ترامب ودوامة الإحباط المثلث العالق فيها

27 مايو 2025   |  آخر تحديث: 07:36 (توقيت القدس)
ترامب خلال توقيعه أوامر تنفيذية في البيت الأبيض، 5 مايو 2025 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أبدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب إحباطه من تعثر جهوده في حل الأزمات العالمية، واصفاً الرئيس الروسي بوتين بـ"المجنون" بسبب تصعيده العسكري ضد أوكرانيا، وأعرب عن استيائه من رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو بسبب توتر العلاقات.
- تعهد ترامب بإنهاء حربي أوكرانيا وغزة وحسم الملف النووي الإيراني، إلا أن تعقيد هذه الملفات يعكس فشله في تحقيق وعوده، حيث لم يستغل أوراق الضغط المتاحة لواشنطن.
- سياسة ترامب تركز على ترك حلفائه يديرون مصالحهم بأنفسهم، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع في غزة والضفة الغربية، والمفاوضات النووية الإيرانية تبدو في طريق مسدود.

في منشور له أمس الاثنين، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب معلّقاً على التصعيد العسكري الروسي المتزايد ضدّ أوكرانيا إن شيئاً ما ربما يكون قد حصل للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحيث صار يتصرف "كالمجنون تماماً". لأول مرة يتحدث عن "صديقه" بهذه اللغة. وبالانزعاج نفسه، ولو المكبوت، يتعامل مع رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "المتوترة" علاقته معه إلى حد وقف التواصل المباشر معه. قبل يومين كلف ترامب أحد مساعديه الاتصال بنتنياهو لمطالبته "بإنهاء حرب غزة". وعن النووي الإيراني، بدا في آخر تصريح له، الأحد، وكأنه ليس لديه ما يقوله عن الخطوة التالية، بعد الجولة الخامسة من المفاوضات التي عقدت في روما يوم الجمعة الماضي. اكتفى بأن وعد "بإعلان" شيء ما حوله في اليومين المقبلين، "قد يكون جيداً وقد يكون سيئاً.. وربما الأول". في ردوده بشأن الملفات الثلاثة ثمة قاسم مشترك واحد: الإحباط.

فالرئيس ترامب محبط من تفشيله، بالأحرى من فشله فيها. تعهّد مع بداية رئاسته الثانية بأن ينهي حربي أوكرانيا وغزة في غضون أيام، وأن يحسم موضوع النووي الإيراني خلال شهرين. كان في اعتقاده أن ما له من مونة على "صديقه" بوتين و"حليفه" نتنياهو يكفل طي صفحة الحربين وأن "حزمه" بخصوص النووي الإيراني يضمن هو الآخر تجاوز هذه المشكلة. لذلك هو عاتب على الأول والثاني من باب أن كلاهما خذله، وأقرب إلى المحتار مع طهران وكيفية التعامل معها. وهكذا بعد مضي أكثر من أربعة أشهر على رئاسته، لم تحصل أي حلحلة في الملفات الثلاثة، بل تعقدت حلولها. والسبب الرئيسي، بحسب العديد من المراقبين، مثل السفير مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق جون بولتون، وخبير السياسة الخارجية ريتشارد هاس، والسفير السابق لدى موسكو مايكل ماكول، أن العطب الذي أدى إلى الفشل يكمن في المقاربة المغلوطة لهذه الملفات وكيفية التعاطي معها.

المَونة عُملة قد تُصرف في سوق العلاقات الشخصية. في السياسة وخاصة في الحروب، لا فعالية سوى لأوراق الضغط، وهي متوفرة لدى واشنطن في ملفي أوكرانيا وغزة. وجرى تذكير الرئيس بأهميتها وبضرورة توظيفها. فلو أعلنت الإدارة الأميركية مثلاً في أعقاب مكالمة الساعتين أخيراً، والتي كانت غير مجدية بين ترامب وبوتين، عن تزويد أوكرانيا بصفقة سلاح متطور، لكان ذلك أجدى من وصف ترامب بوتين "بالمجنون". لكن هذا الأمر ليس وارداً أصلاً في خيارات ترامب.

