ترامب يطمع بثروات ميانمار: واشنطن تدرس اقتراح الاتفاق مع المتمردين
استمع إلى الملخص
- تتضمن الاستراتيجية المقترحة تعديل السياسة الأميركية تجاه ميانمار، بما في ذلك الحوار مع المتمردين مثل "جيش استقلال كاشين"، الذي يسيطر على مناطق غنية بالمعادن النادرة.
- تشمل الاقتراحات تخفيف الرسوم الجمركية ورفع بعض العقوبات، بالإضافة إلى التعاون مع الهند، مع تعيين مبعوث خاص لتنفيذ هذه المهام، رغم أن النقاشات لا تزال في مراحلها الأولى.
بعد أن تمكّن الرئيس الأميركي دونالد ترامب حتى الآن من إبرام صفقتي معادن، الأولى مع أوكرانيا، والثانية مع الكونغو الديمقراطية، التي انتزع "سلاماً" بينها وبين رواندا الداعمة لمتمردي حركة 23 مارس شرق الكونغو، يبدو أن أنظاره تتجه إلى ميانمار طمعاً بثرواتها، وللتوصل إلى صفقة معها، مهما تطلب ذلك، بما في ذلك تعديل استراتيجية الولايات المتحدة في التعاطي مع عسكر ميانمار أو الحوار مباشرة مع المتمردين، في خطوة إن تحققت، تتيح للرئيس الأميركي تحقيق أهداف أخرى، أهمها تحويل الإمدادات الضخمة من المعادن النادرة في هذا البلد بعيداً عن الصين.
مفاوضات مقترحة مع "جيش استقلال كاشين"
وكشفت وكالة رويترز، أمس الثلاثاء، عن نقاشات أجرتها إدارة ترامب، مع مسؤولين ومستثمرين أميركيين، لدراسة خيارات عدة من أجل الوصول إلى المعادن الأرضية النادرة في ميانمار، البلد الواقع في جنوب شرق آسيا، على الحدود مع الصين، والغارق منذ فبراير/ شباط 2021، في فوضى ما بعد الانقلاب العسكري ضد الحاكمة المدنية السابقة أونغ سان سو تشي، والتي تتمثل بحرب بين الجيش الحاكم والجماعات المتمردة المسلحة. أحد هذه الخيارات المقترحة على إدارة ترامب، محاولة إبرام صفقة مع جماعة مسلحة قوية، هي "جيش استقلال كاشين"، الناشطة في ولاية كاشين شمال شرقي البلاد. هذا "الجيش"، الذي اتخذ موقفاً حيادياً لوقت قصير جداً بعد الانقلاب، استعاد سريعاً معاركه مع الجيش، ومن بين أهدافه السيطرة على المناطق الحدودية في البلاد، المتاخمة للصين، والغنية بالمعادن الأرضية النادرة. وتمكن "جيش استقلال كاشين" من تحقيق تقدم ميداني كبير، ومنذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تدور معارك حامية بينه وبين الجيش للسيطرة على مدينة بامو، على بعد أقل من 100 كيلومتر من الحدود الصينية. وتعتبر بامو حقلاً غنياً واستراتيجياً بالمعادن الأرضية النادرة، وهدّدت الصين بوقف معالجة المعادن النادرة في الولاية، إذا ما سيطر هذا "الجيش" على بامو.
تهيمن الصين بنسبة 90% على قطاع معالجة المعادن بالعالم
ويستعر الصراع بين الولايات المتحدة والصين على المعادن الأرضية النادرة. حتى الآن، لا يبدو هذا الصراع متكافئاً، ويصبّ ميزان القوة فيه بفارق كبير لصالح بكين. هذه المعضلة الأميركية لاستمرار الهيمنة على قطاع الصناعات التكنولوجية تدفع ترامب لمحاولة اختراق ميانمار، ولو بتغيير جذري للسياسة الأميركية المعتمدة تجاه هذا البلد، لا سيما بعد الانقلاب، والقائمة على مقاطعته ومعاقبته.
وتعد ميانمار ثالث أكبر مصدّر للمعادن النادرة في العالم بعد الصين والولايات المتحدة، وبحسب تقرير لوكالة بلومبيرغ، نشر في 17 يوليو/تموز الحالي، فإنه في العام الماضي، استأثرت ميانمار بما يقرب من نصف التعدين العالمي لعنصرين مهمين بشكل خاص: الديسبروسيوم والتيربيوم، وهما أساسيان للسيارات الكهربائية وتوربينات الرياح وبعض المعدات العسكرية. وبحسب التقرير، فإن "جيش استقلال كاشين" بات يبني "إمبراطورية معادن نادرة على تخوم الصين". وتشكّل المعادن الأرضية في ميانمار حوالي 57% من المعادن النادرة التي استوردتها الصين العام الماضي. وبحسب موقع "ماينينغ تكنولوجي" في 18 يناير/ كانون الثاني الماضي، فإن الصين تهيمن حالياً على إنتاج المعادن النادرة في العالم، وبلغت هذه الهيمنة 69% في 2023، تليها الولايات المتحدة بـ12%. أما معالجة المعادن، فتهيمن عليها الصين عالمياً بنسبة 90%.
