تحديد الحدود البحرية الغربية لمصر: خطوة أحادية ترفضها ليبيا

تحديد الحدود البحرية الغربية لمصر: خطوة أحادية ترفضها ليبيا

17 ديسمبر 2022
حدد السيسي منفرداً الحدود البحرية الغربية لمصر (شون غالوب/Getty)
+ الخط -

التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، على هامش فعاليات قمة القادة الأميركيين والأفارقة بالعاصمة الأميركية واشنطن، مساء أول من أمس الخميس. 

وقال المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، السفير بسام راضي، إن اللقاء شهد التباحث حول "مستجدات الأوضاع على الساحة الليبية، حيث شدد الرئيس على موقف مصر الثابت من دعم جهود المجلس الرئاسي الليبي برئاسة محمد المنفي، لإنجاح هذه الجهود ومساعدة الأشقاء الليبيين على تهيئة المناخ المطلوب، من أجل تنفيذ الاستحقاق الانتخابي الرئاسي والبرلماني بالتزامن، وذلك ارتباطاً بانعكاساتهما الإيجابية على الجهود السياسية لإنهاء الأزمة الراهنة من خلال تفعيل إرادة واختيار الشعب الليبي".

جاء لقاء السيسي والمنفي بعد يومين من نشر قرار الرئيس المصري بشأن تحديد الحدود البحرية الغربية لمصر

وأضاف راضي أن رئيس المجلس الرئاسي الليبي أعرب من جانبه عن "التقدير والاعتزاز الشديدين من قبل بلاده، على المستويين الرسمي والشعبي للدور المصري الحيوي بقيادة السيسي في استعادة السلم والاستقرار في ليبيا، وذلك في ظل العلاقات الأخوية والتاريخية التي تربط بين البلدين الشقيقين، والدور المصري الرائد فيما يتعلق بدعم المؤسسات الوطنية الليبية".

قرار تحديد الحدود البحرية الغربية لمصر

وجاء لقاء السيسي والمنفي بعد يومين من نشر الجريدة الرسمية المصرية قرار السيسي، رقم 595 لسنة 2022 بشأن تحديد الحدود البحرية الغربية لجمهورية مصر العربية في البحر المتوسط، بشكل منفرد. 

وجاء في القرار أن "حدود البحر الإقليمي لجمهورية مصر العربية تبدأ من نقطة الحدود البرية المصرية الليبية رقم 1 ولمسافة 12 ميلاً بحرياً، وصولاً إلى النقطة رقم 8، ومن ثم ينطلق خط الحدود البحرية الغربية لجمهورية مصر العربية من النقطة رقم 8 في اتجاه الشمال موازياً لخط الزوال 25 شرق، وصولاً إلى النقطة رقم 9 والموضح إحداثياتها بالجدول المرفق، وفقاً للمرجع الجيوديسي  WGS84".

ونصت المادة الثانية من القرار، الصادر في 11 ديسمبر/كانون الأول الحالي، على أن "تعلن قوائم الإحداثيات الواردة بالمادة الأولى من هذا القرار وفقاً للقواعد المعمول بها في هذا الصدد، على أن يخطر بها الأمين العام للأمم المتحدة".

ولم يتأخر الرد الليبي على الخطوة المصرية، إذ أصدرت وزارة الخارجية الليبية بياناً أمس الجمعة أكدت فيه أن حكومة الوحدة الوطنية الليبية ترفض قرار الرئاسة المصرية‭ ‬ترسيم الحدود البحرية الغربية للبلاد.

واعتبرت الخارجية الليبية أن الترسيم غير عادل بموجب القانون الدولي. وفيما أشارت إلى أن التحرك المصري الأحادي يعد انتهاكاً لحقوق الليبيين، حثت حكومة القاهرة على إجراء محادثات.

وزارة الخارجية الليبية: التحرك المصري الأحادي يعد انتهاكاً لحقوق الليبيين

وشدد البيان على أن "ترسيم الحدود بين الدولتين يجب أن يتم من خلال اتفاق عبر مفاوضات تضمن مصالح الطرفين وتحترم مبدأ المساواة".

ونبّه البيان إلى أنه "من الممكن إحالة هذا النزاع إلى الوسائل السلمية بموجب المادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة، بما في ذلك محكمة العدل الدولية".

قرار السيسي إجراء أولي غير كافٍ

وقال أستاذ القانون الدولي العام أيمن سلامة إن قرار السيسي، رقم 595 لسنة 2022، بشأن تحديد الحدود البحرية الغربية لمصر في البحر المتوسط، "إجراء أولي انفرادي مهم، ولكنه ليس كافياً ويعوزه إبرام اتفاقيتي تعيين الحدود البحرية مع الدولة الساحلية المجاورة (ليبيا)، والساحلية المتقابلة (تركيا)". 

