تحقيق لـ"رويترز" يكذب رواية إسرائيل بشأن استهداف مستشفى ناصر في خانيونس

27 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 21:13 (توقيت القدس)
آثار القصف الإسرائيلي على مستشفى ناصر، 25 أغسطس 2025 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تحقيق "رويترز" حول الهجوم على مستشفى ناصر كشف عن استشهاد 22 شخصًا، بينهم صحافيون، وتعارض مع الرواية الإسرائيلية التي زعمت استهداف كاميرا لحماس، حيث كانت الكاميرا تابعة لـ"رويترز".
- الهجوم أثار تساؤلات قانونية وأخلاقية حول استهداف الصحافيين والمستشفيات، مع غياب تفسير كافٍ من إسرائيل، ووصفته لجنة حماية الصحفيين كنمط متكرر دون مراجعة لقواعد الاشتباك.
- التحقيقات أظهرت تجاوزات في تسلسل القيادة واستخدام ذخيرة غير متناسبة، مع غياب توضيحات إسرائيلية، مما يثير تساؤلات حول التزامها بالقانون الدولي.

يتعارض تحليل أدلة بصرية أجرته "رويترز" ومعلومات أخرى تتعلق بالهجوم الإسرائيلي على مستشفى ناصر في خانيونس، الشهر الماضي، مع الرواية الإسرائيلية للغارة على المستشفى. وأدى الهجوم على مستشفى ناصر في 25 أغسطس/ آب الفائت إلى استشهاد 22 شخصاً، بينهم خمسة صحافيين. وفيما يقول مسؤول عسكري إسرائيلي إن الجيش خطط للهجوم باستخدام مقاطع التقطتها طائرة مسيّرة أظهرت وجود كاميرا تابعة لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) كانت هي الهدف من الغارة، تؤكد الأدلة البصرية وغيرها من التقارير الخاصة بـ"رويترز" أن الكاميرا الظاهرة في اللقطات تعود في الواقع إلى وكالة الأنباء، وكان يستخدمها أحد صحافييها منذ فترة طويلة.

ويضيف المسؤول العسكري الإسرائيلي الآن أن القوات تصرفت دون الحصول على موافقة القائد الكبير المسؤول عن العمليات في غزة. وأبلغ المسؤول "رويترز" عن هذا التجاوز بعد أن قدمت وكالة الأنباء نتائج تحقيقها إلى الجيش الإسرائيلي. وبعد يوم واحد من قصف الدبابات الإسرائيلية لمستشفى ناصر، قال المسؤول إن المراجعة الأولية التي أجراها الجيش خلصت إلى أن القوات استهدفت كاميرا تابعة لحماس لأنها كانت تصورهم من المستشفى. وأضاف أن القوات انتابتها الريبة حيال الكاميرا، لأنها كانت مغطاة بمنشفة، حينها اتُّخذ قرار بتدميرها.

وتظهر لقطة شاشة مأخوذة من لقطات صُوِّرَت بطائرة مسيَّرة تابعة للجيش الإسرائيلي الكاميرا المغطاة بقطعة قماش ذات لونين على درج المستشفى. وأكد المسؤول العسكري لـ"رويترز" الأسبوع الماضي أن الكاميرا المغطاة بقطعة قماش كانت هي الهدف. وخلص تحقيق "رويترز" إلى أن قطعة القماش التي تظهر في اللقطة لم تضعها حماس هناك. لقد كانت سجادة صلاة صحافي "رويترز" حسام المصري، الذي استشهد في الهجوم. وكان المصري قد وضع كاميرته 35 مرة على الأقل منذ مايو/ أيار الماضي على الدرج نفسه في مستشفى ناصر في مدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة، لنقل البث الحي لعملاء "رويترز" الإعلاميين في جميع أنحاء العالم. ولطالما غطى كاميرته بسجادة الصلاة ذات اللونين الأخضر والأبيض لحمايتها من الحرارة والغبار.

ويقدم تحقيق "رويترز" الرواية الأشمل حتى الآن لتطورات الهجوم، بما في ذلك تجاوز القوات الإسرائيلية لتسلسل القيادة، وأكدت الوكالة بشكل قاطع أن الكاميرا المستهدفة كانت تابعة لها. وفي وقت سابق ذكرت وكالة أسوشييتد برس، التي فقدت أحد صحافييها في هجوم المستشفى، أنها وجدت أدلة قوية على أن الكاميرا التي وصفتها القوات الإسرائيلية بأنها هدف الهجوم كانت لـ"رويترز".

ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، هجوم المستشفى بأنه "حادث مأساوي". وقال مسؤول عسكري لـ"رويترز" إن المصري والصحافيين الآخرين الموجودين لم يكونوا هدف الهجوم، ولم يُشتبه في صلتهم بحماس. وقال إسماعيل الثوابتة، المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إن ما قاله الجيش الإسرائيلي عن أن الحركة كانت تصور القوات الإسرائيلية من مستشفى ناصر "ادعاء باطل يفتقر إلى أي دليل، ويهدف إلى التملص من المسؤولية القانونية والأخلاقية عن مجزرة مكتملة الأركان".

ورغم هذه الأمور التي كُشف عنها، ومرور شهر على الهجوم، لم يُقدم الجيش الإسرائيلي شرحاً وافياً لكيفية تطور الأمر، ليصل إلى استهداف كاميرا "رويترز" واستشهاد حسام المصري. كذلك لم يجب الجيش الإسرائيلي بعد عن هذه الأسئلة:

  • لماذا لم يُحذر طاقم المستشفى أو "رويترز" من نيته قصف المستشفى؟
  • ولماذا بعد إصابة الكاميرا في هجومه الأول، قصف الجيش الدرج مرة أخرى بعد تسع دقائق، ما أدى إلى استشهاد صحافيين آخرين ومسعفين هرعوا إلى الموقع؟
  • وما إذا كان قد أخذ في الاعتبار أن درج المستشفى الذي كان المصري يصور منه وقت استشهاده كان مكاناً يستخدمه العديد من الصحافيين بانتظام لتسجيل اللقطات وإعداد التقارير خلال الحرب؟
  • ومن وافق على الضربة؟ لم يُفصح المسؤول العسكري عن الجهة التي أصدرت الأمر بالهجوم، على الرغم من عدم موافقة قائد المنطقة.

ويخلص التحقيق إلى أن غياب أي تفسير كامل لما حدث في مستشفى ناصر يُمثل نمطاً متبعاً في الهجمات العسكرية الإسرائيلية التي أودت بحياة صحافيين منذ أن شنت إسرائيل حربها على غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

وأفادت لجنة حماية الصحفيين بأن إسرائيل لم تنشر مطلقاً نتائج أي تحقيق رسمي، ولم تُحاسب أي أحد على استشهاد الصحافيين الفلسطينيين في غزة بنيران الجيش الإسرائيلي، حيث بلغ عددهم 193. وقالت سارة القضاة، المديرة الإقليمية للجنة حماية الصحافيين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إنه بالإضافة إلى ذلك، لم تدفع أي من هذه الوقائع إلى مراجعة جادة لقواعد الاشتباك الإسرائيلية، ولم يؤد التنديد الدولي إلى أي تغيير في نمط الهجمات على الصحافيين خلال العامين الماضيين.

كاميرا في مرمى النيران

في فحصها لهجوم القوات الإسرائيلية في 25 أغسطس/ آب الفائت، راجعت "رويترز" أكثر من 100 مقطع فيديو وصورة من مكان الحادث، وأجرت مقابلات مع أكثر من 20 شخصاً على دراية بالهجوم والأحداث التي سبقت وقوعه. ومن بين تلك المصادر مسؤولان عسكريان إسرائيليان واثنان من الأكاديميين العسكريين الإسرائيليين اطلعا على الواقعة من مصادر عسكرية إسرائيلية.

في المجمل، استشهد 22 شخصاً في الضربتين، من بينهم الصحافية مريم أبو دقة التي عملت لصالح "أسوشييتد برس" ووكالات أخرى، ومعاذ أبو طه، وهو صحافي مستقل عمل مع عدة مؤسسات إخبارية، من بينها "رويترز". وكانت مريم والمصري من بين عدد من الصحافيين يتجمعون بشكل روتيني للتسجيل من مكان مرتفع وإعداد تقارير من منطقة خانيونس في غزة. وصوّر المصري في بثه المباشر الغارات الإسرائيلية وسيارات الإسعاف، وهي تنقل الجرحى والشهداء إلى المستشفى، والدمار الذي لحق بالمنطقة المحيطة.

