تداعيات سلبية لسياسات ترامب على العلاقات العربية الأميركية

13 فبراير 2025
من الدمار في غزة، 11 فبراير 2025 (بشار طالب/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يصر الرئيس الأميركي دونالد ترامب على خطة تهجير أهالي غزة إلى الأردن ومصر، مما يثير انتقادات واسعة لانتهاك سيادة الدول العربية وتدهور العلاقات العربية الأميركية.
- سارة زعيمي تشير إلى أن خطة ترامب قد تفشل وتزيد الجمود في العلاقات، وتغلق الباب أمام صفقات تطبيع محتملة، وتعكس رؤية غربية ضيقة تتجاهل الروابط الثقافية والتاريخية.
- عمرو صلاح يعتبر تصريحات ترامب جزءاً من سياسة الضغط القصوى، مشيراً إلى موقف الدول العربية المتزن برفض التهجير وغياب تصور عربي لما بعد وقف إطلاق النار.

يتمسك الرئيس الأميركي دونالد ترامب بمخططه لتهجير أهالي قطاع غزة، زاعماً أن طرحه هذا سيجلب السلام إلى الشرق الأوسط، ومصرّاً على ترحيل الغزيين إلى الأردن ومصر. ومع وعده بتحويل غزة إلى "ريفييرا" الشرق الأوسط، ردّ ترامب، أول من أمس الأربعاء، على سؤال بشأن السلطة التي تخوّله الاستيلاء على أراضٍ فلسطينية، بالقول إنها "السلطة الأميركية". محاولة ترامب فرض رؤيته على العالم العربي، وتخطيه أصول التعاون مع هذه الدول، من المتوقع أن تكون لها تداعيات على العلاقات العربية الأميركية في ضوء تمسّكه بموقفه، فما هي هذه التداعيات وماذا يمكن أن تطاول؟

"فنّ الصفقة" لفرضها

تقول الزميلة المقيمة في برنامج الشرق الأوسط في المعهد الأطلسي، سارة زعيمي، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، إن النبرة الإمبريالية التي يتحدث بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بخصوص تهجير الفلسطينيين من غزة، تجعل الولايات المتحدة تبدو كأنها متنمر ينتهك سيادة الدول العربية، متوقعة أن يؤثر ذلك بشكل كبير على شعبية واشنطن في العديد من البلدان، وسيؤدي إلى تسريع عزلتها وفقدان نفوذها على المنطقة، باعتبارها الوسيط الرئيسي والمشرف على عمليات السلام منذ أواخر السبعينيات.

سارة زعيمي: يؤدي إصرار ترامب على اقتراحه، إلى إغلاق أي صفقة تطبيع محتملة بين السعودية وإسرائيل

وتشير زعيمي إلى أنه في البداية، اعتقد الجميع أن ترامب يماطل أو يختبر المياه بما يتماشى مع أسلوبه في "فنّ الصفقة" لجلب الدول العربية إلى طاولة المفاوضات وإجبارها على المساهمة في حكم وإعادة إعمار قطاع غزة، لكن اتضح منذ ذلك الحين، أنه جاد بشأن خطته للسيطرة على غزة، مؤكدة أن مصير هذه الخطة هو الفشل وأنها قد تؤدي إلى جمود أكبر في العلاقات العربية الأميركية. وتعرب زعيمي أيضاً عن اعتقادها بأن يؤدي إصرار ترامب على اقتراحه، إلى إغلاق أي صفقة تطبيع محتملة بين السعودية وإسرائيل. وتوضح في هذا الصدد أن "الجميع شهد التحوّل المفاجئ في المزاج وسط خطأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مطالبة السعودية باستضافة الفلسطينيين المطرودين". وتقول: "بالتأكيد، لا أستطيع أن أتخيل حظراً نفطياً آخر أو قرارات مماثلة في القمة العربية الاستثنائية القادمة في مصر (مقررة في 27 فبراير/شباط الحالي)، ولكننا سنرى فترة متزايدة من البرودة في العلاقات العربية الأميركية وتقارباً أكثر بين هذه الدول وروسيا والصين مع إدراكها لمدى عدم موثوقية واشنطن وعدم حساسيتها لأولويات دول الشرق الأوسط وأمنها القومي".

