ترامب ومودي... عصر ذهبي للشعبوية

15 فبراير 2025
ترامب ومودي في البيت الأبيض، 13 فبراير 2025 (جيم واتسون/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهد اللقاء بين ترامب ومودي تجديداً للعلاقات بين الولايات المتحدة والهند، مع التركيز على القضايا التجارية والعسكرية والطاقوية، وتجنب الحديث عن حقوق الإنسان والأقليات.
- اتفق الطرفان على معالجة التفاوتات في الميزان التجاري وزيادة المبيعات العسكرية للهند، بما في ذلك تزويدها بمقاتلات شبح من طراز أف ـ 35.
- التحالف بين ترامب ومودي يعزز الشعبويات في البلدين، مما يثير القلق بشأن تأثيراته الإقليمية والعالمية، خاصة مع تغاضيهما عن قضايا حقوق الإنسان.

برز الانسجام واضحاً بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في البيت الأبيض، مساء الخميس، مع تجديد علاقتهما التي بدأت في ولاية ترامب الأولى (2017 ـ 2021)، وذلك بعد سنوات على بدء عهد مودي في نيودلهي في عام 2014. وتطرق الرجلان إلى ملفات عدة، تجارية خصوصاً، وعسكرية وطاقوية، لكنهما التقيا على تجنّب الحديث عن حقوق الإنسان والأقليات، في ظل المصالح المشتركة للطرفين، تحديداً بما يتعلق بمواجهة الصين، وأيضاً في ترجمة لنمو الشعبويات في واشنطن ونيودلهي وانعكاساتها الإقليمية والعالمية وتأثيرها على صعود الشعبويات العالمية وأجنحة اليمين المتطرف. وأعلن ترامب خلال مؤتمر صحافي مشترك مع مودي أنهما اتفقا على بدء محادثات لمعالجة "التفاوتات المزمنة" في الميزان التجاري بين البلدين، إذ سجلت الولايات المتحدة عجزاً تجارياً قدره 45.6 مليار دولار مع الهند عام 2024، وفقاً للحكومة الأميركية.

لقاء ترامب ومودي

وقد بلغ إجمالي التجارة بين البلدين من السلع والخدمات حوالي 190 مليار دولار في عام 2023. ووفقاً لوزارة الخارجية الهندية، قُدّرت صادرات الولايات المتحدة إلى الهند بحوالي 70 مليار دولار، بينما كانت الواردات 120 مليار دولار. كما أوضح ترامب أنه "بدءاً من هذا العام، سنزيد المبيعات العسكرية للهند بمليارات الدولارات. كما نمهّد الطريق أمام تزويد الهند، في نهاية المطاف، بمقاتلات شبح من طراز أف ـ 35"، لتصبح بذلك الهند واحدة من الدول القليلة التي تمتلك هذه الطائرات المتطورة. وكان ترامب قد وصف في السابق الهند بأنها "ملك الرسوم الجمركية"، معتبراً أن الرسوم التي تفرضها الهند "غير عادلة وقوية"، موضحاً أن بلاده ستفرض رسوماً جمركية مماثلة لما تفرضه الهند على البضائع الأميركية.

أعلن ترامب أن الهند ستتسلم طائرات أف 35 الأميركية
 

واقترح ترامب إزالة العجز التجاري من خلال زيادة صادرات الطاقة الأميركية إلى الهند، لكنه وعد أيضاً بإعادة "العدالة والمعاملة بالمثل" إلى العلاقة الاقتصادية، وقال إنه بدأ العمل مع مودي على اتفاق تجاري كبير يمكن إتمامه في وقت لاحق من هذا العام. ووافق الرئيس الأميركي على تسليم مودي المشتبه به في تفجيرات مومباي في عام 2008، رجل الأعمال من أصل باكستاني في شيكاغو، المواطن الكندي تهور رانا. وتسببت الهجمات في حينه بمقتل 166 شخصاً. من جهته، أعلن مودي أن بلاده تسعى للتوصّل "قريباً جداً" إلى اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة يكون "مفيداً لكلا الطرفين"، وقال إنه "من أجل ضمان أمن الطاقة في الهند، سنركّز على التجارة في النفط والغاز. الاستثمار في البنى التحتية للطاقة سيزداد وكذلك في مجال الطاقة النووية".