ونقلاً عن التحقيق الأولي للجيش، قال المسؤول العسكري الإسرائيلي والأكاديميان العسكريان إنه قبل أيام قليلة من قصف 25 أغسطس/آب، التقطت طائرة استطلاع مسيرة للجيش الإسرائيلي كاميرا في الطابق العلوي من الدرج الشرقي لمستشفى ناصر. وقالوا إن الجنود حددوا الكاميرا على أنها تهديد لأن حماس تستخدم الكاميرات للتخطيط لهجمات. ورداً على سؤال عما إذا كانت الحركة تستخدم الكاميرات، قال المسؤول في حماس إنها تفعل ذلك لتوثيق هجماتها على الجنود الإسرائيليين.

وتُظهر لقطة شاشة مأخوذة من طائرة مسيّرة قطعة قماش سميكة ذات لونين ملفوفة فوق الكاميرا. ويجلس خلفها شخص يرتدي غطاء رأس أبيض وملابس داكنة. ونشرت القناة 12 الإخبارية الإسرائيلية لقطة الشاشة لأول مرة في 25 أغسطس، وقالت في ذلك الوقت إنها رصدت الكاميرا "التي عرضت قواتنا للخطر".

وحصلت "رويترز" على لقطة الشاشة من رفائيل حيون، وهو مواطن إسرائيلي يقول إنه يراقب الوضع في غزة ولديه اتصالات على الأرض. وقال حيون إن لقطات الطائرة المسيرة التقطت حوالى الساعة 2:15 بعد ظهر يوم 21 أغسطس. وفي ذلك اليوم، وضع المصري كاميرا للتصوير من درج المستشفى بشكل متواصل بين الثامنة صباحاً والساعة 6:14 مساءً، وفقاً لأرشيف "رويترز" للمقاطع المصورة.

ورفض حيون تحديد مصدر لقطة الشاشة أو كيفية حصوله عليها. لكن المسؤول العسكري الإسرائيلي أكد أنها مأخوذة من لقطات طائرة مسيّرة سجلتها القوات الإسرائيلية قبل هجوم 25 أغسطس وتظهر الكاميرا التي استهدفتها القوات في القصف. ولم يقدم المسؤول، الذي قال إن معلوماته مستقاة من التحقيق الأولي للجيش الإسرائيلي، التاريخ الدقيق للقطة الشاشة، لكنه قال إن الكاميرا شوهدت "مراراً لعدة أيام متتالية".

وقال المسؤول العسكري الإسرائيلي لـ"رويترز" في 16 سبتمبر/ أيلول الفائت: "الكاميرا التي ظهرت في الصورة هي التي هاجموها".

مسيّرة ودرج وسجادة صلاة

أصبحت قطعة القماش التي تغطي كاميرا المصري محور اهتمام بعد الهجوم، أولاً لأن الإسرائيليين أشاروا إليها على أنها مبرر الضربة، وثانياً لأنها قدمت الدليل الذي يبين لمن تعود الكاميرا. في اليوم التالي للهجوم، أشار المسؤول العسكري الإسرائيلي إلى قطعة القماش على أنها "منشفة"، وقال إن القوات ارتابت في أمرها. وقال المسؤول إن المناشف يمكن استخدامها للتحايل على أجهزة الاستشعار الحرارية وأعمال المراقبة البصرية من السماء التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي. وأضاف أن القوات شاهدت "الكثير من السلوك المريب الذي جرى تتبعه لأيام ومقارنته بالمعلومات الاستخبارية"، دون تقديم المزيد من التفاصيل.

إلا أن "رويترز" خلصت إلى أن قطعة القماش التي تغطي الكاميرا في لقطة الشاشة لم تكن منشفة، بل سجادة صلاة المصري ذات اللونين الأخضر والأبيض. وظهرت في صورة التقطتها مريم أبو دقة في 13 أغسطس الفائت. وأظهرت الصورة، التي التقطتها مريم، المصري وهو يقف بجانب الكاميرا على الدرج نفسه الذي استهدفه الجيش الإسرائيلي في المستشفى.

وأفاد ثلاثة من أعضاء فريق التصوير في "رويترز" بأن المصري اعتاد تغطية الكاميرا لحماية العدسات والإلكترونيات الخاصة بالمعدات من الحرارة الحارقة في غزة خلال شهر أغسطس. وقال عز الدين المصري شقيق مصور "رويترز" إنه غالباً ما كان يستخدم سجادة الصلاة لسماكة قماشها. وقال متحدث باسم "رويترز" إن إسرائيل لم تطلب من الوكالة عدم تغطية الكاميرا بمنشفة أو قطعة قماش أخرى.