وكذلك هو الحال وأكثر مع نتنياهو. تهميش ترامب لهذا الأخير في أكثر من قرار في المدة الأخيرة (وقف النار مع الحوثيين والتفاوض مع حماس حول المحتجز الأميركي الإسرائيلي عيدان ألكسندر والتفاوض مع طهران) كان في واقعه أقرب إلى ترك الحبل على غاربه لإسرائيل كي تتصرف من غير رادع لترجمة خططها، كما يجري في غزة التي فرضت عليها حرب التجويع وسيلةً لتهجير سكانها، والذي بات هدفاً مكشوفاً من غير أن يواجه بالتصدّي المطلوب. مطالبتها عن طريق مساعد للرئيس بوقف الحرب، ليست جدّية. وقفها فعلياً له مفاتيح تتحكم بها واشنطن. والرئيس ترامب لا يبدو أيضاً في وارد تشغيل هذه المفاتيح.

سياسته التي تبدّت معالمها في الآونة الأخيرة، تقوم على انفراد حلفائه وأصدقائه في إدارة مصالحهم وفق ما يناسبهم، مع ما ينطوي عليه ذلك من غض نظر واشنطن عملياً عن انفلات إسرائيل في غزة والضفة والاكتفاء بالتعبير عن عدم الارتياح، حتى بالنسبة لموضوع حساس وخطير مثل تمرير وتوزيع المساعدات الإنسانية إلى القطاع. فالإدارة الأميركية لم تعترض كما فعلت معظم المنظمات الدولية المعنية بالمساعدات الإنسانية على إنشاء "مؤسسة غزة الإنسانية" المطروح حولها أكثر من علامة استفهام لجهة تمويلها وإناطة توزيع المساعدات داخل غزة بها، في ظل الاعتقاد بأنها واجهة إسرائيلية لحجب واقع حرب التجويع الهادفة إلى تهجير أهالي غزة.

أما في ما يتعلق بالنووي الإيراني، فإدارة ترامب صارت تحذيراتها على المحك. دخلت في المفاوضات على أساس أن تؤدي إلى اتفاق قريب "أشد" من اتفاق 2015، مع التلويح بالخيار العسكري بديلاً. بعد خمس جلسات، يبدو الاتفاق غير قريب، كما أوحت بذلك تقييمات نتائج الجلسة الأخيرة، والتي وصفها وزير خارجية سلطنة عمان بدر البوسعيدي بأنها لم تحقق "تقدماً حاسماً". ثمة اعتقاد بأنها انتهت إلى شبه انهيار إثر مغادرة المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف طاولة التفاوض قبل ساعة من نهاية الجولة، بحجة اضطراره "لئلا تفوته رحلته الجوية" إلى واشنطن! والعقدة كانت، بحسب ما أجمعت عليه القراءات، في مطلب "صفر تخصيب" لليورانيوم الذي تمسكت به واشنطن.

فما هي الخطوة التالية؟ لذلك جرى التوقف أمام ما قاله الرئيس ترامب عن "الإعلان" القريب بخصوص المفاوضات. هل يكون في خفض السقف، كما جرى في تراجع البيت الأبيض عن قرارات الرسوم الجمركية عبر مخرج تجميدها لفترة معينة؟ ربما، ولا سيما أن ملفي أوكرانيا وغزة مقفلة طريق الحلحلة بشأنهما طالما بقيت الإدارة عازفة عن تفعيل ضغوطها على بوتين ونتنياهو لتحقيق الاختراق المطلوب فيهما، أو على الأقل في أحدهما. الإدارة لا تبدو أنها حسمت بعد في الموضوع. لكن الرئيس ترامب لمّح في تعليقه إلى إمكانية اعتماد الخيار "الجيد" بخصوص النووي، أي الخيار الدبلوماسي للخروج وإن جزئياً من حالة الإحباط الخارجي، إلا إذا بقي التذبذب المألوف على حاله.

المساهمون