تحرير الأسرى الفلسطينيين... تاريخ من صفقات التبادل مع الاحتلال

19 يناير 2025
احتفالات صفقة تبادل الأسرى في مدينة غزة، 18 أكتوبر 2011 (أليسيو رومنزي/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- بدأت صفقات تبادل الأسرى بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل منذ عام 1965، حيث تُعتبر وسيلة مهمة لتحرير الأسرى الفلسطينيين الذين يقضون أحكاماً طويلة.
- شهدت الفترة من 1980 إلى 2023 صفقات بارزة، مثل صفقة 2011 التي أُطلق فيها سراح جلعاد شاليط مقابل 1027 فلسطينياً، وصفقة 2023 التي أُفرج فيها عن 105 إسرائيليين مقابل 240 فلسطينياً.
- تميزت الستينيات والسبعينيات بصفقات مثل خطف طائرة عام 1968، مما أدى إلى الإفراج عن 37 فلسطينياً، وصفقة 1971 التي أُطلق فيها سراح محمود بكر حجازي.

مع بدء تنفيذ المرحلة الأولى من صفقة وقف النار وتبادل الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، والمحتجزين الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، يعود ملف صفقات التبادل مع الاحتلال إلى الواجهة من جديد بعد تاريخ حافل من التسويات، بدأت في أعقاب الثورة الفلسطينية المعاصرة عام 1965، ونجحت عدة فصائل فلسطينية في إبرامها مع إسرائيل، سواء كانت حركة فتح أو "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" أو "الجبهة الشعبية- القيادة العامة"، بالإضافة إلى حركة حماس. تكتسب صفقات التبادل مع الاحتلال والتي تُجرى بشكل غير مباشر بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، أهمية خاصة في الحالة الفلسطينية، لا سيما أن الكثير من الأسرى الفلسطينيين لا يتحررون إلا بموجب صفقات تبادل نظراً للأحكام المرتفعة التي تصدرها السلطات الإسرائيلية بحقهم، بالذات من ينفذون عمليات أو يشغلون مناصب عسكرية وسياسية هامة.

تصل بعض الأحكام بحق أسرى فلسطينيين إلى السجن آلاف السنوات

يلجأ الاحتلال الإسرائيلي إلى أسلوب "المؤبد العسكري"، وهي أحكام مدى الحياة تصدر بحق الأسرى المقاومين، إذ تصل بعض الأحكام إلى آلاف السنوات، مثل الأسير عبد الله البرغوثي الذي ما يزال يقضي حكماً من أعظم الأحكام في التاريخ، وهو السجن المؤبد 67 مرة، إضافة إلى 5200 عام. يعكس ذلك تعمد الاحتلال إصدار أحكام كبرى بحق الأسرى الفلسطينيين بهدف تغييبهم في السجون، ومحاولة هندسة المجتمع الفلسطيني سياسياً في ما يتعلق بمقاومته والمواجهة العسكرية مع الجيش الإسرائيلي. وخلال اليوم الأول للعملية التي أطلقت عليها المقاومة الفلسطينية اسم "طوفان الأقصى"، تمكنت الفصائل من أسر أكثر من 250 إسرائيلياً وإسرائيلية من بينهم مستوطنون من مستوطنات غلاف غزة، بالإضافة إلى حملة جنسيات أجنبية.

وقبل عملية الأسر التي تعتبر الأكبر في تاريخ حركات المقاومة الفلسطينية الحديث، كانت كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس، تحتفظ بأربعة جنود إسرائيليين منذ عام 2014، فيما لم تبحث الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ تلك الفترة وحتى 2023 عن إبرام صفقات تبادل تخص هؤلاء الجنود، وهم أفراهام منغستو وهشام السيد وشاؤول أرون وهدار غولدين. وأعلن الجيش الإسرائيلي، في بيان أمس، ومع بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار "استرجاع جثمان الجندي المفقود شاؤول أورون الذي سقط في معركة في حي الشجاعية (في مدينة غزة وسط القطاع) في 20 يوليو/تموز 2014" قبل أسره. وباستثناء عملية التبادل التي جرت في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، ضمن ما عرف حينها بالصفقة الإنسانية التي شهدت تبادل المقاومة الفلسطينية وإسرائيل الإفراج عن فئات الأطفال والنساء، لم تبرم أي من صفقات التبادل مع الاحتلال منذ عام 2011، حينما تم الإفراج عن الجندي جلعاد شاليط مقابل 1027 أسيراً وأسيرة من السجون الإسرائيلية، في صفقة يطلق عليها الفلسطينيون "صفقة وفاء الأحرار".

