ترامب... شعبوية أم قومية أميركية أم مجرد متسلق فرص؟

ترامب... شعبوية أم قومية أميركية أم مجرد متسلق فرص؟

03 نوفمبر 2020
الحزب الجمهوري، لن يتمكن يوماً من إيجاد ترامب آخر (Getty)
+ الخط -

تقول ليزا ماكجير، المؤرخة في جامعة هارفارد، والكاتبة في شؤون التيارات المحافظة، كما تنقل عنها مجلة "نيويوركر"، إنه "عندما تفشل مكونات كلا الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، في التقاط شعور عدم الأمان لدى شريحة كبيرة من الأميركيين، يُفسح هذا الأمر الفرصة أمام السياسات الإقصائية للتسرب. إنه ليس دونالد ترامب. إنها فرصة عرف ترامب كيف يلتقطها". لن يكون دونالد ترامب، بكل الأحوال، حتى لو فاز بولاية ثانية، رئيساً أبدياً للولايات المتحدة. وبحسب "نيويوركر" نفسها، فإن الحزب الجمهوري، لن يتمكن يوماً من إيجاد ترامب آخر، إلا إذا كان هذا الآخر هو دونالد ترامب جونيور! في هذه الأثناء، من المؤكد أن الحزب المحافظ، حتى مع بقاء الرئيس أربع سنوات إضافية في البيت الأبيض، سيجري تقييماً داخلياً معمقاً لمرحلة ترامب، أو لإرث ترامب، وشعار "لنجعل أميركا عظيمة مجدداً" الذي رفعه منذ عام 2016، والذي لا يزال الباحثون في علم السياسة يختلفون في تقييمه.


فشل الحزبان الجمهوري والديمقراطي في التقاط شعور عدم الأمان لدى شريحة كبيرة من الأميركيين

وحوّل ترامب الحزب الجمهوري إلى "حزب ترامب"، وأصبح للترامبية مدرسة في علم السياسة. لكن دونالد ترامب ليس أول رئيس شعبوي في العالم، أقلّه منذ أن استتب نظام عالمي جديد بقيادة الولايات المتحدة، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ثم انهيار الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة. اليوم، يُصنف رجب طيب أردوغان في تركيا، وفلاديمير بوتين في روسيا، وفيكتور أوربان في المجر، وجايير بولسونارو في البرازيل، وناريندرا مودي في الهند، في خانة الزعماء القوميين، أو الشعبويين. ودونالد ترامب ليس استثناء، سوى أنه يقود أقوى قوة اقتصادية وعسكرية في العالم، والديمقراطية "الأولى"، ولذلك فإنه ميله نحو الاستبداد، أو اللادمقرطة، يبدو أكثر نفوراً. ولكن، ومع نهاية العقد الحالي، أصبحت ظاهرة بروز الحركات "الأصولية" والقومية، كما الحركات المتطرفة اليسارية، نمطاً سائداً في أكثر من مكان حول العالم، لا سيما في أوروبا، وذلك رداً على عطب النظام العالمي الاقتصادي، وسياسة العولمة، والشعور الجماعي الشعبي بعدم الأمان.

ولكن هل دونالد ترامب قومي أميركي؟ أم رئيس شعبوي؟ هل هو رئيس ريغاني؛ نسبة لرونالد ريغن؟ أو "جاكسوني" جديد؛ نسبة للرئيس الأميركي الأسبق أندرو جاكسون؟ أم هو مجرد "متسلق" لرافعة تلك المدارس والتيارات، والتي تنتسب إليها قواعد شعبية أميركية، للوصول إلى السلطة؟ هل انتهز غضباً يعتمل لدى الأميركيين البيض من "وول ستريت" وواشنطن؟ هل انتخابه رد على وصول رئيس أسود (باراك أوباما) إلى البيت الأبيض؟ ولماذا يصنف على أنه من الرؤساء الأميركيين المكروهين؟ تتفاوت المدارس في تقييم إرث ترامب، لاختلاط الشعبوية فيه بالانكفائية والانعزالية إلى حدّ الانصهار، فيما تبقى لغة العنصرية والاستبداد سمة خاصة.

