولار، لا يوجد جواب". وأكد المصدر أن كييف "اقترحت تعديلات".
مكسيم يالي: سنضطر في جميع الأحوال لتقديم تنازلات أليمة
وكشف مسؤول أوكراني مطلع على المحادثات بين واشنطن وكييف أن أوكرانيا رفضت المطالب الأميركية بإنشاء صندوق بقيمة 500 مليار دولار، يكون جزءاً من صفقة لمنح واشنطن جزءاً من الثروة المعدنية للبلاد، حسب ما نقلت وكالة بلومبيرغ الأميركية عنه. وأضاف المسؤول أن ترامب يريد استرداد الأموال التي دفعتها واشنطن لكييف في الحرب الأوكرانية، لكن كييف ترى أن المبلغ الفعلي للمساعدات الأميركية لم يتجاوز 90 مليار دولار. وأكد أن عدم وجود ضمانات بمساعدات عسكرية ومالية في المستقبل لا يزال نقطة شائكة في المحادثات. كذلك، أوضح شخص آخر مطلع على المحادثات، لـ"بلومبيرغ"، أن المفاوضين (الأميركيين والأوكرانيين) بحاجة إلى مزيد من الوقت لوضع اللمسات الأخيرة على الصفقة، لأن مسودة الاتفاقية الحالية التي اقترحتها الولايات المتحدة تحتوي على بعض العناصر المشكوك فيها والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي غير مستعد للموافقة عليها.
ترامب: أعتقد أننا قريبون جداً من التوصل إلى اتفاق
لن تسيطر أميركا على أصول أوكرانيا
وكان وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت قد كتب في صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، أول من أمس السبت، أن الصفقة تقترح تخصيص الإيرادات التي تتلقاها الحكومة في كييف من الموارد الطبيعية والبنية التحتية والأصول الأخرى لصندوق يركز على إعادة الإعمار والتنمية على المدى الطويل في أوكرانيا، حيث ستكون للولايات المتحدة حقوق اقتصادية"، مشدّداً على أنه "لن تأخذ الولايات المتحدة ملكية الأصول في أوكرانيا، ولن يُثقل كاهل أوكرانيا بمزيد من الديون". وبحسب "بلومبيرغ"، ناقش المسؤولون الأوكرانيون اتفاق المعادن المحتمل مع المبعوث الأميركي الخاص كيث كيلوغ خلال زيارته إلى كييف الأسبوع الماضي، بعد أن رفض زيلينسكي عرضاً أولياً من واشنطن في وقت سابق من الشهر. وكانت نسخة الاتفاق الأولي قد تمحورت حول تأمين 50% من مبيعات التراخيص والعائدات الأخرى من المعادن والنفط والغاز والموانئ، التي انتقدها كثيرون مشيرين إلى أنها "تذكرنا بعهود الاستعمار". ونقلت "بلومبيرغ" عن شخص مطلع أن "كييف تريد بشكل مثالي توقيع صفقة نهائية بشأن المعادن بحضور رئيسي الولايات المتحدة وأوكرانيا". من جهته، قال المبعوث الأميركي كيث كيلوغ الذي زار كييف إن زيلينسكي يدرك أن توقيع مثل هذه الوثيقة "أمر بالغ الأهمية".
وبذلك، تواجه كييف بعد ثلاث سنوات من الحرب الأوكرانية المدمرة تداعيات كارثية لجهة مقتل مئات آلاف الأشخاص ونزوح الملايين وتدمير مدن كاملة وضم روسيا مقاطعات خيرسون وزابوريجيا ولوغانسك ودونيتسك بشكل أحادي الجانب. ويبدي المحلل في مركز الاتصال الاستراتيجي والأمن المعلوماتي في كييف مكسيم يالي أسفه لما يعتبره نيّة ترامب إنهاء النزاع بالشروط الروسية من دون تقديم أي ضمانات أمنية لأوكرانيا. ويقول يالي في حديث لـ"العربي الجديد": "شكلت الحرب الأوكرانية كارثة إنسانية كبيرة من جهة دمار مدن كاملة وعناصر للبنية التحتية الحيوية في أوكرانيا، ونزوح ملايين الأشخاص داخلياً أو لجوئهم إلى الخارج، ومقتل عشرات بل مئات آلاف الأشخاص بين العسكريين والمدنيين". وحول رؤيته لمستقبل الحرب الأوكرانية مع دخولها عامها الرابع، يرى يالي: "يدفعنا شركاؤنا، وعلى رأسهم ترامب، نحو إنهاء الحرب بأي شروط ومطالب يضعونها أمامنا وكأننا الطرف الذي أشعل الحرب، من قبيل التوقيع على اتفاق قيمته 500 مليار دولار لانتفاع الشركات الأميركية بالمعادن النادرة في أوكرانيا، علماً أن هذا المبلغ يفوق كثيراً مجموع المساعدات التي حصلت عليها كييف من جميع الدول الغربية وليس الولايات المتحدة وحدها. في المقابل، لم تُقترح أي آلية من شأنها تقديم ضمانات أمنية فعلية لأوكرانيا بعدم تكرار الحرب أو إلزام روسيا بدفع تعويضات".
