استمع إلى الملخص
- الحملة أثارت جدلاً واسعاً ودعاوى قانونية، مع انتقادات لماسك حتى من داخل الحزب الجمهوري، بينما يحاول ترامب تهدئة الأوضاع بتأكيد دور ماسك الاستشاري، وسط رهانات على تنشيط القطاع الخاص.
- الحملة أثارت غضب الموظفين المتقاعدين والنقابات، مع دعاوى قضائية لحماية البيانات الحساسة، وأعمال عنف ضد مقار تسلا، مما يعكس التوترات المتزايدة حول الحملة.
لعبة قمار، إما تصيب أو تَخيب، وقد تكلّف الحزب الجمهوري الكثير من رصيده في الانتخابات النصفية المقبلة، تلك التي يلعبها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وصديقه، مالك شركتي تسلا وسبايس إكس ومنصة إكس، الملياردير إيلون ماسك. فحتى تاريخ يوم أمس الأحد، قُدّر عدد الموظفين الفيدراليين في الولايات المتحدة، الذين طردوا من وظائفهم، أو أجبروا تحت وسائل ضغط عدة، إلى القبول بعروض استقالة، بحوالي 100 ألف موظف، من أصل 2.3 مليون موظفي فيدرالي في البلاد، وحملة ترامب - ماسك لا تزال في أوّلها، حيث تشير التقديرات أيضاً إلى أن نتائجها النهائية لن تظهر قبل أشهر عدة. وعنوان حملة الطرد أو "التطهير الحكومي"، وزارة الكفاءة الحكومية (DOGE)، التي أصبح اسمها على كل لسان في الولايات الأميركية، وهي عبارة بشكل مختصر، عن إدارة يشرف عليها ماسك، كمبادرة لتقليص عدد الموظفين العاملين في القطاع العام، بهدف معلن هو كبح الهدر المالي، الذي يتهم الجمهوريون خصومهم الديمقراطيين بالمسؤولية عنه، لدواع انتخابية وسياسية.
لكن الواقع يؤكد أن العملية الواسعة النطاق، والتي تقابلها حراكات قانونية، نقابية وشعبية، وكذلك حراكات سياسية من الديمقراطيين، هدفها تمهيد الطريق، لتقويض القطاع الحكومي في البلاد، لصالح مشاريع الخصخصة، وهي حملة تشبه الكثير من الحملات التي رافقت وصول "رجال أعمال" إلى السلطة في بلدان كثيرة حول العالم، مع ما يحمله ذلك من بُعد "يميني" اقتصادي، يقلّص من مساحة "التدخل الحكومي" في القطاعات الحيوية في البلاد، لصالح الشركات الخاصة. أما الهدف الآخر الأساسي لحملة ترامب - ماسك التي تتجاوز بكثير، حملة الإعفاءات من العمل الفيدرالي، التي تحصل في الولايات المتحدة عادةً بعد وصول رئيس جديد للبيت الأبيض، فهو التخلص من الموظفين الموالين للديمقراطيين من وزارات وإدارات الدولة والولايات، خصوصاً من عهدي باراك أوباما وجو بايدن، واللذين يعتبرهما ترامب معاديَين له، بل حاكا له "المؤامرات".
شاب الشهرين الأولين من الحملة فوضى ودعاوى قانونية وقلق ديمقراطي وجمهوري من تداعياتها على القواعد الشعبية
ورغم إدراكه حجم الغضب الذي يجتاح البلاد، عقب أكبر محاولة لهز النظام الفيدرالي الأميركي، وما بدا في الأيام الأخيرة أنه محاولة "قصقصة أجنحة" ماسك، أقله أمام وزرائه، يبدو ترامب مصمماً على المضي قدماً في "تطهير" إدارات الدولة، بل كلّ زاوية فيها، رغم ما شاب الشهرين الأولين من الحملة من فوضى، ودعاوى قانونية رافقتها، وقلق ديمقراطي وجمهوري على حدّ سواء من تداعيات الحملة على القواعد الشعبية.
انتقادات من البيت الجمهوري
ويقف إيلون ماسك، عرّاب حملة التطهير ومبتكرها في صورة مُكبّرة عن حملة الطرد التي شنّها ضد موظفي شركة إكس (تويتر سابقاً) بعد الاستحواذ عليها في عام 2022، في عين العاصفة، بينما يحاول ترامب كبح الانتقادات الجمهورية وتنامي مشاعر القلق، عبر التأكيد على أن دور صاحب شركة تسلا "تقديم المشورة" وليس الطرد، والطلب أخيراً من وزراء حكومته والمديرين الإداريين تحديد المستهدفين بالطرد بأنفسهم، وذلك بعد الكشف الإعلامي عن مشادة كلامية وقعت الأسبوع الماضي بين ماسك، ووزير الخارجية ماركو روبيو، خلال اجتماع حكومي بحضور ترامب، الذي عاد وأعلن أنه طلب من وزرائه المضي قدماً بحملة التطهير، ولكن بـ"مشرط" بدلاً من "الفأس"، بعدما انتقد ماسك روبيو، لعدم إقدامه على طرد أي موظف من الوزارة منذ تسلّمه مهامه، فيما ذكّره الأخير بـ1500 موظف ذهبوا إلى التقاعد المبكر مع تسلمه الوزارة.