ولكن في الوقت ذاته لا يعتقد سلامة، وهو أيضاً عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أن "الظروف السياسية والأمنية ستكون مؤاتية لإبرام اتفاقية تعيين الحدود البحرية مع ليبيا، وهي الدولة الساحلية المجاورة لمصر".

وقال سلامة، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "مصر تحاول في الفترة الأخيرة جاهدة أن تؤمن مصالحها، سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو قانونية، من خلال تعيين الحدود البحرية. ولولا تعيين الحدود البحرية لما استغنت مصر ولأول مرة عن استيراد الغاز في 2019، ولما وفرت من العملة الصعبة المليارات من الدولارات بعد اكتشاف حقل ظهر بواسطة شركة إيني الإيطالية".

وفي وقت سابق، تحدث السيسي عن "أهمية تلك الاتفاقيات". وأشار، في مؤتمر اقتصادي عقد في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى أن "حقل ظهر للغاز الطبيعي لم يكن ممكناً اكتشافه لو لم يتم ترسيم الحدود مع قبرص واليونان في البحر المتوسط والسعودية في البحر الأحمر"، مضيفاً أن "تلك الاتفاقيات وفّرت 120 مليار دولار سنوياً لتشغيل محطات الكهرباء".

الانفراد بتعيين الولايات البحرية ليس مفضلاً

قانونياً، أوضح سلامة أن "تعيين الولايات البحرية للدول انفرادياً، وإخطار الأمين العام للأمم المتحدة ولجنة المحيطات والبحار بالمنظمة، ليست الوسيلة الفضلى أو النهائية لتعيين الحدود البحرية بين الدول الساحلية". وأكد أن "اتفاقيات تعيين الحدود البحرية بين الدول، تبقى الوسيلة الأكمل والأمثل والأصح لتعيين الحدود البحرية بين الدول". 

أيمن سلامة: مصر تحاول أن تؤمن مصالحها من خلال تعيين الحدود البحرية

ولفت إلى أنه "بالرغم من أن مصر آلت على نفسها أن تجعل اتفاقية تعيين الحدود البحرية الأخيرة مع اليونان (مؤقتة) غير نهائية، حتى لا تتشابك مع الحقوق التركية، إلا أن أنقرة من الممكن أن تعترض على القرار المصري بتحديد الحدود البحرية الغربية".

وكانت تركيا وليبيا وقعتا اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بالبحر المتوسط، في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2019. ووقعها وقتها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق آنذاك فائز السراج. كما وقعت وزارتا الخارجية في البلدين، في أكتوبر الماضي، اتفاقية للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الليبية، بعد مرور ثلاث سنوات على إبرام اتفاقية ترسيم الحدود البحرية المثيرة للجدل، التي أثارت حفيظة الاتحاد الأوروبي حينها، ونددت مصر واليونان وقبرص بها.

وترفض تركيا الاعتراف باتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، وهي الاتفاقية التي وقعت عليها كل من مصر واليونان وقبرص ودول أخرى بالمنطقة. وتحدّد الاتفاقية الدولية المناطق الاقتصادية الخالصة للدول بنحو 200 ميل من شواطئها.

4 وسائل لتعيين الحدود البحرية بين الدول

ولفت سلامة إلى أن "هناك 4 وسائل لتعيين الحدود البحرية بين الدول، من بينها الأسلوب الانفرادي". وأضاف أن "هذا الأسلوب، وإن كان قانونياً، إلا أنه ليس الوسيلة الأمثل لتعيين الحدود بين الدول". وأوضح أن "الاتفاقيات الدولية، هي الوسيلة الأمثل والأكمل لتعيين الحدود الدولية بين الدول الساحلية، سواء كانت متقابلة أو متجاورة". 

وبرأيه فإنه "يمكن أيضاً تعيين الحدود البحرية بين الدول الساحلية عن طريق إحالة النزاع بين الدول إلى جهتين، إما القضاء الدولي مثل محكمة العدل الدولية، أو هيئة تحكيم دولية تختار قضاتها واختصاصاتها الدول الساحلية المتنازعة".

وأضاف: "لكن القرار، سواء كان صادراً من القضاء الدولي، أو من هيئة تحكيم دولية ــ وإن كان إلزامياً لأطراف النزاع – يترك في النهاية غصة في الحلق لدى الدولة التي ترى بأنها لم تكسب دعواها".

وأشار سلامة إلى أن "هناك حالة فريدة ونادرة، هي أن تقوم منظمة أو هيئة دولية تابعة لمنظمة دولية، مثل مجلس الأمن الدولي بتعيين الحدود بين الدول (قسراً) كما حدث في النزاع الحدودي البري والبحري بين العراق والكويت. فبعد انتهاء هذه الحرب عام 1991 اضطلع مجلس الأمن عن طريق لجنة الحدود وخبراء المجلس بتعيين الحدود وحسم مسألة الحدود البرية والبحرية بين الدولتين الجارتين".