تحدي سياسات ترامب يزيد شعبية قادة الدول... المكسيكية شينباوم في المقدمة
استمع إلى الملخص
- تأثير المواجهة مع ترامب على السياسة الأوروبية: تراجعت شعبية القادة المتحالفين مع ترامب في أوروبا، بينما ارتفعت شعبية المعارضين مثل كير ستارمر وإيمانويل ماكرون، في حين تراجعت شعبية مارين لوبان بسبب قضايا قانونية.
- التحالفات الدولية وتحدياتها: تشير زيادة شعبية القادة المعارضين لترامب إلى تحول في الرأي العام نحو دعم سياسات أكثر استقلالية بعيدًا عن التحالفات التقليدية مع الولايات المتحدة.
يبدو أن قول "لا" للرئيس الأميركي دونالد ترامب يساهم في زيادة شعبية بعض القيادات في دول مختلفة. ذلك ما تذهب إليه على الأقل بعض الاستطلاعات التي أجريت أخيرا مقارنة بتلك التي أجريت في يناير/كانون الثاني الماضي. وعلى خلفية المواجهة الحاصلة بين ترامب وعدد من الزعماء السياسيين في الغرب وخارجه فإن الرضا الشعبي في تلك الدول على أداء قياداته أصبح يعكس نفسه في صورة مكافئة نية التصويت لمصلحتها وأحزابها في مواجهة ما يشبه حالة تنمر ترامبي. وباستثناء تراجع الدعم الشعبي لرئيس بنما خوسيه راؤول مولينو الذي وقف في وجه رغبات ترامب بالسيطرة على قناة بنما، فإن الدعم يتزايد للقادة الذين يتصدون له.
مواجهة ترامب تُصرف في الصناديق
عند جيران أميركا الشماليين يبدو أن الكندي الليبرالي مارك كارني، رئيس حكومة ما قبل الانتخابات العامة، بات المرشح الأفضل للفوز برئاسة الحكومة القادمة، على خلفية تحديه لترامب. فالأخير كرر رغبته في جعل كندا ملحقة بواشنطن. وبينما كانت ردود كارني الحاسمة تساهم في رفع شعبية الليبراليين في الاستطلاعات لتحقيق أغلبية في مجلس العموم الكندي فإن الأمور ليست كذلك بالنسبة للمحافظين في الانتخابات القادمة. حيث أفاد استطلاع للرأي أجراه معهد أنغوس ريد تحقيق كارني نسبة 43% عن الأفضل لمواجهة ترامب بحزم. ذلك في مقابل 34% لزعيم المعارضة المحافظ بيير بواليفر، المؤيد لترامب وصاحب شعار "كندا أولاً...كندا محطمة".
الرضا بشأن تصرف قادة الدول التي تجد نفسها في مواجهة حرب تجارية بسبب فرض ترامب تعرفات قاسية على دولهم، ودخوله في ملاسنة حول رغباته التوسعية هنا وهناك، يمكن تتبعه إلى الحالة الدنماركية. فرئيسة حكومة الائتلاف ميتا فريدركسن، بقيادة الحزب الاجتماعي الديمقراطي (يسار وسط)، تحقق لحزبها شعبية إضافية على خلفية تعاطيها مع إصرار ترامب على الاستحواذ على جزيرة غرينلاند. قفز حزبها بنحو 5 نقاط مئوية إلى أكثر من 23% في الاستطلاعات الأخيرة. هذا بالطبع إلى جانب تعزيز شعبية الأحزاب الغرينلاندية التي ترفض الهيمنة الأميركية على أرضها.
بالنسبة للمكسيك، الجارة الجنوبية لأميركا، فإن رئيستها المحسوبة على اليسار كلوديا شينباوم، تزايدت شعبيتها بصورة لم يسبق أن حققها رئيس مكسيكي منذ نحو ثلاثة عقود. مكافأة شينباوم على ما يراه المكسيكيون إدارة ماهرة في مواجهة ترامب على مستويي الهجرة والتعرفات الجمركية تجعلها تحظى بتأييد نحو 85% من الرأي العام في بلدها، وتصل الشعبية إلى 88% بين فقراء بلدها، بحسب ما كشفت عنه صحف مكسيكية.
