تحديات متفاقمة تواجه مصر في قمة الاتحاد الأفريقي

16 فبراير 2025
مدبولي باجتماعات الاتحاد الأفريقي، أديس أبابا، 14 فبراير 2025 (إيمانويل سيليشي/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه مصر تحديات إقليمية معقدة خلال قمة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، تشمل التوترات في القرن الأفريقي، الحرب في السودان، أزمة سد النهضة، والاضطرابات في الساحل الأفريقي وليبيا.
- تلعب مصر دوراً محورياً في تعزيز الاستقرار الإقليمي من خلال الدفع نحو حلول سياسية شاملة، وتعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي، والتأكيد على موقفها من سد النهضة واتفاقية عنتيبي.
- تسعى القاهرة لتعزيز مكانتها كفاعل رئيسي في القارة الأفريقية، مع التركيز على حماية مصالحها الوطنية وأمنها القومي في ظل التحولات الجيوسياسية الكبرى.

يواصل قادة الدول الأفريقية اجتماعاتهم التي بدأت، أمس السبت وتستمر اليوم الأحد، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، خلال قمة الاتحاد الأفريقي السنوية، وسط غياب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والذي ناب عنه رئيس الحكومة مصطفى مدبولي. وقد شهدت الجلسة الافتتاحية حضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، إلى جانب عدد من القادة الأفارقة.

ومع انعقاد القمة الـ38 للاتحاد الأفريقي، تجد مصر نفسها أمام ملفات إقليمية ساخنة تتطلب، وفق ما يؤكده خبراء، استجابة حازمة ودبلوماسية نشطة. فالتوترات المتصاعدة في القرن الأفريقي، واستمرار الحرب في السودان، وأزمة سد النهضة، والاضطرابات في الساحل الأفريقي وليبيا، كلها قضايا تضع السياسة الخارجية المصرية في اختبار حقيقي. فالقاهرة تسعى إلى الحفاظ على مصالحها الإقليمية وحماية أمنها القومي في مواجهة تحولات جيواستراتيجية قد تعيد تشكيل المشهد الأفريقي. خلال الجلسة الافتتاحية للقمة، أمس، أُعلن عن هيئة قمة الاتحاد الأفريقي لعام 2025، برئاسة أنغولا التي تولت رئاسة الاتحاد خلفاً لموريتانيا. كما أُعلن عن عضوية هيئة مكتب الاتحاد الأفريقي التي تتكون من خمس دول أعضاء تمثل مختلف الأقاليم الأفريقية، وهي هيئة تؤدي دوراً أساسياً في دعم أعمال رئاسة الاتحاد.

تحديات مصر خلال قمة الاتحاد الأفريقي

لكن هذه القمة تأتي في وقت بالغ الصعوبة لمصر، إذ تواجه القاهرة تحديات غير مسبوقة على صعيد الأمن القومي. فإلى جانب الأزمات الأفريقية، تتزامن القمة مع الحرب الدائرة في غزة، والتي تشكل تهديداً مباشراً لاستقرار المنطقة، لا سيما مع تداعياتها على الأمن المصري. كما أن خطة الإدارة الأميركية بتهجير الفلسطينيين وفقاً لمقترحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تثير مخاوف وجودية لمصر، إذ تهدد بخلق واقع جديد قد يؤدي إلى إعادة تشكيل التوازنات السكانية والجغرافية في المنطقة بأكملها. يضع ذلك الدبلوماسية المصرية أمام تحدٍ مزدوج يتمثل في مواجهة الضغوط الدولية بشأن هذه القضية، وفي الوقت ذاته، الحفاظ على حضورها القوي داخل الاتحاد الأفريقي.

تشهد منطقة القرن الأفريقي تصاعداً في التوترات، لا سيما بين الصومال وإثيوبيا وإريتريا، بعد توقيع إثيوبيا اتفاقاً مع أرض الصومال (إقليم صوماليلاند)، في مارس/ آذار 2024، يمنحها منفذاً بحرياً عبر مرفأ على البحر الأحمر، مقابل الاعتراف بالإقليم، ما أثار ردود فعل غاضبة من مقديشو. هذا التحرك قد يُحدث تحولات في موازين القوى بالمنطقة، ما يتطلب من مصر دبلوماسية نشطة لحماية الاستقرار وتعزيز علاقاتها التاريخية مع دول المنطقة. ومن خلال القمة الحالية، يمكن للقاهرة الدفع نحو إطار سياسي يضمن احترام السيادة الوطنية للدول الأفريقية، ويحول دون تصاعد النزاعات.