وقال شهود إن الكاميرا في لقطة الشاشة لا يمكن أن تكون سوى كاميرا المصري. فلم يكن هناك في الأشهر القليلة الماضية أحد غيره يستخدم كاميرا فيديو كبيرة على حامل ثلاثي القوائم للتسجيل أو يغطي المعدات بسجادة الصلاة. وأضاف الشهود أن الصحافيين الآخرين يستخدمون الهواتف المحمولة. وقال المسؤول العسكري إن ما زاد من شكوك الجيش الإسرائيلي حول الكاميرا وموقعها، أن القوات شاهدت "منشفة" أخرى تغطي رأس شخص على مقربة.

في لقطة الشاشة المأخوذة من لقطات مسيّرة الجيش الإسرائيلي، التي تظهر هدف القوات، يظهر شخص جالس بالقرب من الكاميرا بملابس داكنة وما يبدو أنه غطاء رأس أبيض. ويبدو أن هذا الشخص هو مريم أبو دقة في زي مشابه لما شوهدت به في أربع صور أخرى التقطت في الموقع نفسه، بما في ذلك صورة تعود ليوم 16 أغسطس وأخرى من يوم الهجوم.

في 21 أغسطس/آب، وهو اليوم الذي سجلت فيه المسيّرة اللقطات، كانت مريم تستخدم هاتفها لتسجيل بث مباشر من الدرج لصالح وكالة أسوشييتد برس. وتعرف الصحافي بوكالة رويترز محمد سالم، الذي غادر غزة في وقت سابق من هذا العام ويعرف مريم جيداً، إلى الشخص الذي ظهر في لقطة الشاشة وقال إنها مراسلة "أسوشييتد برس". وقال سالم إنه تعرف إلى حجابها. وكان المصري قد أخبر سالم أن مريم تسجل بالقرب منه على الدرج قبل أيام قليلة من الهجوم.

عندما استشهد المصري في 25 أغسطس/آب، كان يسجل من على درج المستشفى لساعتين تقريباً. ووضع الكاميرا في الطابق الرابع لنقل بث حيّ للمنطقة كما كان يفعل بشكل روتيني طوال الشهر. وقال سالم إن المكان المرتفع كان يسمح برؤية أفضل وإمكانية الوصول إلى الكهرباء واتصال أقوى بالإنترنت. ومن على الدرج، سجلت الكاميرا محيط المستشفى، بما في ذلك الشارع المزدحم أمامه.

مركز للصحافيين

يقول سالم: "كنا نعتقد أن المستشفى آمن نسبياً، خصوصاً أن الجميع يعرفون أن هناك صحافيين في هذا المكان ويستخدمونه يومياً". وذكر المتحدث باسم "رويترز" أنه في الأيام الأولى للحرب، أوضحت الوكالة للجيش الإسرائيلي مواقع طواقمها في غزة، ومنها مستشفى ناصر، في محاولة لضمان عدم استهدافهم. لكن بعد استشهاد كثير من الصحافيين في غارات الجيش الإسرائيلي، توقفت "رويترز" عن إعطاء إحداثيات دقيقة. وقال المتحدث: "ومع ذلك، إسرائيل على علم تام بأن وكالة رويترز وعدداً من المؤسسات الإخبارية الأخرى تعمل من مستشفى ناصر، الذي كان أحد المراكز الرئيسية للتغطية من غزة".

وقال شهود إن الجيش الإسرائيلي نشر طائرات مسيّرة في السماء طوال فترة الهجوم. وقبل حوالى 40 دقيقة من الضربة الأولى بالدبابة، كان مصور "رويترز" حاتم خالد، خارج المستشفى. وأرسل رسالة إلى زملائه في خانيونس على واتساب "كواد كوبتر الآن، بالضبط فوق مستشفى ناصر".