في المقابل، تجنّب ترامب ومودي في تصريحاتهما أي حديث عن انتهاكات حقوق الإنسان والأقليات، فلم يأتِ ترامب ومودي على ذكرها في مؤتمرهما الصحافي ولا في بيانيهما بشأن اللقاء. ويتعلق الأمر في الهند بالسياسات التي يتبعها مودي على رأس حزبه بهاراتيا جاناتا الهندوسي اليميني القومي المتطرف بحق المسلمين، سواء في إقليم كشمير المتنازع عليه مع باكستان، أو في الداخل الهندي. في السياق، سبق لمودي أن هاجم الأقلية المسلمة في بلاده مرات عدة، خصوصاً خلال حملة الانتخابات الهندية في العام الماضي، إذ وصفهم بـ"المتسللين"، من أجل كسب أصوات المتطرفين الهندوس. وذكر تقرير نشره مختبر الكراهية الهندي، الاثنين الماضي، أن "عدد الحوادث المتعلقة بخطاب الكراهية الذي يستهدف الأقليات الدينية ارتفع من 668 في 2023، إلى 1165 في 2024، وهي زيادة هائلة تبلغ 74.4%"، مشيراً إلى أن عام 2024 شهد انتخابات، الأمر الذي أدى دوراً حاسماً. وذكر التقرير أن 98.5% من خطابات الكراهية استهدفت المسلمين، وأكثر من ثلثيها وجهت في الولايات التي يهيمن عليها حزب بهاراتيا جاناتا أو حلفاؤه. وأدلى قادة في الحزب الحاكم بأكثر من 450 منها، من بينها 63 وردت على لسان مودي.

وأوضح مختبر الكراهية الهندي أن "المسلمين بشكل خاص تم تقديمهم باعتبارهم يمثلون تهديداً وجودياً للهندوس والأمة الهندية"، مشيراً إلى أن "الزيادة الأكثر إثارة للقلق لوحظت في الخطب التي تدعو إلى تدمير أماكن العبادة"، كما تضاعفت دعوات القوميين الهندوس لاستعادة المواقع الدينية من المسلمين. وأحصى المختبر 266 "خطاب كراهية ضد الأقليات أطلقها كبار قادة حزب بهاراتيا جاناتا" خلال الانتخابات. في المقابل، فإن ترامب لم يتردّد في اعتماد خطاب شعبوي ينمّ عن كراهية للمهاجرين، خصوصاً في حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية العام الماضي. وخلال مناظرة جمعت الرئيس الجمهوري في مواجهة منافسته الديمقراطية كامالا هاريس، في 10 سبتمبر/ أيلول الماضي، ركز ترامب على ادعاء كاذب انتشر على نطاق واسع بأن هناك مهاجرين من هايتي في سبرينغفيلد بولاية أوهايو يسرقون الحيوانات الأليفة من السكان، أو يصطادون حيوانات برية من المتنزهات ويأكلونها. وقال ترامب خلال المناظرة "إنهم يأكلون الكلاب! الأشخاص الذين جاؤوا إلى البلاد. إنهم يأكلون القطط! إنهم يأكلون حيوانات أليفة يربيها الناس الذين يعيشون هناك". كرر ترامب أكاذيب حول تدفق ملايين المهاجرين إلى الولايات المتحدة من سجون ومؤسسات أمراض عقلية أجنبية، وقال "إنهم يسيطرون على المدن ويستولون على المباني ويدخلون بعنف".

