تحرك لتطوير القدرات التسليحية للجيش العراقي

08 فبراير 2025
داخل قاعدة التاجي، شمال بغداد، 6 يناير 2025 (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تسعى الحكومة العراقية بقيادة محمد شياع السوداني إلى تعزيز القدرات التسليحية للجيش عبر شراء طائرات من فرنسا ومنظومات دفاع جوي من كوريا الجنوبية، ضمن استراتيجية إصلاح القطاع الأمني 2024-2032.
- يواجه ملف تسليح الجيش تحديات سياسية وفساداً، مع تأخر الصفقات بسبب سوء الإدارة والعقوبات على روسيا، وتسعى الحكومة للحصول على استثناءات لاستكمال الصفقات مع روسيا والتعاون مع الولايات المتحدة.
- تطوير القدرات التسليحية ضروري لمواجهة السلاح خارج إطار الدولة وتهديدات داعش، مما يدفع العراق للبحث عن دعم دولي.

وسط بروز ملف تسليح الجيش العراقي ضمن أولويات حكومة محمد شياع السوداني، لا سيما خلال الأعوام القليلة الماضية، أشار نواب عراقيون، في أحاديث لـ"العربي الجديد"، إلى وجود مساع حكومية لتطوير القدرات التسليحية للجيش العراقي وعموم القوات المسلحة خلال المرحلة المقبلة، لمواجهة تحديات قد تواجهها البلاد، فيما بيّن مختصون أن الخطوة المتأخرة جاءت بعد التطورات الأخيرة في المنطقة، فضلاً عن كونها خطوة لمواجهة السلاح خارج إطار الدولة.

وأولت الحكومة منذ تشكيلها في 2022 اهتماماً بتطوير القدرات التسليحية للجيش العراقي. وكان السوداني، وهو القائد العام للقوات المسلحة، قد راجع، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ملف التسليح، وفق بيان للجيش، "في ضوء استراتيجية تطوير القوات الأمنية التي تم إقرارها (مارس/ آذار 2024 لإصلاح القطاع الأمني 2024-2032)، والمذكرات الثنائية الموقعة مع الدول المتقدمة في هذا المجال، مع إيلاء الاهتمام اللازم لهذا الموضوع الذي يمثل إحدى أولويات الحكومة". كما وجّه، في عام 2022، "بإعادة النظر في آليات التعاقد في ضوء الأولويات المدروسة وتقديم الدفاع الجوي في جانب التسليح والتجهيز"، بحسب ما جاء في بيان لمكتبه حينها، كما "وجّه بالتنسيق الدقيق مع وزارة المالية من أجل رصد المبالغ التي تتطلبها الخطّة التسليحية". وقد تضمنت الموازنة المالية للبلاد للعام 2025 تخصيصات مالية لوزارة الدفاع لأجل إبرام صفقات التسليح، وهي بدورها في انتظار إقرار الموازنة للتعاقد مع الجانب الفرنسي لتزويد العراق بطائرات كاراكال، والتعاقد مع كوريا الجنوبية لتزويد الجيش بمنظومة دفاع جوي، بحسب خطة الوزارة.

وأمام ملف تسليح الجيش العراقي مشاكل كثيرة، أبرزها سياسية وأخرى متعلقة بالفساد المستشري في البلاد، لا سيما الصفقات التي أبرمتها حكومتا رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي بين 2006 و2014، وأبرزها صفقة السلاح الروسية. وقّع المالكي خلال زيارته إلى موسكو في 12 أكتوبر/ تشرين الأول 2012، صفقة بقيمة 4.2 مليارات دولار، ألغتها بغداد في العام نفسه وسط ما أُثير حولها من شبهات فساد كادت أن تطيح رؤوساً كبيرة في حكومته. وأدى ذلك إلى مباشرة القضاء العراقي تحقيقاته، قبل أن يغلق القضية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2014 لـ"عدم كفاية الأدلة". كما كشف مسؤول عسكري عراقي، لـ"العربي الجديد"، في 2022، أن بغداد أرجأت خططاً لشراء أسلحة ومعدات تسليحية روسية على خلفية العقوبات الغربية المفروضة على روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا. بالمقابل سبق أن وقّع العراق والولايات المتحدة عشرات صفقات التسليح لتجهيز القوات العراقية، والتي دُمرت بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003. وجاءت تلك الصفقات ضمن الاتفاقية الأمنية الموقعة بين بغداد وواشنطن في نهاية نوفمبر 2008، والتي تنص على تدريب وتجهيز القوات العراقية.

خطة لتطوير القدرات التسليحية للجيش العراقي

أشار عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي علاوي البنداوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن الحكومة وضعت أخيراً خطة لتطوير القدرات التسليحية للجيش العراقي وباقي الصنوف الأمنية والعسكرية. وأضاف أنه من أجل ذلك "هناك تحرك حكومي نحو شراء طائرات جديدة من فرنسا، إضافة إلى منظومات دفاع جوي متطورة من كوريا الجنوبية، وقد تم توفير التخصيصات المالية اللازمة لهذه الصفقات".