في الساعة 10:12 صباحاً، أي بعد حوالى أربع دقائق من الهجوم الأول، سجّل الصحافي المستقل خالد شعث لقطات لطائرة مسيّرة رباعية تحلّق فوق المستشفى. وقال أحمد أبو عبيد، وهو طبيب في قسم الطب الشرعي بمستشفى ناصر، وأصيب في الضربة الثانية، إن المسيرة حلقت في الهواء بالقرب من مدخل المستشفى لأكثر من 10 دقائق. وأضاف أبو عبيد لـ"رويترز": "كانت تسجل وتصورنا وترى أننا جميعاً أطباء ودفاع مدني وممرضون وصحافيون... لذلك رأونا وقرروا استهدافنا". وذكر أن بعض الشهداء والمصابين في الهجوم كانوا في الطابق الأرضي، أي عدة طوابق تحت مكان سقوط قذائف الدبابات، وأصيبوا بشظايا.

واستهدفت القوات الإسرائيلية مراراً المستشفيات في غزة، قائلة إن حماس تعمل من خلالها، وهو ما تنفيه الحركة. وقال باحثان قانونيان لـ"رويترز" إن الهجمات على المستشفيات عادة ما تعد جرائم حرب. وأوضح توم دانينباوم، الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة ستانفورد، أن هناك استثناءً محدوداً عندما يُستخدم المستشفى في "نشاط ضار بالعدو". وتابع قائلاً إنه حتى عند تحقق هذا الاستثناء، يجب على المهاجمين التأكد من أن الضرر المتوقع على المدنيين ليس مفرطاً مقارنة بالمكاسب العسكرية، ويجب عليهم أولاً إعطاء إنذار للسماح للطرف الآخر بالتوقف عن إساءة استخدام المستشفى وإتاحة وقت معقول للامتثال.

وقال محمد صقر، رئيس قسم التمريض في مستشفى ناصر، إن الجيش الإسرائيلي لديه أرقام هواتف العاملين بالمستشفى، وإنه يتصل دورياً بمدير المستشفى للسؤال عن عدد المرضى والإمدادات. وأضاف أن المستشفى لم يتلقّ تحذيراً من الهجوم. وقال صقر لوكالة رويترز عبر رسالة نصية: "لو كانوا حذرونا لكنا منعنا هذه الكارثة". وأكد المتحدث باسم الوكالة أنها لم تتلق تحذيراً من الهجوم.

ينضم المصري (49 عاماً) ومريم أبو دقة (33 عاماً) وثلاثة آخرون سقطوا في هجوم 25 أغسطس/ آب إلى قائمة طويلة من الصحافيين الذين استشهدوا خلال الحرب الإسرائيلية في أثناء تأدية عملهم وفي ظروف نادراً ما قدم الجيش الإسرائيلي توضيحات لملابساتها. ولم تتلق "رويترز" حتى الآن تفسيراً لسبب إطلاق دبابة إسرائيلية في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 قذيفتين على مجموعة أمكن بوضوح معرفة أنهم صحافيون في لبنان كانوا يصورون قصفاً عبر الحدود.

وأدت القذيفتان إلى استشهاد صحافي "رويترز" عصام العبدالله، وإصابة ستة صحافيين آخرين. وقال مسؤول في الجيش الإسرائيلي للوكالة الأسبوع الماضي، إن القضية لا تزال قيد الفحص بعد مرور ما يقرب من عامين على الهجوم.

تعود قائمة عمليات قتل الجيش الإسرائيلي لصحافيين دون تقديم أسباب إلى ما قبل حرب غزة. ففي مايو/ أيار 2022، اغتيلت مراسلة قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة التي كانت ترتدي سترة مكتوباً عليها بوضوح كلمة صحافة في أثناء تغطيتها لمداهمة للجيش الإسرائيلي في مدينة جنين بالضفة الغربية. وقالت السلطات الإسرائيلية في البداية إن مسلحين فلسطينيين على الأرجح هم المسؤولون عن الواقعة، ثم خلص الجيش الإسرائيلي لاحقاً إلى أن هناك "احتمالاً كبيراً" لأن تكون المواطنة الفلسطينية الأميركية "أصيبت بنيران الجيش الإسرائيلي من طريق الخطأ"، وقال الجيش الإسرائيلي آنذاك إنه لن يفتح تحقيقاً جنائياً.

ونددت قناة الجزيرة في مايو/ أيار 2023 باغتيال مراسلتها، ووصفته بأنه "الجريمة البشعة التي يراد من خلالها منع الإعلام من أداء رسالته". وذكر متحدث عسكري لشبكة (سي.أن.أن) أن الجيش الإسرائيلي "يأسف بشدة" لاغتيال شيرين. ولم يقدم الجيش الإسرائيلي رواية كاملة عن كيفية اغتيالها.

