تحركات انتخابية قد تقلب المشهد الإسرائيلي

تحركات انتخابية قد تقلب المشهد الإسرائيلي

10 ديسمبر 2020
قد يحصل ساعر على 17 مقعداً وفق استطلاعات الرأي (فرانس برس)
+ الخط -

توالت التطورات في إسرائيل بعد إعلان وزير التعليم الأسبق غدعون ساعر أول من أمس الثلاثاء، الاستقالة من الكنيست والانسحاب من حزب "الليكود" برئاسة بنيامين نتنياهو، والاتجاه لتأسيس حزب جديد، أطلق عليه اسم "أمل جديد". وأعلن اثنان من أعضاء الكنيست في الائتلاف الحكومي الحالي، أحدهما الوزير يوعاز هنديل ورفيقه في كتلة "ديرخ إيرتس" تسفي هاوزر، عزمهما الانضمام للحزب الجديد، الذي يعتزم ساعر تشكيله. فيما ينتظر أن تنضم أيضاً عضوتان في الكنيست من قلب "الليكود" إلى ساعر. وأثار قرار ساعر حراكاً في السياسة الإسرائيلية الداخلية، خصوصاً مع إظهار استطلاع للرأي العام نشرت نتائجه أمس الأربعاء، ومنح حزب ساعر 17 مقعداً في حال خاض الانتخابات، مصحوباً بانضمام رئيس أركان جيش الاحتلال الأسبق، غادي أيزنكوط إلى الحزب الجديد.

منح استطلاع أخير حزب غانتس 6 مقاعد فقط في أي انتخابات
 

ورجّح مراقبون أن يؤدي تحرك ساعر إلى نتيجة معاكسة لما أراده، وهي تراجع نتنياهو، وزعيم حزب "كاحول لفان" الجنرال بني غانتس، عن خيار الاتجاه لانتخابات مبكرة، عبر وقف إجراءات تشريع قانون حل الكنيست، على الرغم من إقراره أمس بالقراءة الأولى، وتحديد موعد 16 مارس/آذار المقبل، لانتخابات جديدة في إسرائيل، هي الرابعة منذ عامين. ومع أن ساعر أعلن أنه لم يعد ممكناً البقاء في "الليكود" في ظل تحويل نتنياهو للحزب وأعضائه إلى أدوات لخدمة مصالحه الشخصية في البقاء في الحكم والتخلص من ملفاته القضائية، إلا أنه لا يزال من المبكر التحديد ما إذا كانت خطوته ستجعل منه مجرد كابوس يقض مضاجع نتنياهو، أم تكون نقطة تحول في موقف حزب "كاحول لفان"، برئاسة غانتس، لجهة العدول عن خيار الانتخابات.

في المقابل، يسعى نتنياهو للتوصل إلى تسوية مع غانتس لإبقاء الحكومة الحالية، عبر دفن مقترح قانون حل الكنيست وتجميده في لجنة الكنيست البرلمانية التي يرأسها عضو من حزب غانتس نفسه، مقابل تعهد من نتنياهو بإقرار ميزانية للدولة للعام الحالي وعام 2021 حتى يتسنى تنفيذ اتفاقية التناوب بين نتنياهو وغانتس، وإبعاد شبح الانتخابات نهائياً في المرحلة القريبة. وبات بمقدور نتنياهو بعد وصول أول دفعة من لقاح شركة "فايزر" ضد فيروس كورونا، إبراز خطاب حالة الطوارئ في البلاد، والكلفة الباهظة للانتخابات في ظل الوضع الاقتصادي المتردي في إسرائيل ووصول عدد العاطلين عن العمل إلى أكثر من 700 ألف شخص. وبحسب محللين ومراقبين في إسرائيل، فإن الأثر الذي أحدثه إعلان ساعر، وحقيقة كونه من صلب "الليكود"، من شأنه أن يقلب اتجاه الريح في السياسة الإسرائيلية كلياً. ويعتبرون أن من شأن الإعلان أن يكون نقطة تحول في أسلوب تعامل نتنياهو مع شريكه في الحكومة غانتس، لجهة تحسين هذا التعامل، وتعزيز التعاون معه لإقناعه بالمخاطر التي تحملها الانتخابات القريبة في ظل الشعبية التي يبدو أن ساعر يتمتع بها، والتي ترجمها الاستطلاع المذكور. وهي مخاطر لا يتجاهلها "كاحول لفان"، بفعل تراجعه لأدنى مكانة وحصوله فقط على ستة مقاعد، مما يجعله في حال جرت الانتخابات ليس فقط خارج الحكومة، بل أيضاً حزباً صغيراً من دون أي تأثير في الساحة الحزبية الداخلية في إسرائيل.