اندلعت بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي حرب التوصيفات، على غرار وصف ترامب للحزب الأزرق بـ"الاشتراكي" أو اليسار الراديكالي، نظراً لتعاظم قوة التقدميين فيه. لكن على المقلب الديمقراطي، من المؤكد أن "الترامبية" قد تحوّلت منذ الآن إلى نوع من الشتيمة. وكتب بيتر بينارت، في مجلة "ذا أتلانتيك" في يوليو/ تموز الماضي، أنه "إذا ما خسر دونالد ترامب هذا الخريف (سعيه لولاية ثانية)، ستكون الترامبية أقل بكثير من فلسفة سياسية جذابة لدى طيف واسع من المجتمع السياسي الأميركي (لا يستثني اليمين)، بل تعبيراً أكثر التصاقاً بهدف الاستغلال أو التنمر" من الترامبيين. وأضاف الكاتب أن أفضل شبيه للترامبية في التاريخ هو "المكارثية"، في ما يعني "التعصب الهستيري"، بعدما بنى جوزيف ماكارثي (وهو سياسي أميركي عرف بنظرية المؤامرة والتهويل من الشيوعية) حياته السياسية على "الديماغوجية والتخويف وطائفة معينة لشخصيته، وليس على إنجازات ملموسة، وسياسة متماسكة". أما بالنسبة للكنية، فهي برأيه ستكون محل اختلاف بين التقدميين والوسطيين، فهناك جزء يرى في الترامبية نوعاً من التعصب، وازدراء للقواعد التي تظلل الديمقراطية الأميركية، فيما هناك من يصف الترامبية كنوع من الاستبداد، وإظهار أن قواعد الديمقراطية الأميركية هي في العمق مشبعة بالانحياز الطبقي والعنصري والفئوي.

وكانت مجلة "فورين بوليسي" قد أفردت عدداً خاصاً عن الترامبية، إثر وصول ترامب إلى سدة البيت الأبيض، تحدثت فيه عن "ثورة جاكسونية جديدة". ويعد أندرو جاكسون أول رئيس شعبوي للولايات المتحدة (ترشح عن الحزب الجمهوري الديمقراطي وحكم بين عامي 1929 و1837). وكتبت المجلة تحت عنوان "الشعبوية الأميركية والنظام العالمي"، في عددها الصادر في مارس/ آذار 2017، أن "الشعبوية الأميركية المميزة التي تبنّاها ترامب متجذرة في أفكار وثقافة أول رئيس شعبوي أميركي، أندرو جاكسون. فبينما حاول كل من راند بول وتيد كروز خلال حملة انتخابات 2016، سبر أغوار مدرسة توماس جيفرسون (من الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، وثالث رئيس لها)، التي تقول بأن تقليص دور أميركا على الحلبة الدولية يعني تقليص نفقات ومخاطر التدخل الخارجي، شعر ترامب خلال الحملة بأن هناك صعوداً لدى القاعدة لـ"الجاكسونية القومية الشعبوية"، وهي أن الولايات المتحدة "ليست كياناً سياسياً معرفاً عنه بحزمة أفكار ثقافية متجذرة من عصر التنوير، وموجهة لتحقيق مهمة عالمية، بل إنها الدولة – الأمة للشعب الأميركي، ومهمتها الأولى هي في الداخل".


الشعبوية الأميركية التي تبناها دونالد ترامب متجذرة في أفكار أول رئيس شعبوي أميركي، أندرو جاكسون

