تحولات جنوب اليمن في الحرب: من التحرر لمحاولة الانفصال

تحولات جنوب اليمن في الحرب: من التحرر لمحاولة الانفصال

26 مارس 2022
المجلس الانتقالي يتصرف كسلطة طليقة اليدين (نبيل حسن/فرانس برس)
+ الخط -

كانت محافظة عدن بجنوب اليمن من أول مسارح الحرب في البلاد، التي انطلقت قبل سبع سنوات، وكانت المنطقة التي غيّرت مسار الصراع بعد النجاح في صد هجوم الحوثيين ثم الانتقال إلى طردهم من مناطق جنوبية أخرى بعد تدخل التحالف بقيادة السعودية في الحرب. ومنذ تلك اللحظة، شهد اليمن تحولات عسكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، وتغيّرت مواقع بعض اللاعبين، فيما ظهر لاعبون جدد، لتتبدل خريطة السيطرة وتتعدد أقطابها، وتكون عدن بشكل خاص نقطة لأبرز التحولات.

تحولات عسكرية وسياسية في عدن وجنوب اليمن

وتختلف القراءات في عدن للتحولات التي شهدتها المنطقة منذ مارس/آذار 2015، وحتى اليوم. كانت أولى التحولات الواضحة جنوباً بعد انقلاب الحوثيين والرئيس الراحل علي عبد الله صالح، بروز مقاومة جنوبية في عدن والضالع، تصدرها خصوصاً الداعون إلى الانفصال وقيام الدولة الجنوبية، إضافة إلى شباب من تيار الإسلام السياسي من السلفيين وجماعة "الإخوان المسلمين".

ويقول أنور سليم، وهو مدرّس شارك في الحرب، إن "الانقلابيين كانوا يستهدفون هؤلاء عندما دخلوا المناطق الجنوبية، إذ كانوا يحملون كشوفات بأسماء الكثير من الجنوبيين للقضاء عليهم أو اعتقالهم حتى يتمكن الحوثيون من السيطرة على الجنوب".

ويضيف سليم في حديث مع "العربي الجديد"، أن هذه الكشوفات "هي التي دفعت كثيرين إلى المشاركة في مقاومة الحوثيين، كما أن القيادات العسكرية الجنوبية التي كانت في الجيش والأمن، وقفت مع الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي، وهذه كانت بداية التحولات الحقيقية عسكرياً واجتماعياً وحتى سياسياً".

ويشير سليم إلى أن "التحوّل الأبرز كان في 26 مارس/آذار 2015، وهو اليوم الذي أعلن فيه التحالف بقيادة السعودية عن دخوله المعركة، ودعم المقاومة والقيادات الجنوبية في مواجهة الحوثيين وصالح، ما أحيا وضع المقاومين في الجنوب بعد أن كانوا في وضع عسكري صعب على خلفية التفوق العسكري للحوثيين وصالح".

لاحقاً، وبعد تحرير عدن والضالع ولحج وأبين وكذلك شبوة، بدأت تحولات عسكرية وسياسية جديدة في عدن والجنوب؛ بداية بتسليم إدارة المناطق لقيادات جنوبية، بالتوازي مع بدء قيادات وجماعات بتكوين قواتها الخاصة خارج سلطات الدولة، وبدعم من التحالف نفسه، وتفريغ عدن من قيادات تحريرها؛ إما بالتصفية والاغتيالات أو بالتهجير، إلى جانب تسريح قيادات أمنية وعسكرية ومدنية من مناصبها.

الأحمدي: بدل أن يعمل التحالف على دعم عودة مؤسسات الدولة، كان التركيز على بناء تشكيلات مليشاوية خارج نطاق الدولة

بناء تشكيلات مليشياوية وإقصاء قيادات مقاومة عدن

في السياق، يقول علي سعيد الأحمدي، المتحدث السابق باسم "مجلس المقاومة في عدن"، الذي كان يضم المقاومة الشعبية الجنوبية وقوات الجيش، لـ"العربي الجديد"، إنه "بعد تحرير عدن أواخر يوليو/تموز 2015، استبشرت المنطقة بزوال عهد الاستبداد وانتهاك الكرامة والحقوق، وانتهاء نقص الخدمات وانتشار البطالة".

ويتابع "ولكن لم يتصور أحد من أهل عدن ومناطق الجنوب أن تتحول الأمور بعد الانتصار إلى تردٍ رهيب ومخيف في مختلف الجوانب الخدمية والإنسانية عما كانت عليه من قبل".

ويضيف الأحمدي، وهو من أبرز الشخصيات الممنوعة من العودة إلى عدن: "بدل أن يعمل التحالف على إعمار ما خلّفته الحرب في مدينة عدن، ودعم عودة مؤسسات الدولة، كان التركيز والانشغال على بناء تشكيلات مليشاوية خارج نطاق الدولة ومؤسساتها، وصناعة مكونات ظاهرها أنها سياسية تتبنى قضايا وطنية، لكن حقيقتها أنها أداة في إبقاء الوضع التنموي متردّيا والأمن في أدنى مستوياته".