لكن في المقابل، فإن غانتس الذي بات يواجه معارضة وانتقادات شديدة في داخل حزبه، قد يجد نفسه مضطراً، في حال لم يتجاوب معه نتنياهو في مسألة تنفيذ التناوب على رئاسة الحكومة، إلى المضي قدماً في إجراءات قانون حل الكنيست. وينذر هذا الأمر بخريطة حزبية جديدة قد تتشكل في إسرائيل بعد الانتخابات. ويرى مراقبون، بحسب استطلاع الأمس، أنها ستعيد الأزمة السياسية في إسرائيل إلى مربعها الأول في العامين الماضيين، إذ لا يملك أي معسكر، سواء معسكر اليمين بقيادة نتنياهو أم المعسكر المناهض له، القدرة على تجنيد أغلبية 61 صوتاً من أصل 120 في الكنيست لتشكيل حكومة جديدة. مع العلم أنه لا يُتوقع في المرحلة المقبلة أن يحصل المعسكر المضاد لنتنياهو، لا سيما إذا كان على رأسه ساعر، على توصية من القائمة المشتركة للأحزاب العربية، لتكليفه من قبل رئيس الدولة، بتشكيل الحكومة المقبلة.

مع ذلك، يرى آخرون، مثل المراسل البرلماني لصحيفة "يسرائيل هيوم" موطي توخفيلد، أن خيار تمديد عمر الحكومة الحالية قد يكون الأمثل لنتنياهو. وبالتالي فإنه إذا طال أمد الحكومة الحالية، فقد يفقد ساعر نجوميته والتأييد الذي يبدو أنه يتمتع به، فيما تقوم الأحزاب الحالية المناهضة لنتنياهو، برص صفوفها وبناء تحالفات جديدة تعزز قوتها الحالية وتقلل من مخاطر أن يستولي حزب جديد بقيادة ساعر على أصوات ناخبيها من اليمينيين، الذين صوّتوا لها فقط لكونها تناهض نتنياهو، مثل حزب "كاحول لفان"، وحزب "ييش عتيد".

الأثر الذي أحدثه إعلان ساعر، وحقيقة كونه من صلب "الليكود"، من شأنه أن يقلب اتجاه الريح في السياسة الإسرائيلية

لكن أبرز ما تحمله ملامح الفترة المقبلة في إسرائيل، أن المعركة الانتخابية كلها تدور على أصوات اليمين، بعد تلاشي اليسار كلياً وذوبان أنصاره واتجاههم لدعم أحزاب الوسط (مثل ييش عتيد، وكاحول لفان) على أساس اعتبارهم أنه لا توجد فروق سياسية حقيقية بين معسكر نتنياهو والأحزاب المناهضة له. وبالتالي فإن اعتبارات أخرى، تغلبت على الاعتبارات السياسية في قرار التصويت، تتصل أكثر بالاقتصاد والمجتمع ورفض هيمنة أحزاب اليمين الدينية الأصولية للحريديم: "شاس" و"يهدوت هتوراة"، وهو ما يفسر ثبات حزب "يسرائيل بيتينو" بقيادة أفيغدور ليبرمان على 8 مقاعد مثلاً.

لكن السياسة الحزبية الداخلية في إسرائيل ديناميكية، كما أن الناخب الإسرائيلي يبدي نوعاً من البلبلة في خياراته الانتخابية في الانتخابات الثلاث الأخيرة، وبالتالي لا يمكن بالضرورة توقع تغيير جوهري كبير في سلوكه الانتخابي. أخيرا فإن الأسبوع المقبل سيكون الأسبوع المصيري عملياً في تحديد وجهة إسرائيل، فإذا تمكن غانتس ونتنياهو من الاتفاق على إقرار ميزانية ولو للعام الحالي فقط، أو ما تبقى منه، فإن ذلك سيمنع حل الحكومة ويمنحها فرصة حتى نهاية فبراير/شباط ومطلع مارس المقبلين لإقرار ميزانية عام 2021، وإلا فإن الكنيست سيحلّ نفسه تلقائياً في 23 ديسمبر/كانون الأول الحالي، لتتجه إسرائيل لانتخابات خلال 90 يوماً، بعد أن يقوم حزب "كاحول لفان" بتجميد مداولات إقرار مشروع قانون حل الكنيست على الرغم من إقراره بالقراءة الأولى أمس.