وتلفت زعيمي إلى أن اقتراح ترامب يسلط الضوء على خطابين مختلفين منهجياً: أولهما منطق مادي غربي مقابل خطاب يقدّر الولاء والارتباط الأنثروبولوجي القبلي بالأرض، مضيفة أنه لا يمكن توحيد هاتين الرؤيتين المعرفيتين للعالم، حيث يرى ترامب العقارات والفرص المالية والازدهار وأنه قادر على حلّ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من خلال منظور غربي ضيّق للغاية، لا يأخذ في الاعتبار الطبيعة العابرة للحدود الوطنية للشعب العربي والإسلامي والروابط الثقافية والتاريخية المعقدة بين هذه المجتمعات. وتتابع: "يعتقد ترامب أن امتلاك النفوذ على بعض الدول العربية مثل مصر والأردن سيسمح له بفرض نفوذه على قادتها بأموال المساعدات وتقديم الحوافز لهم لإرغامهم على قبول تهجير الفلسطينيين إلى أراضيهم ذات السيادة. ولكن ما يفشل في فهمه هو أن هذه الأنظمة لن تخاطر بتجاوز خطوط حمراء معينة بشعوبها المشحونة عاطفيا". وتعتبر زعيمي أن تصدير الأزمة إلى مصر أو الأردن، سيؤدي أيضاً إلى تصدير القاعدة الشعبية لـ"حماس" و"الجهاد الإسلامي" وغيرهما من الجماعات المتطرفة إلى هذه البلدان الهشّة، وفق تعبيرها، ما يخاطر بدفع المنطقة إلى سيناريوهات مماثلة للحرب الأهلية اللبنانية، على حدّ تقديرها.

العلاقات العربية الأميركية وموقف "الحلفاء"

من جهته، يرى المحاضر في كلية تسوية النزاعات الدولية في جامعة جورج ميسون، الباحث غير المقيم في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، عمرو صلاح، أن هذه التصريحات جزء من سياسة ترامب الذي ذهب إلى الحد الأقصى في آرائه من أجل تقوية موقفه في التفاوض لاحقاً. ويقول صلاح في تصريحات لـ"العربي الجديد": "هذه هي سياساته ودائماً يستهدف بها الموافقة على ما يطرحه تالياً، وفعل ترامب هذا من قبل مع كندا والمكسيك ويفعله الآن مع أوكرانيا، وأرى أنه يريد من مصر والأردن قبول تصور ما لديه لم يعلنه بعد في ما يتعلق بغزة. كما أنه ربما لديه مطالب أخرى لكل دولة منفصلة، ولكن ليس لدي تصور عما يريده". ويضيف: "ربما يكون موقفه أيضاً وسيلة ضغط لمصالح أخرى متعلقة بالعلاقات مع الصين وروسيا، وعدم الانحياز الكامل لتصورات الولايات المتحدة رغم المساعدات التي تحصل عليها مصر أو الأردن".

عمرو صلاح: خطاب ترامب جزء من خطاب القوى اليمينية الصاعدة في أنحاء مختلفة من العالم

وحول الموقف العربي وتأثر العلاقات العربية الأميركية فيعتبر الباحث غير المقيم في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، أن موقف الدول العربية جيد جداً ومتزن، وهناك إجماع واضح على رفض تهجير أهالي غزة، ونجح ذلك في حشد التأييد من دول أخرى حليفة لأميركا مثل ألمانيا وفرنسا وغيرهما. وفي ما يخص لهجة التهديد التي يستخدمها ترامب ضد دول عربية خصوصاً مصر والأردن، يرى صلاح أن "هذا جزء من خطاب القوى اليمينية الصاعدة في أنحاء مختلفة من العالم، لكنه متسق مع تصريحات ترامب مع عدد من الدول، سواء الحلفاء مثل كندا والدنمارك أو بنما وغيرها".

ويشير إلى أن الأزمة الوحيدة التي تواجه الدول العربية، أنه كان يجب أن يكون لديها تصور كامل لما بعد وقف إطلاق النار في غزة، "لأنك إذا لم تُبادر، فسيبادر الآخرون بتصورات ربما تتعارض مع رؤيتك"، لافتاً إلى أن رؤية ترامب على هوى الجانب الإسرائيلي. وعن وجود ربط بين تصريحاته عن غزة وخطط غير معلنة في ما يخص الضفة الغربية، يشير إلى أنه "في ما يخص غزة أو الضفة الغربية ورغبة ضمّ المستوطنات، فإنها تحتاج إلى موافقة عربية أو تغاضيا غربيا، وبالتالي فإن أي ملف من هذه الملفات قابل للتفاوض لدى ترامب، كما أن هناك ورقة أخرى للتفاوض لها علاقة بمن سيحكم غزة، وربما يكون هناك تفاوض على التقارب مع الصين وروسيا وغيرها من الملفات"، لافتاً إلى أن ترامب سيرغب في أن يتفاوض على عدد من الملفات كحزمة واحدة، وليس كل ملف على حدة.

المساهمون