هكذا حاول ترامب، على مرّ أربع سنوات، مدعوماً من قاعدته الشعبية، استعادة رواية الحلم الأميركي، المبنية على حنين الأميركيين البيض، ومن أصول أوروبية، لأن تكون لهم "ثورتهم" و"استعادة وطنهم". وبرأي "فورين فوليسي"، فقد احتاج ذلك إلى "خلط مجموعة من العوامل في انتخابات 2016، وتجييشها، معظمها تركز على الداخل". ولمحاولة تفسير ذلك، ذهب المحللون إلى عوامل عدة، منها الركود في الأجور، وفقدان الوظائف لصالح المهاجرين، والفراغ الذي أصاب الحياة العامة، وارتفاع معدل تعاطي المخدرات". لكن ذلك كلّه، بحسب المجلة، ليس كافياً، مضيفة إليه أنه "عندما يشعر الجاكسونيون بأنهم مهددون من عدو خارجي، يذهبون إلى الدفاع، والعدو هذه المرة هم النخبة السياسية والمهاجرون، وهم يخشون أن تكون الحكومة الفيدرالية قد جرى احتلالها من قبل قوى شريرة، وهم لا يعنيهم الفساد، لكنهم يرفضون، وهنا الحديث عن البيض، أن يجرى قمعهم". ولا يرى كثير من هؤلاء، وهم من العمال السابقين وفاقدي الوظائف، ومن البيض من ذوي المستويات التعليمية الدنيا، أنهم عنصريون، بل ببساطة لا يتلاءمون مع أي من المجموعات الأخرى، التي تبحث عن حقوقها.

وترى "نيويوركر" من جهتها أن أولى العلامات لصعود أمثال ترامب كان ظهور "حزب الشاي" في المقلب الجمهوري في عام 2008، كردّ على الأزمة الاقتصادية وتنصيب باراك أوباما رئيساً، وذلك بعد فترة من التزاوج بين تيارين داخل الحزب، "المتعولمين" و"الانعزاليين"، وبين زواج بالإكراه بين الإنجيليين، المتدينين، والمدعومين من متبرعين أغنياء، ومن الكنيسة، والنخبة الاقتصادية في الحزب.

ولكن كيف وصل ترامب إلى البيت الأبيض؟ تشرح "نيويوركر" أنه لدى فوز أوباما على ميت رومني في 2012، أجرى الجمهوريون لاحقاً تحقيقاً داخلياً، عرف بـ"التشريح"، ووجدوا فيه أن رومني كان قد خسر جميع أصوات الجالية من أصول لاتينية، كما دعا التحقيق إلى إعادة صوغ خطاب جمهوري على قاعدة التشكيك في الحكومة، وسياسة صديقة للسوق، وجامعة إثنياً وعرقياً. لكن ترامب راهن فقط على "تفجير النظام من الداخل".

لكن هل هناك فرق بين ترامب المرشح للرئاسة، وترامب الرئيس بعد 4 سنوات؟ ترى المجلة أن ترامب الرئيس على الصعيد الخارجي، كان الأكثر التصاقاً بترامب المرشح، لا سيما مع إدارة ستيفن ميلر لملف الهجرة، وجاريد كوشنر لملف الشرق الأوسط، وهما خياران ما كان الحزب الجمهوري يتجرأ عليهما من تلقاء نفسه، وخطاب معادٍ للأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية وللناتو. وتضيف أن ترامب أحاط نفسه بمجموعة من "الأوغاد"، في البداية، مثل ستيف بانون وكوري ليفادونسكي وبول مانافورت، لكن التعيينات الأساسية الحكومية هي تلك التي جرت بموافقة من قيادات الحزب الجمهوري، بما فيها آخرها، وهي القاضية آمي باريت في المحكمة العليا. كما أن ترامب لم يتمكن من تنفيذ جميع تعهداته الداخلية، مثل تمزيق قانون أوباماكير، أو استكمال بناء الجدار مع المكسيك وجعلها تدفع كلفته. وحتى على صعيد الضرائب، فإنه أجرى عملية تقليص موضوعية، تشبه العمليات التقليدية للحزب الجمهوري.

هكذا، يسعى الرئيس الأميركي إلى نيل ولاية ثانية، من دون أي أجندة متماسكة، وفي جعبته بضع إنجازات خارجية ترضي قاعدته الإنجيلية واللوبي اليهودي والمناوئين للعولمة، وإنجاز داخلي كبير بتنصيب محافظة متشددة في المحكمة العليا. و"إنجاز" أكبر بتعميق الانقسامات داخل المجتمع الأميركي، وبوادر حرب أهلية مقبلة... داخل الحزب الجمهوري.