وبعد اغتيال العبدالله وشيرين، نفت إسرائيل إن تكون قواتها تستهدف الصحفيين عمداً. لكن بيانات لجنة حماية الصحافيين تشير إلى أن إسرائيل اتهمت ما لا يقل عن 15 صحافياً وإعلامياً اغتالتهم في قطاع غزة ولبنان منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 بأنهم أعضاء في جماعات مسلحة. وقالت اللجنة إنها لم ترصد حالة واحدة قدمت فيها إسرائيل أدلة موثوقة أو كافية لتبرير عمليات الاغتيال.

ونفى المسؤول العسكري الذي تحدث إلى "رويترز" وصحافيين آخرين في اليوم التالي للهجوم على مستشفى ناصر مراراً استهداف الجيش الإسرائيلي لصحافيي "رويترز" و"أسوشييتد برس". وقال: "إنهما جزء كبير من السبب في أننا نحقق في هذا الحادث... لم تكن هناك نية لإيذائهما". وفي اليوم نفسه، نشر الجيش الإسرائيلي أسماء ستة رجال زعم أنهم "إرهابيون" استشهدوا في القصف على المستشفى، دون تقديم دليل.

وقال رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، إن أحد الرجال الذين وردت أسماؤهم في قائمة الجيش الإسرائيلي هو عمر أبو تيم، واغتيل في مكان آخر، وليس في هجوم 25 أغسطس/ آب.

وجاء في بيان صادر عن الدفاع المدني الفلسطيني إن أحد الشهداء من كوادره، وتعرفت إليه "رويترز" في لقطات من 25 أغسطس يظهر فيها وهو يهرع إلى أعلى الدرج بعد الهجوم الأول ويساعد في توجيه طاقم الاستجابة للطوارئ. وبعد الهجوم الثاني، أمكنت رؤية جثته تتدلى من حافة الطابق الرابع. أما الرجل الثالث الذي أدرج الجيش الإسرائيلي اسمه في قائمة الشهداء، فهو أحد أفراد طاقم المستشفى، وفقاً لمنشور على صفحة مستشفى ناصر على فيسبوك.

وكان رجلان آخران يزوران مرضى في المستشفى ويشاركان في جهود الإنقاذ عندما استشهدا في الغارة الثانية، وفقاً لأفراد أسرتيهما الذين قالوا إن الرجلين لا ينتميان إلى جماعات مسلحة. ولم يتسنّ لوكالة رويترز العثور على تفاصيل عن الرجل السادس باستثناء تأكيد اغتياله في هجوم 25 أغسطس آب.

تجاوز تسلسل القيادة

في اليوم التالي للهجوم، قال المسؤول العسكري الإسرائيلي الذي تحدث إلى وكالة رويترز إن القوات التي كانت تنفذ عمليات قرب مستشفى ناصر رصدت كاميرا موجهة نحوهم في الأيام التي سبقت الهجوم وإنه تمت الموافقة على اتخاذ إجراءات "للقضاء على التهديد". وفي بيان منفصل صدر في اليوم نفسه، قال الجيش الإسرائيلي إن القوات المشاركة في الهجوم تنتمي إلى لواء غولاني.

والتقطت تسجيلات المصري من قطاع غزة مجموعة واسعة من المشاهد أمام مستشفى ناصر، وأظهر بعضها أنشطة عسكرية على مسافة بعيدة. في يومي 20 و21 أغسطس على سبيل المثال، التقطت الكاميرا حفارات وجرافة إسرائيلية تقوم بأعمال حفر في منطقة مهدمة على بعد 2.4 كيلومتر شمال شرق المستشفى. وتظهر صور الأقمار الصناعية للمنطقة في هذين اليومين المعدات محاطة بخمس دبابات على الأقل لا يمكن تمييزها في لقطات المصري.

وقال المسؤول العسكري الإسرائيلي لوكالة رويترز إن القوات حددت هدف الهجوم بشكل صحيح، مشيراً إلى المراجعة الأولية التي أجراها الجيش الإسرائيلي لواقعة 25 أغسطس. ومع ذلك، ذكر المسؤول أن الجيش الإسرائيلي بدأ فحصاً دقيقاً للأخطاء المحتملة التي ارتكبت في شن الهجوم. وأضاف: "نبحث في هذا الحادث لفهم الخطأ الذي حدث في عملية التنفيذ والتحرك ضد هدف حقيقي كان يهدد القوات".