ونقلت مجلة بوليتيكو الأميركية عن مدير الرأي العام والسياسة الخارجية في مجلس شيكاغو للشؤون العالمية، كريج كافورا، أنه كلما كان ترامب أكثر عدوانية وأكثر تنمرا تجاه تلك القيادات حصلوا على دفعة من التأييد الشعبي للوقوف في وجهه. ويعتبر البعض أن عدم الوقوف بوجه تنمر ترامب يعد انتحارا سياسيا. وأشار إلى أنه من الصحيح أن الدخول في صراع مع الولايات المتحدة من جانب دول صغيرة يحمل مخاطر إلا أن "هناك مزايا سياسية للوقوف بوجه التنمر".
وفي الاستطلاعات التي جرت بعد المواجهة في المكتب البيضوي بين ترامب ونائبه جي دي فانس مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، يحقق الأخير قفزة في الشعبية بحسب استطلاع للرأي نشره معهد كييف الدولي لعلم الاجتماع في الـ27 من الشهر الفائت. 41 نقطة مئوية قفزها زيلينسكي محققا ثقة 69% من الأوكرانيين، بينما قال 28% إنهم لا يثقون به.
ورأت الباحثة في معهد الشؤون الدولية الإيطالي، ناتالي توتشي، أن الناخبين يدركون أهمية قول "لا" لترامب. ونقلت عنها صحيفة فايننشال تايمز قولها إن الشعوب "تكافئهم على صمودهم في وجه التنمر، فبدلا من تقبيل الخاتم يقف هؤلاء القادة ليقولوا بأدب: "لا" لترامب".
حرج وإرباك عند ترامبيي أوروبا
وفي مقابل توسع شعبية المعسكر الذي يدافع عن مصالح شعبه وبلدانه وتتزايد بحسب الاستطلاعات المقارنة مع ما كانت عليه قبل بضعة أسابيع، يبدو أن المعسكرات التي تصنف أقرب إلى الترامبية لا تحظى بذات الثقة الشعبية. وتتأثر المعسكرات القومية والشعبوية المتشددة الأوروبية بالتوجهات الترامبية الصدامية مع دولهم. فعلى سبيل المثال أظهرت استطلاعات بريطانية قدمها معهد يوغوف لقياس الرأي ونشرتها الصحف البريطانية أن حليف ترامب في المملكة المتحدة نايجل فراج انخفضت شعبيته بمقدار أربع نقاط مئوية من 30% إلى 26%. ذلك مقابل تحقيق رئيس الوزراء كير ستارمر تقدما من 26% في فبراير/شباط الماضي إلى 31%. وفي الوقت نفسه أصبحت لدى ثمانية من كل عشرة بريطانيين (80%) وجهة نظر سلبية حيال الحليف الأميركي مقارنة بنحو 73% قبل نحو أسبوعين. بل حتى في صفوف اليمين المتشدد البريطاني (الإصلاحيين) يتضح انخفاض منذ منتصف فبراير/شباط الماضي في نسبة من لديه وجهة نظر إيجابية تجاه ترامب من 66% إلى 45%. ومن المثير للاهتمام أن تزداد مقابل ذلك شعبية الرئيس الأوكراني زيلينسكي بين البريطانيين، من 64% إلى 71%، وفي صفوف مؤيدي "الإصلاح" المتشدد ارتفعت شعبيته من 49 إلى 62%.
وبالنسبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فقد حقق ارتفاعا مفاجئا في شعبيته بعد زيارته للبيت الأبيض الشهر الماضي. فقفزت الثقة به من 21 إلى 27% بحسب استطلاع أجرته مؤسسة إيلاب. ورغم أن شعبية ماكرون لا تزال منخفضة لأسباب متعلقة بسياسات داخلية، فمن الملاحظ أن زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان الساعية إلى منصب الرئاسة في انتخابات 2027 تعاني أيضا تراجعا في شعبيتها بمقدار نقطة مئوية لتصل إلى 35%. وتلقت لوبان أخيرا انتكاسة بعد الحكم عليها بسبب اتهامات بالتلاعب بأموال أوروبية.
إجمالا، يشير تزايد شعبية القيادات التي تتحدى رغبات وتطلعات ترامب التوسعية والحمائية المتشددة إلى أن مسألة "التحالف التاريخي"، كما هي علاقة الغرب بواشنطن، ليست من المسلمات التي يمكن الركون إليها. ومع أنه ليس من الواضح بعد مدى تأثر اليمين القومي الأوروبي المتطرف بتوتر علاقة قارتهم بأميركا على مستقبل مساعيهم إلى الحكم فمن الواضح أن ترجمة الأفكار إلى سياسات أميركية بات يقدم نماذج للرأي العام لما يمكن أن تكون عليه دولهم في المستقبل.