يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي استهدافه للمؤسسات الصحية والمستشفيات في قطاع غزة، بالاقتحام والقصف ومنع الإمدادات عنها. فبعد أن اقتحمت قوات الاحتلال مجمع الشفاء الطبي شماليّ قطاع غزة، وهو أكبر مستشفيات القطاع، الأسبوع الماضي بعد حصاره لعدة أيام، قصف جيش الاحتلال على مدى اليومين الماضيَين المستشفى الإندونيسي، ما أدى إلى سقوط العشرات من الشهداء والمصابين، وتدمير شبه كلي للمستشفى.
في موازاة ذلك، يثير استمرار الحديث عن خطط دولية لاستحداث "المستشفيات العائمة"، كأحد الحلول لإخلاء ومعالجة جرحى القصف المتواصل، هواجس عدة على الساحة السياسية الفلسطينية ولدى أهالي القطاع على حد سواء، في موضوع خطط التهجير القسري، ولا سيما في الشمال. ويأتي ذلك ليكرس مخاوف الفلسطينيين من أن خروج هؤلاء المرضى والمصابين إلى العلاج على متن هذه المستشفيات قد يكون خروجاً نهائياً من القطاع، من دون عودة.
وأعلنت الحكومة الإيطالية في بيان رسمي نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أن "سفينة برمائية من المقرر وصولها إلى المنطقة من أجل الإجلاء الإنساني المحتمل للأفراد وكذلك لنقل المزيد من المواد الأساسية".
وكان عضو المكتب السياسي لحركة "حماس"، ومسؤول العلاقات الدولية في الحركة، أسامة حمدان، قد قال في مقابلة مع "العربي الجديد" الجمعة الماضي، إن "وصول السفن الصحية، أمر مفيد للشعب الفلسطيني، ولكن إذا كنا نتكلم عن تثبيت الشعب الفلسطيني على أرضه، فإن الأولى أن تصل هذه السفن إلى ميناء غزة أو أن تنقل المعدات الموجودة على هذه السفن، على شكل مستشفيات ميدانية على أرض فلسطين". وأرجع السبب إلى أن "المطلوب تثبيت الفلسطينيين على أرضهم، وإحباط أي فرصة يمكن للإسرائيلي استغلالها".
من جهته، أشار رئيس الحكومة الفلسطينية، محمد اشتية، في كلمته بجلسة الحكومة الفلسطينية، في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، إلى اقتراح بعض الدول إنشاء ممر مائي بين قبرص وغزة. وقال: "نرغب في وصول المساعدات، لكننا لا نقبل بتهجير أهلنا على بواخر للترحيل تحت مسمى المساعدات".
استهداف إسرائيل للمستشفيات خرق للقانون الدولي
وفي السياق، قال أستاذ القانون الدولي العام، وخبير النزاعات الدولية محمد محمود مهران، في حديث لـ"العربي الجديد" إن "الهجمات الإسرائيلية على المرافق والمنشآت الطبية والعاملين في المجال الصحي تشكل انتهاكات صارخة لأحكام القانون الدولي الإنساني".
وشدد على أنه "لا يوجد أي مبرر" لاستهداف تلك المنشآت وهؤلاء العاملين "حتى في أوقات الحرب"، وأن ذلك "ينتهك مبدأ عدم التمييز بين المدنيين والعسكريين في أثناء النزاعات المسلحة". وندّد مهران بمحاولات إسرائيل المتكررة "لترحيل الفلسطينيين المرضى إلى الخارج بهدف تفريغ الأرض من سكانها الأصليين".
مهران: الاعتداء المتعمد على المرافق الطبية يرقى إلى مستوى جرائم الحرب
ولفت إلى أن ذلك "يشكل تهجيراً قسرياً ينتهك المادة الـ49 من اتفاقية جنيف الرابعة"، مذكراً بأن "المادة الـ18 من الاتفاقية، توفر الحماية للمرافق الطبية المدنية في الأراضي المحتلة وتحظر مهاجمتها"، فيما "المادة الـ20 منها توفر حماية خاصة للعاملين في المجال الطبي".
وأشار مهران إلى أن "البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف، يؤكد في المادة الـ12 وجوب احترام وحماية الوحدات ووسائل النقل الطبية"، مضيفاً أن "الاعتداء المتعمد على المرافق الطبية وقتل أو جرح العاملين في القطاع الصحي، يرقى إلى مستوى جرائم الحرب التي تخضع للمحاكمة وفقاً لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية".
وفي وقت قال إن منع إسرائيل دخول المساعدات والإمدادات الطبية إلى غزة يهدد حياة المرضى والجرحى وينتهك حقوقهم، لفت مهران إلى أن "تدمير البنية التحتية الطبية في أوقات النزاع المسلح يهدف إلى زيادة معاناة المدنيين وينتهك القانون الدولي الإنساني".
محاولة لتفريغ قطاع غزة عبر القصف
من جهته، قال مؤسس حركة "مصريون ضد الصهيونية"، المتخصص في الصراع العربي الإسرائيلي، محمد سيف الدولة، في حديث لـ"العربي الجديد" إن "مخطط التهجير القسري لأهالي غزة قائم على قدم وساق، بقصف وتدمير كل ما له علاقة بمقومات الحياة، من منازل ومخابز وأفران ومستشفيات ومدارس وطرقات وسيارات الإسعاف"، إلى جانب البنية التحتية "من شبكات مياه وصرف صحي وكهرباء ومحطات وقود ومراكز إيواء".
وأضاف أن "كل ذلك مصحوب بتكثيف غارات القتل والإبادة والإفناء، بحيث لا يبقى قطاع غزة صالحاً للحياة، ويدفع الأهالي دفعاً إلى البحث عن مأوى ومنزل وشربة ماء وقطعة خبز خارج غزة، أي في سيناء".
شعث: سرائيل تستخدم الإبادة الجماعية والتهجير القسري، منذ سنة 1948
الناشط السياسي، رامي شعث، اعتبر في حديث لـ"العربي الجديد" أن "هناك محاولة لتهجير السكان من الجرحى والمرضى وحملة الجنسيات". ورأى أنها "محاولة لتفريغ القطاع من السكان والتعامل مع الكتلة السكانية الكثيفة على أرضها"، مضيفاً أن غزة مقاومة بطبيعتها وفكرها، وهي "جزء من المعركة الأوسع في سبيل استعادة كل الحقوق الفلسطينية، ولذا تأتي محاولة كسرها، بتفريغ السكان وطردهم، وكسر قدرتهم على المقاومة".
وتابع: "إسرائيل تستخدم الإبادة الجماعية والتهجير القسري، منذ سنة 1948، وكان ذلك طريقتها المستخدمة دائماً في سرقة الأراضي الفلسطينية، في تطور هذا الاحتلال كمشروع استعماري غربي". وأضاف أن "هدفه الوجود وسط العالم العربي، وتوسيع سيطرته بما يسمح بالهيمنة الغربية على بلادنا ومواردنا".