في السياق، وصف مقال في صحيفة ذا غارديان البريطانية، نُشر أول من أمس الأربعاء، سلسلة الأوامر التنفيذية التي أصدرها ترامب في الأسابيع الأولى لتوليه المنصب، لا سيما المتعلقة منها بسياسات الهجرة، بأنها لا تعدو كونها أحدث تجسيد لتقليد أميركي راسخ منذ عقود عديدة. وبحسب كاتبة المقال هبة جويد، وهي أستاذة مساعدة في علم الاجتماع بكلية هانتر ومركز الدراسات العليا بجامعة مدينة نيويورك، فإنه على الرغم من أن سياسات الهجرة التي ينتهجها ترامب يُراد منها أن تبدو أشد قسوة من تلك التي تبناها أسلافه الرؤساء، إلا أنها ليست سوى قوانين ترمي إلى إقصاء الملونين من الأميركيين. ورأت الكاتبة أن سلسلة الأوامر التنفيذية التي تشوِّه سمعة المهاجرين تدعو إلى تقليص المسارات المادية والقانونية للقبول في الولايات المتحدة، وتمهد الطريق للترحيل الجماعي وتهاجم حقوق المهاجرين من خلال محاولة إلغاء حق المواطنة بالولادة بشكل غير دستوري. وتدخلت منظمات تُعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان واللاجئين عبر رفع دعوى قضائية على إدارة ترامب، مطالبة بالسماح بزيارة المهاجرين المحتجزين في القاعدة الأميركية بخليج غوانتنامو في كوبا، التي قرر ترامب بناء مركز احتجاز ضخم يتّسع لـ30 ألف مهاجر فيها، علماً أن غوانتنامو عُرفت بسجنها العسكري الذي فُتح بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001. وأقام الاتحاد الأميركي للحريات المدنية ومركز الحقوق الدستورية والمشروع الدولي لمساعدة اللاجئين الدعوى القضائية نيابة عن أشخاص كثيرين، من بينهم أفراد عائلات مهاجرين معتقلين في غوانتنامو، وأربع منظمات للخدمات القانونية.

تجنّب ترامب ومودي في تصريحاتهما أي حديث عن انتهاكات حقوق الإنسان والأقليات

 

انتقاد حقوقي أميركي لترامب

ونقل بيان أصدرته المنظمات عن لي غيليرنت، من الاتحاد الأميركي للحريات المدنية، قوله إنّه "من خلال إرسال المهاجرين إلى جزيرة معزولة عن المحامين وعائلاتهم وبقية العالم، تظهر إدارة ترامب أنّ دولة القانون لا تعني شيئاً بالنسبة إليها". وقد ندّدت المنظمات التي تُعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان واللاجئين، في بيانها نفسه، بواقع أنّ إدارة ترامب لم تقدّم معلومات عن مدّة احتجاز المهاجرين في غوانتنامو ولا عن ظروف هذا الاحتجاز، وإذا كان هؤلاء سيتمكّنون من التواصل مع عائلاتهم ومحاميهم أم لا، إلى جانب أمور أخرى. بناء على ذلك، فإن التحالف بين ترامب ومودي لم يعد مقتصراً على مواجهة الصين، أو حتى لأسباب جيوبوليتيكة مرتبطة بشكل خاص بالتنافس الهندي ـ الصيني على صعيد خطوط التجارة والتصنيع من الشرق الآسيوي باتجاه الغرب، بل إنها أضحت أكثر إثارة للقلق لجهة نموّ شعبويات مضادة في الحيّز الإقليمي للولايات المتحدة والهند. في السياق، فإن تغاضي ترامب ومودي عن التطرق إلى حقوق الإنسان والأقليات سيجعل من قضايا آسيوية، مثل الروهينغا في ميانمار والإيغور في الصين والمسلمين في الهند، ضحايا لإفرازات تصدّر مودي وترامب المشهد العالمي. أيضاً، فإن الحرب الأميركية المعلنة على "المهاجرين غير النظاميين"، ستفضي إلى نشوء حالة مضادة، انطلاقاً من المكسيك والدول الناطقة بالإسبانية في أميركا الوسطى، فضلاً عن تصاعد موجات العنف في الداخل الأميركي ضد الأجانب. ومن شأن الاضطرابات العرقية في الولايات المتحدة أن تتمدد إلى الدول الأوروبية، مساهمة في تأجيج صعود تيارات اليمين المتطرف. 

المساهمون