ويشير إلى أن "هذا يحقق بعض المكاسب لهذه الجهات الداعمة؛ سواء بتعطيل عمل بعض الموانئ والمطارات في مناطق الجنوب، أو بفتح المجال للتدخل في بعض الجزر المهمة".

ويضيف الأحمد أنه "لم تتم هذه الأمور إلا بعد سلوك ممنهج لإقصاء قيادات مقاومة عدن وأفرادها واستبدالهم بشخصيات وجموع من الأرياف خارج عدن، ما أدى لاختلال الوضع الاجتماعي في المدينة ووجود جو من التنافر وعدم الانسجام مع التشكيلات الأمنية البديلة لمقاومة عدن".

ويرى أن "هذا التدخل في تشكيل الأوضاع في مدينة عدن أدى أيضاً إلى توقف الحياة السياسية في هذه المدينة، جراء الاختلالات الأمنية والاعتداءات المتكررة على مقرات الأحزاب واعتقال السياسيين وتوجيه مختلف التهم الملفقة لهم".

ويعتبر الأحمدي أن "الإشكالية ستبقى قائمة في عدن وباقي مناطق الجنوب طالما تم تحييد مؤسسات الدولة وإضعافها، خصوصاً المؤسستين الأمنية والعسكرية".

ويتابع "وسيظل الملف الأمني في حال من الضياع طالما تعددت المكونات المسلحة مختلفة الولاءات وبقيت مسيطرة على الأرض، وستظل الأبواب مشرعة للأزمات الاجتماعية، وستظل الحياة السياسية معطلة والصوت الأعلى هو صوت البندقية".

ظهور "المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي

ويرى العديد من المتابعين أن ملامح التحوّلات بدأت فعلياً من خلال تحرك جنوبي لمواجهة نفوذ حزب "التجمع اليمني للإصلاح"، وحتى وجود السلطة الشرعية.

وبدأت لاحقاً ملامح تأسيس مكون سياسي وعسكري جنوبي يرفع شعار الدولة الجنوبية ويواجه حزب "الإصلاح"، وهذا المكون كان "المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم من التحالف، وخصوصاً دولة الإمارات.

ويقول الناشط المقرب من "الانتقالي" علي محمد، لـ"العربي الجديد"، إن "حزب الإصلاح أو الإخوان المسلمين كان الأكثر نفوذاً داخل الشرعية التي اتخذت من عدن عاصمة لها، لذا فقد احتكر أغلب المناصب والمراكز، وأقصى الجنوبيين، وتجاهل القوى الأخرى".

ويضيف: "أدى ذلك إلى خلافات بين حزب الإصلاح والقوى الجنوبية وأحزاب وقوى أخرى، مع وجود طيف جنوبي يرى أن الإصلاح عدو كالحوثيين وصالح، وبدأت الاحتقانات في عدن وعمليات الرفض للحزب وحتى للشرعية".

ويشير محمد إلى أنه "حدث تغيير عسكري وسياسي واجتماعي جنوبي، أدى إلى مزيد من سيطرة الجنوبيين على المناطق وتقليص نفوذ الإصلاح، خصوصاً بعد تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي".

ملامح التحوّلات بدأت فعلياً من خلال تحرك جنوبي لمواجهة نفوذ حزب "التجمع اليمني للإصلاح"

من جهته، يقول مصدر خاص في "المجلس الانتقالي الجنوبي"، لـ"العربي الجديد"، مفضلاً عدم ذكر اسمه كونه غير مخول بالتصريح لوسائل الإعلام، إن "التحوّل خدم الجنوبيين بعد سنوات طويلة من التضحيات".

ويضيف "وما سنوات الحرب إلا تنفيذ لذلك التحوّل، إذ دفعت لتماسك اجتماعي جنوبي، لمقاومة المحتلين الجدد، وتم تحرير الجنوب من القوى الشمالية وقوى الانقلاب، وبدأ الجنوبيون يمسكون مناطقهم ثم يدخلون في المشهد السياسي والعسكري المنظم والذي تبلور بتشكيل المجلس الانتقالي في عدن، ليكمل التحولات والخيارات الجنوبية، بدعم من التحالف".

ويضيف المصدر أن "ذلك خلّص الجنوب من بقايا القوى الشمالية، ممثلة بحزب الإصلاح الذي يختبئ برداء الشرعية، لذلك فقد اقترب المشهد من الاكتمال نحو أكبر تحوّل يشهده الجنوب مع طرد بقايا القوى الشمالية والتقليدية من شبوة، فيما بقي وادي حضرموت الذي ينتظر الفصل الأخير من بسط الجنوبيين على أراضيهم كاملة".

نظرة سلبية للتحولات في الجنوب ودور "المجلس الانتقالي"

مقابل ذلك، ينظر بعض الجنوبيين بشكل سلبي إلى التحولات التي شهدها الجنوب. وفي السياق، يقول المتحدث باسم "المجلس الثوري للحراك الجنوبي"، ياسر عمر، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "منذ بدء الحرب في 2015، تعيش عدن وباقي المناطق المحررة في الجنوب أوضاعاً إنسانية صعبة، ليس بسبب الحرب فقط، بل لأن هناك من يستغل ظروف هذه الحرب للتكسب غير المشروع".