صفقة وحيدة شاملة جرت عام 2011 عندما أفرج عن الجندي جلعاد شاليط مقابل 1027 أسيراً وأسيرة.

صفقات القرن الحديث

شهد الواقع الفلسطيني صفقة وحيدة شاملة جرت عام 2011 عندما أفرج عن شاليط الذي أسرته ثلاث أذرع عسكرية هي كتائب القسام وألوية الناصر صلاح الدين، الذراع العسكرية للجان المقاومة الشعبية، وجيش الإسلام، مقابل 1027 أسيراً وأسيرة. بالإضافة إلى 20 أسيرة أفرج عنهن ضمن نطاق الصفقة لكن في عام 2009، مقابل شريط فيديو يظهر الجندي شاليط حياً. وفي نوفمبر 2023، أفرجت حركتا حماس والجهاد الإسلامي عن 105 إسرائيليين تم أسرهم في اليوم الأول لعملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، مقابل إفراج إسرائيل عن 240 فلسطينياً غالبيتهم من النساء والأطفال، في ما عرف حينها بالصفقة الإنسانية التي تم الوصول لها بوساطة قطرية ومصرية.

صفقات التبادل مع الاحتلال في الثمانينيات

مع تطور العمل المقاوم واكتساب فصائل العمل الوطني خبرات، وتطور أدائها العسكري بالذات خلال فترة وجودها في لبنان، شهدت الحقبة الزمنية الممتدة منذ 1980 وحتى مطلع التسعينيات عدداً من صفقات التبادل مع الاحتلال. جرت صفقة التبادل عام 1980 عندما اعتقلت حركة فتح، أمينة المفتي، التي تم اكتشافها أثناء عملها لصالح المخابرات الإسرائيلية في لبنان، حيث كانت تقدم معلومات عن منظمات المقاومة الفلسطينية وقادتها. وتحمل المفتي الجنسية الأردنية، وتنتمي لعائلة شركسية مسلمة، لكنها اعتنقت اليهودية وتزوجت طياراً يهودياً في النمسا، واستقرت معه في إسرائيل. وفي حرب أكتوبر 1973 أُسقطت طائرة زوجها فوق الأراضي السورية، ولما يئست من العثور عليه عادت إلى النمسا، وعرضت عليها المخابرات الإسرائيلية هناك العمل جاسوسة. وفي يوم 13 فبراير/شباط 1980 تمت عملية تبادل عبر الصليب الأحمر في قبرص، وأُطلق سراح أمينة المفتي مقابل الإفراج عن المعتقلين مهدي بسيسو "أبو علي" ووليام نصار.

ومع شن إسرائيل حرب عام 1982 التي استهدفت فيها حركة فتح ومنظمة التحرير، تمكنت "فتح" و"القيادة العامة"، في سبتمبر/ أيلول من العام نفسه، من أسر ثمانية من قوات لواء ناحال في الجيش الإسرائيلي، بمنطقة بحمدون في جبل لبنان. لكن اللافت في هذه العملية أن خلافاً نشب بين حركة فتح والجبهة الشعبية – القيادة العامة، إذ احتفظت الحركة بستة أسرى وبقي لدى "القيادة العامة" جنديان اثنان. وكانت أولى صفقات التبادل مع الاحتلال في 23 نوفمبر 1983، عبر عملية تبادل جرت بين "فتح" والاحتلال بوساطة الصليب الأحمر، إذ جرى تسليم الأسرى الستة مقابل الإفراج عن جميع أسرى "معسكر أنصار" الإسرائيلي في الجنوب اللبناني، والمعتقلين خلال الاجتياح وعددهم 4700 معتقل فلسطيني ولبناني، إضافة إلى معتقلين آخرين في النبطية وصيدا وصور جنوبي لبنان.

كذلك أُطلق سراح 65 أسيراً من السجون الإسرائيلية، وأُعيدت أراشيف منظمة التحرير الفلسطينية، التي استولى عليها الاحتلال أثناء اجتياح بيروت عام 1982. ووصل مجموع عدد الأسرى المطلق سراحهم إلى أكثر من خمسة آلاف أسير. بعد هذه الصفقة بعامين، وتحديداً في 20 مايو/ أيار 1985 تمت صفقة تبادل الجليل بين "القيادة العامة" وإسرائيل، إذ أفرج حينها عن 1155 أسيراً من السجون الإسرائيلية، هم 118 تم اختطافهم أثناء التبادل مع حركة "فتح" عام 1983 من "معسكر أنصار"، و154 أسيراً نُقلوا من المعتقل نفسه إلى معتقل عتليت في حيفا خلال خروج القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان، و883 معتقلاً كانوا أصلاً في السجون الإسرائيلية في فلسطين المحتلة، وذلك مقابل إخلاء سبيل ثلاثة جنود إسرائيليين.