كما تلاسن ماسك، خلال الاجتماع، مع وزير النقل شين دافي، حيث اتهم الوزير وزارة الكفاءة الحكومية، بمحاولة طرد مراقبين جويين، في وقت شهدت فيه البلاد عدداً من حوادث تحطم طائرات، ما دفع ماسك إلى وصف الوزير بالكاذب. وتحدثت تقارير إعلامية عدة، في الآونة الأخيرة، عن توتر حاد بين ماسك ومسؤولين حكوميين آخرين، يتهمون فريق مالك تسلا في الوزارة، وهو فريق شاب تمّ توظيفه بشكل واسع من وداي السيليكون، موطن شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا، بتجاوز صلاحياتهم.
من جهتهم، يراهن المؤيدون لحملة ترامب - ماسك التي تستهدف الموظفين الفيدراليين، بأن الموظفين المطرودين، لن يرفعوا نسبة البطالة في البلاد، إذ سيقابلهم تنشيط للقطاع الخاص، سيفتح المجال أمام مزيد من التوظيف. ودافع وزير الخزانة، سكوت بيسينت، أخيراً، عن الحملة، معتبراً أن تأثيرها النهائي لن يتم الشعور به قبل أشهر عدة، مضيفاً "ستكون هناك عملية تأقلم طبيعية، فيما ننتقل من الإنفاق الحكومي إلى الإنفاق الخاص". وقال: "السوق والاقتصاد كانا عالقين، ولقد أصبحنا مدمنين على الإنفاق الحكومي، وستكون هناك فترة ديتوكس (تخلص من السموم)"، بحسب تعبيره.
بدوره، أكد النائب الجمهوري في الكونغرس، ريتشارد هادسون، وهو رئيس لجنة الحملة الانتخابية الجمهورية في مجلس النواب، المسؤولة عن الحملات الانتخابية للجمهوريين للوصول إلى المجلس، في مقابلة مع وكالة أسوشييتد برس، أن حملة التطهير في الإدارات التي يقودها ماسك، سوف ترفع عدد مقاعد الجمهوريين في مجلس النواب بالانتخابات النصفية المقرّرة في خريف 2026، بعدما كانوا فازوا بأغلبية ضئيلة العام الماضي، معتبراً أن الحملة تلقى صدى إيجابياً لدى الناخبين. لكن هادسون، نقل عنه أنه قدّم نصائح في الخفاء، للنواب الجمهوريين، بعدم التواصل شخصياً مع ناخبيهم في ما يسمى تجمعات مجالس المدن (TOWN HALLS)، والاستعاضة عن ذلك بالاجتماعات الافتراضية، متهماً الديمقراطيين بإثارة الفوضى في هذه التجمعات، وإرسال الناشطين اليساريين إليها، لزرع البلبلة، بعد حوادث شهدت فيها تجمعات عدة اقتحام مجموعات غاضبة من حملة ماسك.
نصح الحزب النواب الجمهوريين بتجنب لقاء ناخبيهم وجهاً لوجه في تجمعات مجالس المدن
وقد يكون هادسون محقاً في حديثه عن "رضى" شعبي، إذا ما كان المقصود قاعدة ترامب الشعبية العميقة في الأرياف، أو طبقة رجال الأعمال وأثرياء الولايات المتحدة، أو المحافظين المتدينين، بعدما استهدفت الحملة بشكل كبير، ما يسمى بـ"مجتمع الميم"، أي المتحولين جنسياً والمثليين في قطاعات الدولة، أو حتى الأميركيين البيض غير المتعلمين أو متوسطي التعليم، والبعيدين عن العمل بالإدارات الفيدرالية.
عينة من حملة ترامب - ماسك
لكن بحسب شبكة "أن بي سي" في تقرير لها نشر أول من أمس السبت، فإن حملة ترامب - ماسك خلقت تذمراً لدى "الحرس القديم" الجمهوري المؤيد لترامب، معتبراً أن الرئيس الذي ترشح للانتخابات ثلاث مرات على قاعدة أنه رئيس شعبوي، يحيط نفسه اليوم بالأثرياء وأصحاب المليارات من عالم التكنولوجيا، ورجال الأعمال، في وقت يرى فيه قادة جمهوريون أن حملة الطرد وفرض الاستقالة في الوزارات والمرافق الحكومية والفيدرالية، قد ترتد سلباً في الانتخابات. وذكّر الموقع، بانتقادات وجّهها أعضاء مجلس شيوخ جمهوريون لماسك الأسبوع الماضي أيضاً، وقالت إنهم تمكنوا من أن ينتزعوا منه تعهداً بجعل الكونغرس يوافق على أي خطوات لتقليص الإنفاق الحكومي، بدل أن يكون ذلك من عمل البيت الأبيض منفرداً. بل حتى إن ماسك أكد لهم أن دوره لا يقوم على طرد الموظفين بنفسه.