ويشير إلى أن "الريال اليمني سقط إلى الحضيض لأن الدولة لجأت للحلول الترقيعية، ومنها طباعة عملة بمئات المليارات، وتم استغلال تلك الأموال لتحقيق أرباح للمسؤولين، لكن الانعكاسات كانت مدمرة على الاقتصاد اليمني أكثر مما هو متوقع، وعلى المواطن أيضاً".

ويلفت إلى أن "الموظف الذي كان يتقاضى 300 دولار شهرياً كانت بالكاد تكفيه، أما اليوم فراتبه خمسون دولاراً".

أما على المستوى العسكري والأمني، فيقول عمر إن "كل ما هو موجود مجرد متاجرة بالدماء"، مضيفاً أنه "لا يوجد جيش وطني حقيقي يقاتل بشرف، ولا يوجد جيش موحّد يخضع لقيادة مركزية محترمة، وغرفة عمليات موحدة".

ويشير إلى أنه "بعد الحرب برزت مافيا وعصابات في مجالات وتخصصات مختلفة، أضافت للمواطن معاناة فوق معاناة الحرب، فيما تقف دول التحالف متفرجة وكأن ما يحصل لا يعنيها".

مصدر في المجلس الانتقالي: اقترب المشهد من الاكتمال نحو أكبر تحوّل يشهده الجنوب

ويتابع عمر أن "النظام منهار والدولة مقيمة في الخارج، وبالتالي وقع البلد بأيدي عصابات تعبث فيه وبمقدراته، وهناك حرص على بقاء هذا الوضع وتركه يزداد سوءاً مع استمرار التدهور الاقتصادي"، معرباً عن تخوفه "من أن يأتي يوم يُترك فيه اليمن بشماله وجنوبه، يواجه مصيره كقضية منسية".

ويقول عمر "كنا نعتقد بعد تحرير عدن والجنوب أن حالنا كجنوبيين سيتغير للأفضل، لكننا نشاهد الناس اليوم تتحسر على الأيام السابقة التي كان فيها الوضع بالأصل مزريا".

ويشير إلى أن "هناك عوامل أيضاً أوصلت البلد إلى ما هو عليه اليوم، ومنها المجلس الانتقالي الجنوبي الذي برز على الساحة السياسية، ولديه أموال وإمكانات ويحظى بدعم من الإمارات. وقد قلنا مع بروزه ربما سيتغيّر حالنا مع هذا المجلس، لكننا اكتشفنا أنه مجرد يافطة وقلم بيد محرك، ظاهره الرحمة لشعب الجنوب وباطنه العذاب".

ويرى عمر أن "المجلس الانتقالي قادر على حل العديد من أزمات عدن الخاضعة لسيطرته، من دون الحاجة لمساعدات من الخارج، لكن مصلحة الجنوب واحتياجاته الضرورية ليست في قائمة أولوياته".

ويعتبر أن "الانتقالي لا يختلف كمكون عن باقي الأحزاب المتكسّبة في الشرعية، وأداء وزرائه يؤكد ذلك، فلا هم حققوا شيئاً للجنوبيين ولا تركوا غيرهم يعمل، إن كان على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو حتى الأمني".

ويشير إلى أنه "كلما حاول شعب الجنوب الخروج للمطالبة بحقوقه خرجت جحافل الانتقالي بالمدرعات تطارد الناس في الشوارع وتطلق عليهم النار".

ياسر عمر: وقع البلد بأيدي عصابات تعبث فيه وبمقدراته

ويرى أن "المجلس الانتقالي يتصرف كسلطة طليقة اليدين لا تحتكم لقانون ولا عرف، فهو لا يخضع للقانون اليمني ولا يعمل وفق قانون أو دستور آخر، بل يتصرف كمليشيا مسلحة غير منضبطة وغير قانونية، وهذا يسهل مهمة القوى المعادية للجنوب التي تسعى منذ وقت طويل إلى تصفية القضية الجنوبية".

ويلفت عمر إلى أن "الانتقالي يحتجز المئات بتهم مختلفة، وهؤلاء يقضون سنوات في السجن من دون محاكمة، في سجون وضعها غير إنساني، بينما تغيب منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة".

وعن الأوضاع في عدن، يقول المحلل السياسي اليمني ماجد الداعري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "عدن أصبحت منطقة تسكنها الفوضى والعبث ونهب الأراضي من قبل مختلف الأطراف".

ويشير إلى أن "الوضع أنهك الجنوبيين بشكل كبير بعد أن اجتمع عليهم كل الخصوم، وخذلهم التحالف وعبثت بهم الشرعية والانتقالي، وأصبحوا اليوم يبحثون عن الغاز والبترول والراتب وساعة كهرباء، في ظل الغلاء الفاحش في الأسعار وتواصل انهيار سعر العملة وغياب كل أشكال الدعم والإغاثة".

المساهمون