وخلصت "رويترز" إلى حدوث تجاوز في تسلسل القيادة ضمن الإخفاقات. وقال المسؤول العسكري إن قواعد الجيش الإسرائيلي تتطلب موافقة مسؤول برتبة كبيرة قبل إطلاق النار على هدف مدني إذا لم تكن القوات تتعرض للهجوم. وفي حالة مستشفى ناصر، كان على القوات الميدانية أن تحصل على موافقة من قائد القيادة الجنوبية للجيش الإسرائيلي التي تتولى المسؤولية العامة عن جبهة غزة.

لكن المسؤول العسكري ذكر أن القوات لم تحصل على موافقة قائد المنطقة الجنوبية الميجر جنرال يانيف عاسور. وقال عاسور لرويترز خلال اتصال هاتفي إنه غير مخول للتحدث مع الصحافة. وقال مسؤول عسكري إسرائيلي ثانٍ إن الموافقة على الضربة يتعين أن تتضمن تقييماً قانونياً للتأكد من أن طبيعة الهدف تتوافق مع القانون الدولي. وقال المسؤول إنه لا علم له إن كانت استشارة قانونية من هذا القبيل قد طُلبت أو أُعطيت قبل الهجوم على مستشفى ناصر. وبالإضافة إلى الأخطاء المحتملة في تنفيذ الهجوم، قال الجيش الإسرائيلي إنه سيراجع أيضاً الذخيرة التي حصلت على الموافقة قبل الهجوم وكيفية صدور الموافقة.

وحصلت "رويترز" على صور لشظايا معدنية عثر عليها طبيب في مستشفى ناصر في ذلك اليوم. وقال خمسة خبراء ذخائر راجعوا صور الشظايا وصور الهجوم من أجل "رويترز" إن الشظايا تعود إلى قذائف دبابات إسرائيلية الصنع عيار 120 مليمتراً.

واستُخدمت قذيفة دبابة مماثلة في الهجوم العسكري الإسرائيلي الذي أودى بحياة مصور "رويترز" عصام العبدالله في لبنان. وقال ويس برايانت، وهو مستشار كبير سابق ومحلل سياسات في وزارة الحرب الأميركية (البنتاغون)، إن قذيفة الدبابة كانت اختياراً غير متناسب للذخيرة في قصف مستشفى ناصر، نظراً لأن الجيش الإسرائيلي يقول إن هدفه كان الكاميرا، وإنها كانت موجودة عند المستشفى أو داخله. لكن برايانت الذي كان رئيس فرع تقييم الأضرار المدنية في البنتاغون ذكر أنه حتى مع استخدام سلاح يرجح أن يُسقط عدداً أقل من القتلى والمصابين دون قصد مقارنة بقذيفة دبابة، سيظل عدد القتلى أو المصابين مرتفعاً عند توجيه السلاح إلى درج مكدس.

ولم يفسر الجيش الإسرائيلي حتى الآن سبب استهداف الدرج للمرة الثانية خلال تجمّع الصحافيين والمسعفين عليه.

وكان خالد مصور "رويترز" خارج المستشفى يستعد لبدء يوم عمله عندما وقع الهجوم الأول. وأمسك بكاميرته وهرع نحو المبنى ووثق المشهد وهو في طريقه، ثم صعد السلم للوصول إلى المصري. وعندما وجده كان المصري قد فارق الحياة بالفعل، والغبار يغطي جسده وملابسه ممزقة ومعداته لحقت بها الأضرار. واصل خالد التصوير. وقال: "لم أستطع فعل شيء لمساعدته سوى توثيق ما حدث". ووصل المسعفون وبدأوا نقل المصري ووضعوه في كيس أبيض.

وفي الساعة 10:17 صباحاً، حينما كان خالد والمسعفون ينزلون الدرج حاملين جثة المصري، قصف الجيش الإسرائيلي الموقع للمرة الثانية. وأمكنت رؤية قذيفتين تصيبان المستشفى بفارق جزء من الثانية بين الهجومين في لقطات حصلت عليها "رويترز". وصوّر خالد الهجوم الذي أدى إلى إصابته. ويعاني خالد من فقدان السمع بسبب الانفجار، وسيحتاج إلى عملية جراحية أخرى لإزالة الشظايا.

(رويترز)

المساهمون