لكن منظمة "موف أون" (MOVE ON)، اليسارية الناشطة (اتهمها هادسون بأن ناشطيها هم من ضمن المقتحمين لتجمعات المجالس)، أكدت أخيراً أن مجلس النواب الأميركي صوّت أخيراً لصالح قرار يتعلق بالميزانية، ومن شأنه حرمان الأميركيين من تريليونات الدولارات من المساعدات. كما أن مجموعة من النقابات العمّالية في البلاد رفعت يوم الجمعة الماضي دعوى قضائية عاجلة أمام محكمة اتحادية في ولاية ماريلاند لمنع وزارة الكفاءة الحكومية من الوصول إلى البيانات الحسّاسة للضمان الاجتماعي الخاصة بملايين الأميركيين. ورفعت الدعوى من قبل مجموعة الخدمات القانونية "ديموكراسي فورورد" DEMOCRACY FORWARD ضد إدارة الضمان الاجتماعي ومفوضها المؤقت ليلاند دوديك، وذلك بهدف حماية الموظفين الفيدراليين المخضرمين (VETERANS). واعتبرت المحامية الممثلة للنقابات العمّالية ومجموعة من المتقاعدين، كاريان جونز، أن طبيعة الوصول الذي قد تتمتع به وزارة الكفاءة إلى البيانات الشخصية لدافعي الضرائب ليست واضحة تماماً، لكنها أشارت إلى أن نطاق الوصول المحتمل وعدم الشفافية في أهداف وزارة الكفاءة يجعلان التأثير المحتمل "ضخماً".
وكان القاضي الفيدرالي، بول إيه إنغيلماير، قد منع في 8 فبراير/شباط الماضي، الوزارة التي يقودها ماسك من الوصول إلى البيانات المالية الشخصية لملايين الأميركيين في سجلات وزارة الخزانة، لكن القاضي الفيدرالي، جون بيتس، رفض قبلها بيوم منع "الكفاءة الحكومية" من الوصول إلى أنظمة وزارة العمل، ما مثّل انتكاسة أولية لنقابات موظفي الحكومة، التي تقاوم جهوده لتقليص ما يصفه بـ"البيروقراطية الفيدرالية". وفي 14 فبراير، رفعت مجموعة من المدعين العامين لولايات أميركية دعوى قضائية لوقف جهود حملة ترامب - ماسك لخفض الإنفاق الاتحادي، في وقت منيت فيه جهود المقاومين لخطط ماسك، يوم الجمعة، بضربة قوية، مع رفض القاضية الفيدرالية كولين كولار كوتيلي، منع موظفي وزارة الكفاءة الحكومية، من الوصول إلى بيانات ملايين الموظفين في وزارة الخزانة.
هذا الوضع الملتهب، والشدّ والجذب، لا يقتصر على القضاء أو سياسيي الحزب الجمهوري الممتعضين من تقارب ترامب – ماسك. وقد تعرضت مقار شركة تسلا لأعمال عنف ورسم على الجدران أخيراً من قبل نشطاء غاضبين. كما أن الحملة بدأت تثير غضب الموظفين المتقاعدين، فهي تهدّد النظام الفيدرالي الذين يعتمدون عليه. إذ بحسب ما تمّ تسريبه في الإعلام، فإن 83 ألف موظف في وزارة شؤون المتقاعدين مهددون بالطرد، ما أثار غضب رئيس لجنة شؤون المتقاعدين في مجلس النواب، الجمهوري مايك بوست، حيث طالب وزير شؤون المتقاعدين دوغ كولينز، بتفسيرات.
هذه عينة قليلة، من حراك ترامب - ماسك لتحجيم القطاع الفيدرالي الحكومي في الولايات المتحدة، الذي بدأه ماسك برسائل البريد الإلكتروني التي حملت شعار "الشوكة في الطريق" (FORK IN THE ROAD)، والتي عرضت على الموظفين تقديم استقالات جماعية، والحصول على رواتبهم حتى سبتمبر/أيلول المقبل، ثم رسائل "ماذا فعلت الأسبوع الماضي؟"، للموظفين، والتي شبّهت بعملية طرد الموظفين التي أطلقها ماسك في شركة "تويتر" بعد الاستحواذ عليها.