استمع إلى الملخص
- يرى زكريا الغول أن سقوط نظام الأسد سيضعف نفوذ حلفائه في لبنان، مما يضع حزب الله أمام تحديات بفقدان الدعم العسكري، بينما ستستفيد القوى المعارضة من غياب التأثير السوري.
- تاريخياً، كان لنظام الأسد تأثير كبير على لبنان، وسقوطه قد يؤدي إلى تحول جذري في العلاقة بين البلدين، مع سعي القوى المناهضة للأسد لإعادة بناء علاقة أكثر استقلالية.
واكب لبنان إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد شعبياً على مستوى مظاهر الاحتفال التي عمَّت العديد من المناطق اللبنانية، خصوصاً في العاصمة بيروت والبقاع والشمال، في حين تصدّرت الأحزاب المعارضة المشهد، رافعةً شعار "تحرير لبنان من المحور السوري- الإيراني ونزع سلاح حزب الله"، معتبرةً أنّ الفرصة تاريخية اليوم للانتقال إلى مرحلة جديدة لبناء دولة القانون والمؤسسات.
وتقف المنطقة أمام تحوّلات عدّة في ظلّ تسارع التطورات خصوصاً الحاصلة في سورية، ضمنها لبنان، الذي سيتأثر حكماً على صعيد المعادلات والتركيبات السياسية، وقد تتجلّى أولى مظاهر التداعيات في الاستحقاق الرئاسي المنتظر في التاسع من يناير/كانون الثاني المقبل، والمتوقع بحسب تأكيدات المسؤولين اللبنانيين، أن تثمر الجلسة إنهاءً لحقبة شغور استمرّت لأكثر من عامين.
وتقول الأحزاب المعارضة لحزب الله في لبنان إنّ سقوط نظام الأسد، يحتّم على الجميع "بناء دولة الحرية والسيادة والاستقلال، والشراكة الفعلية"، وسط تأكيد أنّ "اللعبة على صعيد حزب الله انتهت، وبات عليه الجلوس مع الجيش اللبناني لإنهاء الحالة المسلحة والتحوّل لحزب سياسي".
كما تعتبر أنّ كل التطوّرات الأخيرة سواء عسكرياً أو سياسياً، في لبنان وسورية والمنطقة، ستطيح بمرشح "محور المقاومة" للرئاسة، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وكذلك بـ"الهيمنة الإيرانية- السورية"، وتفتح الباب نحو شخصية تحظى بالتأييد الشعبي، وتلتزم تطبيق القرارات الدولية، والقيام بالإصلاحات اللازمة إلى جانب الحكومة الجديدة، وتعيد تقوية العلاقات اللبنانية مع الخارج، خصوصاً الدول العربية والخليجية.
في الإطار، يقول زكريا الغول، الأستاذ في التاريخ السياسي والعلاقات الدولية لـ"العربي الجديد"، إنّ "من تداعيات سقوط نظام الأسد على لبنان والتركيبة السياسية اللبنانية، بداية تراجع نفوذ حلفاء النظام السوري، حيث أنّ حزب الله سيواجه تحديات كبيرة، خصوصاً مع فقدان خط الدعم الخلفي وجهة الإمداد الرئيسية للسلاح، ممّا يضعف دوره العسكري في الداخل اللبناني، ما يشكل ضربة كبرى أخرى للحزب بعد خسائره الكبيرة جراء الحرب الأخيرة"، مضيفاً أنّ "الأحزاب السياسية الحليفة قد تجد نفسها معزولة أو مضطرة إلى تعديل مواقفها للتكيف مع المعادلة الجديدة".
ويرى الغول أن "القوى السياسية المعارضة للنظام السوري، مثل أحزاب القوات اللبنانية والتقدمي الاشتراكي والكتائب اللبنانية، ستستفيد من غياب التأثير السوري، ما يمنحها مجالاً أكبر لتعزيز مواقفها وإعادة هيكلة التحالفات"، معتبراً أنّ "قوى إقليمية مثل السعودية وتركيا ستسعى لتعزيز نفوذها في لبنان على حساب النفوذ السوري- الإيراني".
