تخبط حكومي... من وحي تجربة إدلب

24 اغسطس 2025   |  آخر تحديث: 04:12 (توقيت القدس)
قوات أمن أمام مقر سوق دمشق للأوراق المالية، 2 يونيو 2025 (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعتمد الحكومة السورية على تجربة حكومة الإنقاذ في إدلب كنموذج لإدارة البلاد، رغم الاعتراضات وعدم ملاءمة التجربة على مستوى سوريا، وذلك بسبب عدم الثقة في أشخاص خارج "هيئة تحرير الشام".

- تثير السياسات المالية للحكومة تساؤلات، حيث يسيطر تطبيق "شام كاش" على العمليات المالية، مما يحد من سيولة المصارف ويفرض على الموظفين استخدامه حصريًا، مع غموض حول طبيعته ككيان خاص أو حكومي.

- تدير شركات غامضة مثل "غرين إنرجي" و"طيبة" و"الراقي الهندسية" و"أي كلين" الشؤون الخدمية، مما يتعارض مع مبادئ اقتصاد السوق التنافسي والشفافية.

لا تزال الحكومة السورية تقوم في إدارتها على تجسيد تجربة حكومة الإنقاذ في محافظة إدلب، شمالي البلاد، وسحبها على مستوى سورية، معتبرة إياها التجربة الأكثر نجاحاً في إدارة شؤون البلاد، رغم الاعتراضات التي كانت تواجهها في إدلب ذاتها، ورغم عدم ملاءمة الكثير من تفاصيل هذه التجربة على مستوى سورية.

ويبرّر بعض المراقبين الاعتماد على تجربة إدلب خلال فترة حكومة تصريف الأعمال التي استمرت ثلاثة شهور، لأسباب تتعلق بعدم الثقة لدى الإدارة الجديدة التي استلمت مقاليد الحكم، بأي شخص من خارج إطار "هيئة تحرير الشام"، فاعتمدت في تشكيل الحكومة على أعضاء من حكومة الإنقاذ فقط، وهم بطبيعة الحال لا يمتلكون الخبرة الكافية لإدارة وزارات على مستوى دولة، قبل أن تعلن عن حكومة أخرى بعد فترة.

إلا أن تكريس تجربة إدلب، بكل ما تحمله من أخطاء وحتى إشارات استفهام، بعد مضي أكثر من ثمانية شهور على تحرير البلاد وأكثر من خمسة شهور على تسلم الحكومة الانتقالية التي يفترض أنها حكومة تكنوقراط، مهامها، يطرح العديد من التساؤلات حول السياسات الداخلية التي تنتهجها الحكومة. فعلى مستوى الإدارة المالية والنقدية، لا يزال تطبيق غامض الملامح بمثابة محفظة إلكترونية يدعى "شام كاش" هو ما يتحكم بالسياسة النقدية والمالية في الحكومة، فهو يطرح نفسه بمقام المصرف المركزي من خلال تحكمه بمنح رخص خدمات تحويل الأموال، ويتحكم بكل العمليات المالية من جهة أخرى من خلال تحكمه بالمصارف الخاصة ومنافستها بطريقة غير عادلة. فهو التطبيق الوحيد الذي يمكن من خلاله إيداع أي مبلغ فيه وسحبه منه بأي وقت، فيما يفرض على المصارف حبس السيولة وعدم السماح لها سوى بسحب مبلغ لا يتجاوز الستين دولاراً في الأسبوع مهما كان المبلغ المودع. كما تفرض الحكومة على موظفيها التعامل الحصري مع هذا التطبيق.

ولكن الأغرب من كل هذا أن "شام كاش"، ورغم أن من يديره هم منتسبو "تحرير الشام"، إلا أنه من غير المعروف ما إذا كان هذا التطبيق شركة خاصة "بحسب ما يصرّح عن نفسه"، أم شركة حكومية "بحسب أدائه". وفي حال كانت شركة خاصة، من يمتلكها؟ وما هو ترخيصها؟ وهل تخضع لنظام حوكمة؟ وهل يسمح لأي شركة مماثلة بتقديم الخدمة نفسها؟ 

وعلى مستوى السياسات الخدمية، هناك شركات مشابهة لشركة "شام كاش" وبصلاحيات مماثلة تدير كل الشؤون الخدمية، فهناك شركة غامضة التوصيف والصلاحيات تدير شؤون الكهرباء (غرين إنرجي)، وأخرى غامضة تدير شؤون المحروقات (طيبة)، وثالثة تتعهد الطرقات (الراقي الهندسية)، ورابعة تتعهد خدمات النظافة (أي كلين)، الأمر الذي يتعارض مع أهم المبادئ التي يعتمد عليها اقتصاد السوق التنافسي، والذي يرتكز على قوانين منافسة ومنع احتكار وأنظمة حوكمة شفّافة.