تعديل محتمل للتعامل مع ميانمار
وقالت وكالة رويترز إن إدارة ترامب استمعت إلى اقتراحات عدة تتضمن تعديلاً كبيراً بالسياسة الأميركية المتبعة حيال ميانمار، وذلك بهدف تحويل الإمدادات الضخمة من المعادن النادرة في هذا البلد، بعيداً عن الصين، بحسب أربعة أشخاص مطلعين على النقاشات. وأوضحت المصادر أن لا شيء حُسم بعد، وأن الخبراء يعتقدون بوجود عراقيل كبيرة قد تحول دون تنفيذ مثل هذه الصفقة، ولكن "إذا ما جرى العمل بإحدى الأفكار، فإن واشنطن قد تحتاج إلى إبرام صفقة مع المتمردين الإثنيين الذين يسيطرون على مناطق واسعة تضم احتياطات كبيرة من المعادن". وبحسب المصادر قدمّ الاقتراحات خبراء، ومستثمر أميركي يقود حملة ضغط في مجال الأعمال بالولايات المتحدة هو آدم كاستيلو، ومستشار سابق لأونغ سان سو تشي يدعى شون ترنيل، وهو اقتصادي أسترالي.
من الاقتراحات التي عرضت على ترامب، تخفيف نسبة الـ40% من الرسوم الجمركية التي هدّد بفرضها على ميانمار
ويتبنى أحد المقترحات إجراء مباحثات مع الطغمة العسكرية الحاكمة في ميانمار، ودفعها لإبرام اتفاق سلام مع متمردي كاشين، فيما يطرح اقتراح آخر قيام واشنطن بنفسها بمباحثات مباشرة مع "جيش استقلال كاشين". وكانت الولايات المتحدة قد تجنبت الحوار المباشر مع قادة ميانمار العسكريين بعد الانقلاب، وفرضت عقوبات عليهم، أيضاً بسبب قمعهم أقلية الروهينغا. والأسبوع الماضي، رفعت إدارة ترامب بعض العقوبات التي كانت مفروضة على عدد من حلفاء الطغمة العسكرية في ميانمار، لكن مسؤولين أميركيين أكدوا أن ذلك لا يعني تغييراً جوهرياً في سياسة واشنطن حيال هذا البلد.
ومن الاقتراحات التي عرضت على ترامب، تخفيف نسبة الـ40% من الرسوم الجمركية التي هدّد بفرضها على ميانمار، ورفع العقوبات، والعمل مع الهند لمعالجة بعض المعادن النادرة المستخرجة من ميانمار، وتعيين مبعوث خاص لتنفيذ هذه المهام، وفق مصادر الوكالة. وجرت مناقشة بعض هذه الاقتراحات مع آدم كاستيلو، الرئيس السابق لغرفة التجارة الأميركية في ميانمار، والذي يدير حالياً شركة أمنية هناك، وقد اقترح بحسب حديثه لرويترز، أن تؤدي واشنطن دور عاقد الصفقات لإبرام اتفاق سلام في ميانمار، وحثّ إدارة ترامب على سحب ورقة من يد الصين، عبر دفع جيش ميانمار لإبرام صفقة حكم ذاتي مع "جيش استقلال كاشين". ووصفت مصادر الوكالة مناقشات البيت الأبيض حول ذلك بـ"الاستكشافية وفي مراحلها الأولى"، ولفتت إلى أنها قد لا تفضي إلى أي تغيير بنهاية المطاف. وبحسب "رويترز"، فإن كاستيلو أخبر المسؤولين الأميركيين أن الجماعات الإثنية المتمردة في ميانمار، سئمت من كونها مستغلة من قبل الصين، وتريد العمل مع الولايات المتحدة.
وشرح كاستيلو أنه لطالما حثّ الولايات المتحدة على محاولة التوصل إلى صفقة مع "جيش استقلال كاشين"، تتضمن التعاون مع شركات واشنطن في تحالف سكواد، وتحديداً الهند (مع أستراليا واليابان)، لمعالجة المعادن وإيصالها إلى الولايات المتحدة. لكن مسؤولاً بالحكومة الهندية، أكد للوكالة أنه لا يعلم شيئاً عن تواصل بين إدارة ترامب ونيودلهي في هذا الشأن. أما شون ترنيل، وهو اقتصادي أسترالي ومستشار سابق لأونغ سان سو تشي، فقد اقترح مواصلة دعم ترامب للقوى الديمقراطية في ميانمار.
(العربي الجديد، رويترز)