ويعتبر الغول أنه "مع خسارة سورية كحليف أساسي، قد تعيد إيران تقييم استراتيجيتها في لبنان، مما ينعكس على تموضع حزب الله داخلياً وإقليمياً"، مشيراً إلى أن "سقوط النظام السوري سيؤثر مباشرة على معادلة انتخاب الرئيس في لبنان، حيث كان دور سورية تاريخياً حاسماً في صناعة الرؤساء".
تبعاً لذلك، يرى الغول أنّ "المستفيدين اليوم من سقوط نظام الأسد هم القوى المناهضة للنظام السوري، في لبنان مثل القوات اللبنانية وحلفائها، التي ستعمل على انتخاب رئيس يتماشى مع توجهاتها السياسية، وقد يكون الجيش اللبناني أو شخصية توافقية محسوبة على الوسط هي الخيار الأنسب في ظل التوازنات الجديدة".
أما المتأثرون، فهم "القوى الحليفة لسورية، التي ستواجه صعوبة في فرض مرشحها، وحزب الله قد يجد نفسه معزولاً سياسياً، ما يضعف فرص مرشحيه في الوصول إلى الرئاسة". كذلك، من التداعيات على المستويات الأمنية والاجتماعية، يقول الغول "الفراغ السياسي في سورية قد يؤدي إلى تصاعد نشاط الجماعات المسلحة على الحدود اللبنانية - السورية، لكن المعطيات الأخيرة أبرزت مواقف متقدمة للمعارضة السورية، بشكل ترك ارتياحاً لدى الجانب اللبناني المعارض للأسد". ويضيف أن "استمرار وجود اللاجئين السوريين قد يؤدي إلى ضغوط اقتصادية واجتماعية متزايدة على لبنان، مع ملاحظة مفارقة في عودة لبعض النازحين لسورية مقابل وصول نازحين جدد ممن يوالون الأسد".
علاقة لبنان مع نظام الأسد عبر العقود
وحول علاقة لبنان مع نظام الأسد عبر العقود وأبرز المحطات، يقول الغول "حقبة السيطرة السورية (1976-2005)، فقد بدأ النفوذ السوري في لبنان مع دخول الجيش السوري عام 1976 جزءاً من قوات الردع العربية خلال الحرب الأهلية، وفي التسعينيات، أصبح النظام السوري المهيمن الأساسي على القرار السياسي اللبناني بعد اتفاق الطائف، نتيجة انضمام الأسد الأب إلى التحالف الدولي لإخراج القوات العراقية من الكويت، وإعطاء لبنان لحافظ الأسد جائزة ترضية نتيجة انضمامه للتحالف الدولي". ويتابع "فرضت سورية هيمنتها من خلال تعيين الرؤساء والوزراء وحتى ضبط التوازنات بين الأطراف اللبنانية".
ومن أبرز المحطات اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري عام 2005 ما أدى إلى خروج الجيش السوري تحت ضغط دولي وشعبي، وأنهى الهيمنة المباشرة، وبقي النفوذ السوري قائماً عبر حلفائه اللبنانيين، خاصة حزب الله، كما كان لنظام الأسد (الأب والابن) علامة فارقة تمثلت بمسؤوليته عن اغتيال عدد هائل من الشخصيات اللبنانية، منها رؤساء جمهورية ورؤساء حكومات ووزراء ونواب ورجال دين واللائحة تطول.
وفي مرحلة ما بعد الثورة السورية عام 2011، يقول الغول إن "انقساماً لبنانياً حصل حيال الأزمة، بحيث أنّ حزب الله دعم النظام عسكرياً، بينما وقفت قوى 14 آذار ضده". في هذا السياق كلّه، يعتبر الغول أنّ "لبنان قد يشهد مع سقوط النظام تحولاً جذرياً في علاقته مع دمشق، إذ ستعتمد العلاقة المستقبلية على طبيعة النظام البديل في سورية، كما أن القوى اللبنانية المناهضة للأسد ستسعى لإعادة بناء علاقة أكثر استقلالية عن سورية، في حين سيحاول حلفاؤه البحث عن بدائل إقليمية لتعويض خسارتهم".
ويختم باعتبار أن "سقوط نظام الأسد سيعيد تشكيل المشهد السياسي اللبناني جذرياً، فستتراجع قوى وتتصاعد أخرى، وسيبقى الاستحقاق الرئاسي معركة مفصلية تعكس التحولات الإقليمية".