سلسلة صفقات بين 1968 و1979 بين إسرائيل وحركة فتح والجبهة الشعبية

صفقات الستينيات والسبعينيات

شهدت الفترة منذ عام 1968 وحتى 1979 سلسلة من صفقات التبادل بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية وتحديداً حركة فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، عبر وساطات منظمة الصليب الأحمر الدولي. وتعتبر أولى الصفقات التبادل مع الاحتلال في عام 1968، حينما تمكن كل من ليلى خالد ويوسف الرضيع من خطف طائرة إسرائيلية متجهة من روما إلى فلسطين المحتلة، وتغيير مسارها نحو الجزائر، مطالبين بتحرير جميع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال. وكان على متن الطائرة ما يزيد على مائة راكب، ما أجبر السلطات الإسرائيلية على الدخول في صفقة تبادل يوم 23 يوليو/تموز 1968. وبوساطة الصليب الأحمر أُفرج عن 37 أسيراً فلسطينياً من ذوي الأحكام العالية من ضمنهم أسرى فلسطينيون اعتقلوا قبل عام 1967، مقابل إطلاق سراح المختطفين.

بعد هذه الصفقة بنحو عام، وتحديداً في أغسطس/ آب 1969 عادت ليلى خالد لتنفيذ عملية خطف طائرة ركاب أميركية، لكن هذه المرة مع المقاوم سالم العيساوي من الجبهة الشعبية، أثناء رحلتها من لوس أنجليس في الولايات المتحدة إلى تل أبيب. واتجهت الطائرة نحو سورية حيث أُنزل ركابها البالغ عددهم 116 شخصاً ثم فُجِّرَت، وبعدها تمت عملية تبادل بين إسرائيل والجبهة الشعبية، أسفرت عن إخلاء سبيل عدد من المقاومين الفلسطينيين المسجونين لدى الاحتلال، وطيارين سوريين هبطا اضطرارياً في فلسطين. وفي سبتمبر 1970 عادت ليلى خالد للمسار ذاته، وخطفت رفقة يساري من نيكاراغوا اسمه باتريك أرغويلو، طائرة تابعة لشركة العال الإسرائيلية، أثناء رحلة بين أمستردام بهولندا ونيويورك، فيما كانت مطالب الخاطفين الإفراج عن الأسرى في سجون الاحتلال. وحطت الطائرة في بريطانيا، وقُتل أرغويلو، واعتُقلت ليلى خالد في لندن، لكن الجبهة الشعبية نفذت بعد شهر عملية خطف طائرة بريطانية أجبرت على التوجه نحو بيروت ثم الأردن، ما أدى إلى الضغط على بريطانيا لإطلاق سراح ليلى خالد في عملية تبادل.

وفي عام 1971، نفذت خلية تابعة لحركة فتح عملية على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، حيث تمكنت من أسر حارس مستوطنة ميتولا الواقعة على الحدود مع لبنان، وطالبت حينها بالإفراج عن مائة أسير من سجون الاحتلال مقابل إطلاق سراح الحارس. مع ذلك، أسفرت المفاوضات بين "فتح" وحكومة الاحتلال، بوساطة الصليب الأحمر، عن اتفاق لتبادل "أسير مقابل أسير"، وفي 28 يناير/كانون الثاني 1971، تم إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي شموئيل فايز مقابل تحرير الأسير الفلسطيني محمود بكر حجازي، الذي كان يواجه حكماً بالإعدام. يُذكر أن حجازي كان أول أسير فلسطيني في الثورة الفلسطينية المعاصرة التي انطلقت عام 1965. وضمن صفقات التبادل مع الاحتلال الإسرائيلي، شهد عام 1979، صفقة تبادل جديدة لكن هذه المرة كانت بين إسرائيل والجبهة الشعبية – القيادة العامة، حيث تم الإفراج عن جندي إسرائيلي مقابل 76 معتقلاً فلسطينياً من مختلف فصائل المقاومة من بينهم 12 فتاة فلسطينية. جرت الصفقة بعد عملية لـ"القيادة العامة" عرفت بعملية "النورس"، حيث تمكنت في الخامس من إبريل/نيسان 1978 من أسر جندي من قوات الاحتياط يدعى أبراهام عمرام، فيما قتل خلالها أربعة جنود إسرائيليين في العملية التي وقعت قرب مدينة صور جنوبي لبنان.