استمع إلى الملخص
- مبادرة مصرية لوقف إطلاق النار: قدمت مصر مبادرة تشمل هدنة إنسانية طويلة الأمد ورفض التهجير الجماعي، مع دعم فرنسي لتعزيز الضغط الدولي، بما في ذلك اتصال مع الرئيس الأميركي.
- استنفار أمني في شمال سيناء: شهدت شمال سيناء تعزيزات أمنية وعسكرية كبيرة، مع لقاء ماكرون للقوات الفرنسية لدعم الجهود الإنسانية والرقابة على المساعدات.
شهدت الساعات القليلة الماضية تحركات مصرية رفيعة المستوى في إطار الجهود المتعلقة بالعدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، إذ زار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، صباح أمس الثلاثاء، مدينة العريش القريبة من معبر رفح على الحدود مع القطاع، برفقة نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون. وتعد الزيارة هي الأولى من نوعها منذ اندلاع الحرب، في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، فيما تحمل في طياتها رسائل سياسية بالغة الدلالة، وفق مراقبين، تتعلق باحتواء أزمة غزة.
جاءت الزيارة وسط إجراءات أمنية مشددة، واحتشاد جماهيري مصري كبير في محيط مطار العريش، حيث رُفعت لافتات تشدد على رفض أي محاولات لتهجير الفلسطينيين من القطاع، وتدعم في الوقت نفسه الموقف الرسمي المصري الرافض للضغوط الإسرائيلية والدولية في هذا الصدد. كما جاءت في ظل تفاقم أزمة غزة وفي وقت بالغ الحساسية، إذ تواجه القاهرة اتهامات إسرائيلية علنية بـ"مخالفة معاهدة السلام" الموقعة في مارس/ آذار 1979. يرى مراقبون أن هذه الاتهامات محاولة مكشوفة لتحويل الأنظار عن خرق تل أبيب المتواصل للبنود ذاتها من الاتفاق، تحديداً مع استمرار احتلال الجيش الإسرائيلي محور صلاح الدين (فيلادلفي) بين القطاع ومصر. ويعد ذلك انتهاكاً مباشراً للترتيبات الأمنية وبروتوكول المعابر الملحق بالمعاهدة.
مبادرة مصرية
وفقاً لمعلومات حصلت عليها "العربي الجديد"، قدمت مصر مبادرة جديدة إلى الأطراف المعنية بالأزمة، بما يشمل الولايات المتحدة وإسرائيل وحركة حماس، تتضمن مقترحات عملية لوقف إطلاق النار في القطاع. وتشمل المقترحات تثبيت هدنة إنسانية طويلة الأمد، تفتح المجال أمام تسوية سياسية أشمل، مع التأكيد على رفض أي حلول تقوم على "التطهير العرقي أو التهجير الجماعي". وتُراهن القاهرة، بحسب المصادر، على الدعم الفرنسي الذي بدا واضحاً من خلال ماكرون الرسمية، والتي شملت القاهرة والعريش في آنٍ واحد، في مشهد غير مسبوق يُظهر تقارباً استثنائياً في المواقف بين باريس والقاهرة تجاه تطورات أزمة غزة.
في موازاة هذه التحركات، شهدت محافظة شمال سيناء استنفاراً عسكرياً وأمنياً غير مسبوق، ولا سيما من قبل أجهزة وزارة الداخلية، التي انتشرت للمرة الأولى منذ سنوات في مدينة رفح ومحيط معبر رفح البري. يمثل ذلك تحولاً لافتاً في السياسة الأمنية، إذ كانت قوات الجيش هي المسؤولة حصرياً عن تأمين تلك المناطق خلال العقد الماضي. كما شهدت الحدود المصرية مع كل من إسرائيل وقطاع غزة تعزيزات كبيرة من قبل قوات حرس الحدود، في خطوة يُنظر إليها على أنها رسالة مزدوجة تؤكد يقظة القاهرة واستعدادها للتعامل مع أي تطورات محتملة على الأرض.
استنفار عسكري وأمني غير مسبوق في محافظة شمال سيناء
احتواء أزمة غزة
أما في الساحة الدبلوماسية المصرية، فكان هناك تحركات لافتة في إطار جهود التهدئة في قطاع غزة، بدأت باستقبال ماكرون في القاهرة، حيث عقدت قمة ثلاثية بين السيسي وماكرون والملك الأردني عبد الله الثاني، مساء أول من أمس الاثنين في القاهرة، ناقشوا خلالها سبل وقف إطلاق النار، وضمان دخول المساعدات، ودفع المسار السياسي لحل الدولتين. وفي خطوة لافتة، أجرى الزعماء الثلاثة اتصالاً مشتركاً مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتعزيز الضغط الدولي على أطراف أزمة غزة والحرب المتواصلة. وفي السياق قالت مصادر دبلوماسية إن التحرك المصري الأخير، المتزامن مع انكشاف الموقف الإسرائيلي على أكثر من جبهة دولية، يعكس ما يمكن وصفه بـ"استعادة زمام المبادرة" من قبل القاهرة، التي تسعى لتثبيت موقعها وسيطا رئيسيا لا غنى عنه في أي معادلة تخص مستقبل القطاع.
محمد حجازي: ماكرون التقى عناصر من القوات الفرنسية المشاركة ضمن بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الحدود
وفي السياق، اعتبر السفير محمد حجازي، المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن زيارة ماكرون إلى مصر "تأتي في توقيت بالغ الأهمية والحساسية، وتشكل بادرة دبلوماسية رفيعة المستوى تعكس اهتمام باريس بالمنطقة". وأشار إلى أن الزيارة إلى مدينة العريش ومينائها، وعلى مقربة من معبر رفح "تحمل رسالة واضحة بشأن ضرورة تسريع وتيرة إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، في ظل ما وصفه قصر الإليزيه بالكارثة الإنسانية". ولفت حجازي إلى أن ماكرون التقى عناصر من القوات الفرنسية المشاركة ضمن بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الحدود، والتي يُتوقع إعادة نشرها عبر معبر رفح، في خطوة تهدف إلى دعم الجهود الإنسانية والرقابة على دخول المساعدات. بدوره قال مختار الغباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن زيارة ماكرون إلى مصر تمثل محاولة مصرية واضحة لخلق أرضية إقليمية ودولية للتعاطي مع أزمة غزة و"المأساة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون في القطاع". وعن القمة الثلاثية وما صدر عنها من بيان مشترك، فرأى أنها "تؤكد جميعها على ضرورة العودة إلى الهدنة، وضمان دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، مشيرًا إلى أن الأوضاع لن تهدأ ما لم يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة".
وشدد البيان المشترك الصادر عن القمة الثلاثية بين قادة مصر والأردن وفرنسا على "ضرورة تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي"، و"ضمان إمكانية إيصال المساعدات بالكامل"، إلى جانب "رفض تهجير الفلسطينيين من أرضهم وأية محاولة لضم الأراضي الفلسطينية". كما شدد على "الدعم الدولي لخطة إعادة إعمار غزة التي اعتمدتها القمة العربية التي عقدت في القاهرة في الرابع من مارس/ آذار الماضي، واعتمدتها منظمة التعاون الإسلامي في السابع من مارس". كذلك، ذكر بيان للرئاسة المصرية عقب الاتصال مع ترامب، أن الاتصال "تناول سبل ضمان وقف عاجل لإطلاق النار في قطاع غزة، مع التأكيد على ضرورة استئناف الوصول الكامل للمساعدات الإنسانية، والإفراج الفوري عن جميع الرهائن والمحتجزين".