بيسنت: لن تسيطر أميركا على الأصول الأوكرانية
القبول بالشروط الروسية هزيمة
ويعتبر يالي أن ترامب عازم كل العزم على إنهاء الحرب بالشروط الروسية، قائلاً: "المعادلة التي يقترحها ترامب مطابقة تماماً لرؤية الكرملين وفق تسلسل وقف إطلاق النار فالانتخابات الرئاسية فالتوقيع على اتفاقية سلام. لا تحظى مثل هذه الخطة بدعم أغلبية الأوكرانيين، ولكننا سنضطر في جميع الأحوال لتقديم تنازلات أليمة. يبقى الأمل الوحيد أن يشرح مستشارو ترامب له أن القبول بجميع الشروط الروسية للتسوية لن يشكل انتصاراً دبلوماسياً، بل هزيمة على غرار الانسحاب الأميركي من أفغانستان". ويخلص إلى أن "ترامب لا يريد إزعاج الجانب الروسي حتى بإدراج التنديد بالغزو الروسي على بيانات مجموعة الدول السبع ومشاريع القرارات الأممية"، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن ترامب يُعرف بأنه يغير قراراته بسهولة، بما فيه رفعه الحظر عن تزويد كييف بالأسلحة الفتاكة في بداية عام 2018، ما يعني أن الأمر قد يتكرر في حال رفضت روسيا الحلول الوسط. من جانب آخر، يعتبر المحلل السياسي والصحافي المتخصص في الشأن الأوكراني المقيم في موسكو ألكسندر تشالينكو أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض خلقت وضعاً جيوسياسياً فريداً من نوعه، قائلاً في تعليق لـ"العربي الجديد": "لأول مرة، هناك انطباع بأن روسيا والولايات المتحدة تتصرفان وكأنهما حليفتين أو ليستا خصمين على الأقل. تتيح الانقسامات داخل الكتلة الغربية لروسيا أن تحقق طموحاتها الجيوسياسية على غرار تحالفها مع عدد من الدول الغربية إبان الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918) ضد ألمانيا".
وأثار تشديد ترامب لهجته حيال أوكرانيا ترحيب موسكو، إذ اعتبر نائب رئيس مجلس الأمن الروسي الرئيس السابق دميتري مدفيديف، أول من أمس السبت، أنه يتعين على زيلينسكي أن يركع أمام ترامب ويعلن عن إجراء الانتخابات الرئاسية والاستعداد للاستسلام، وسط زيادة كثافة الاتصالات الروسية الأميركية وانعقاد لقاء رفيع المستوى بمشاركة وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأميركي ماركو روبيو، في الرياض، الأسبوع الماضي. وكان الملياردير الروسي الهارب المالك السابق لشركة يوكوس النفطية العملاقة ميخائيل خودوركوفسكي، الذي يعد واحداً من أشد خصوم الكرملين، قد أقر في حوار مع قناة دوجد الليبرالية المعارضة على هامش مؤتمر ميونخ للأمن، في وقت سابق من الشهر الحالي، بأنه يجب الإدراك أن أوكرانيا لن تعود إلى وضع الحدود ما بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991، معتبراً وقف إطلاق النار في الحرب الأوكرانية يصب في مصلحة الطرفين، ومنهما أوكرانيا حتى لا تخسر جيل الشباب.