علاوي البنداوي: العراق تأخر كثيراً في ملف تطوير أسلحة الجيش بسبب مشاكل سياسية وأمنية

إلا أن هذه الخطوة متأخرة، بحسب البنداوي، الذي قال إن "العراق تأخر كثيراً في ملف تطوير أسلحة قواته المسلحة بسبب المشاكل السياسية التي مرّ بها خلال السنوات الأخيرة، إلى جانب بعض المشاكل الأمنية، وأزمة توفر السيولة المالية لإبرام عقود (تسليح) كهذه". لكنه لفت إلى أن المرحلة الحالية تتطلب تطوير القدرات التسليحية للجيش العراقي "خصوصاً أن المنطقة ربما تكون مقبلة على أحداث أمنية وعسكرية مختلفة، ويجب أن يكون العراق مستعداً لأي طارئ". وحول عقود التسليح، أشار إلى أن "العراق كانت لديه صفقات تسليح عدة مع الجانب الروسي، لكنها توقفت منذ فترة طويلة بسبب العقوبات الأميركية"، مضيفاً أن "هناك حراكاً حكومياً عراقياً من أجل استثناء العراق من تلك العقوبات لإكمال صفقات التسليح، فالجانب الروسي مهم في ملف التسليح بالنسبة للعراق".

في السياق نفسه، اعتبر النائب العراقي كاظم الفياض، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن العراق تأخر في تطوير القدرات التسليحية للجيش "بسبب سوء الإدارة والفساد، خصوصاً أن معظم صفقات التسليح السابقة تشوبها شبهات فساد مالي وإداري مختلفة". عطلّ ذلك "تطوير أسلحة القوات المسلحة العراقية، رغم أن الأموال كانت مخصصة لهذا الجانب"، وفق الفياض، الذي بيّن أن "التطورات الأمنية والعسكرية الأخيرة في سورية وعموم المنطقة دفعت العراق إلى التحرك من جديد نحو تطوير أسلحة الجيش وباقي الصنوف العسكرية". وأوضح أن "الحكومة أدركت الخطر الأمني، وعرفت أن هذا الخطر يجب أن يواجه عبر أسلحة حديثة ومتطورة، لمنع تكرار أي انتكاسة أمنية وعسكرية كما حصل في عام 2014 (سقوط الموصل تحت سيطرة تنظيم داعش الذي تمدّد حينها قبل التدخل الدولي بقيادة واشنطن)".

كاظم الفياض: تطوير أسلحة الجيش مهم جداً لمواجهة السلاح خارج إطار الدولة

من جهة أخرى، فإن هناك ارتباطاً بين تطوير القدرات التسليحية للجيش العراقي والسلاح المتفلت في البلاد، إذ لفت الفياض إلى أن "تطوير أسلحة الجيش مهم جداً لمواجهة السلاح خارج إطار الدولة خلال المرحلة المقبلة". وباعتقاده، فإنه "يجب أن يكون سلاح الجيش أكثر تطوراً وفاعلية من الجماعات المسلحة"، موضحاً أن تطوير أسلحة الجيش "له علاقة بتحرك الحكومة نحو الحد من سلاح الفصائل، التي أعلنت ذلك بشكل رسمي عبر تصريحات رسمية لوزير الخارجية العراقي فؤاد حسين قبل أيام (لوكالة رويترز الشهر الماضي، قائلاً إن بغداد تحاول إقناع الفصائل المسلحة بإلقاء أسلحتها أو الانضمام إلى قوات الأمن الرسمية)". 

سلاح غير متطور

حول واقع القدرات التسليحية للجيش العراقي في الوقت الحالي، قال المستشار العسكري السابق بوزارة الدفاع العراقية، اللواء المتقاعد صفاء الأعسم، لـ"العربي الجديد"، إن "سلاح الجيش العراقي يعتبر من الأسلحة غير المتطورة"، عازياً ذلك إلى "تأخير صفقات التسليح المهمة من الطائرات ومنظومات الدفاع، وكذلك الأسلحة الخفيفة القتالية المتنوعة". وبرأيه، فإن هذا الأمر له أسباب عدة وعوامل داخلية وخارجية "أبرزها الفساد وعدم وجود إرادة سياسية، كي يبقى الجيش ضعيفاً".

صفاء الأعسم: تخوّف كبير وقلق عراقي من تنظيم داعش داخل سورية

وأضاف أن "العراق أدرك خطورة ما يجري في الساحة الإقليمية، خصوصاً أحداث سورية، ولهذا تحرك نحو عقد صفقات تسليح مع الجانب الفرنسي وكذلك مع كوريا الجنوبية، ويبحث عن دول أخرى"، موضحاً أنه "يريد تطوير سلاح الجيش وباقي الصنوف القتالية لمواجهة أي تحد أمني مرتقب قد يحصل". ولفت الأعسم في هذا السياق إلى "تخوّف كبير وقلق عراقي من تنظيم داعش الإرهابي داخل الأراضي السورية وفي المخيمات والسجون التي يوجد فيها عناصر هذا التنظيم". وحول ارتباط مساعي تطوير القدرات التسليحية للجيش العراقي بالحد من سلاح الفصائل، بيّن الأعسم أنه "من غير المستبعد أيضاً أن يكون تحرك العراق نحو تطوير أسلحة قواته المسلحة له علاقة بقضية الحراك الحكومي نحو الحد من سلاح الفصائل"، مضيفاً أن "مواجهة هذا السلاح خارج إطار الدولة، تحتاج الى إمكانيات عسكرية رادعة". ولفت إلى أن هذا الأمر "قد يدفع نحو دعم دولي للعراق بمجال تطوير سلاحه، لأن إنهاء ظاهرة سلاح الفصائل مدعوم دولياً بشكل كبير". 

المساهمون