دفعت القاهرة خلال القمة نحو إيجاد حل سياسي شامل يعيد الاستقرار إلى السودان

وبالنسبة للسودان فهو يمثل أهمية استراتيجية كبرى لمصر، لكن استمرار الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع يعزز حالة عدم الاستقرار ويهدد وحدة الدولة السودانية. ومع تفاقم الأوضاع الإنسانية ونزوح الملايين، تواصل مصر جهودها الدبلوماسية لاحتواء النزاع عبر الوساطة الدولية والإقليمية. وحسب معلومات توفرت لـ"العربي الجديد" فإن القاهرة دفعت خلال القمة الأفريقية نحو إيجاد حل سياسي شامل يعيد الاستقرار إلى السودان ويحافظ على وحدة أراضيه، من خلال التواصل مع كل الأطراف ذات الصلة. ويشكل ملف سد النهضة الإثيوبي مصدر قلق دائم لمصر، إذ تواصل أديس أبابا سياستها أحادية الجانب في ما يخص ملء وتشغيل السد دون اتفاق قانوني ملزم، وهو ما كان حاضراً أيضاً في المباحثات المصرية في أديس أبابا. إلى جانب ذلك، برزت اتفاقية عنتيبي (لدول حوض نهر النيل أبرمت عام 2010) كأحد الملفات الشائكة، إذ تسعى بعض دول حوض النيل إلى إعادة توزيع حصص المياه بطريقة قد تضر بمصالح مصر والسودان. وتوكد مصادر دبلوماسية مصرية لـ"العربي الجديد" أن القمة الأفريقية جاءت كمنصة مهمة استخدمها القاهرة لإعادة التأكيد على حقوقها التاريخية في مياه النيل، والمطالبة بآلية أفريقية عادلة تضمن عدم الإضرار بالمصالح المائية للدول المتضررة.

لعبت القاهرة دوراً محورياً خلال القمة في الدفع باتجاه استراتيجية مشتركة لمكافحة الإرهاب في المنطقة

وفي ملف الساحل الأفريقي الذي تشهد دوله، مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو، تنامي نفوذ الجماعات الإرهابية وسط انقلابات عسكرية متكررة، في ظل تراجع الدور الغربي في المنطقة وزيادة الحضور الروسي عبر مجموعة فاغنر، أصبحت الأوضاع أكثر تعقيداً. يضع ذلك القاهرة أمام تحديات كبرى، إذ تدرك أن استقرار الساحل الأفريقي مرتبط بشكل وثيق بأمنها القومي، لذا تعمل على دعم التعاون الأمني والاستخباراتي مع الدول الأفريقية. وبحسب المصادر المصرية فإن القاهرة "لعبت دوراً محورياً خلال قمة الاتحاد الأفريقي في الدفع باتجاه استراتيجية مشتركة لمكافحة الإرهاب في المنطقة". وتظل الأزمة الليبية من أبرز القضايا التي تؤرق مصر، إذ لا يزال الانقسام السياسي بين حكومتي طرابلس وبنغازي، والتدخلات الدولية، يعيقان أي حلول جذرية. وتخشى القاهرة أن يؤدي استمرار الجمود إلى عودة العنف والفوضى، ما قد يؤثر بشكل مباشر على أمنها القومي. وتدعو مصر دائماً إلى حل سياسي ليبي-ليبي يحفظ وحدة البلاد، وتواصل دعمها للمؤسسات الوطنية الليبية. وفي قمة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، حاولت القاهرة تعزيز جهودها لتحقيق توافق إقليمي بشأن خارطة طريق تنهي الأزمة الليبية.

دور قيادي

على صعيد مؤسسة الاتحاد الأفريقي ذاتها، تمثل انتخابات القيادة الجديدة لمفوضية الاتحاد، والتي ستجرى خلال القمة، اختباراً دبلوماسياً حقيقياً لمصر، التي تسعى دائماً لتعزيز دورها داخل الاتحاد والمساهمة الفاعلة في صياغة القرارات القارية. خلال السنوات الماضية، قدمت القاهرة دعماً كبيراً لمرشحيها في المناصب القيادية للاتحاد، وهو ما يعكس التزامها بتوسيع نفوذها القاري. ومع احتدام المنافسة في هذه الدورة، كانت مصر تواجه تحدياً كبيراً في تعزيز حظوظ مرشحها لنائب رئيس المفوضية (حنان مرسي)، في ظل تنافس مرشحين آخرين من دول شمال أفريقيا، وعلى رأسهم مرشحة الجزائر السفيرة سلمى مليكة حدادي، والتي انتخبت أمس للمنصب. وتسعى القاهرة، من خلال حراكها الدبلوماسي المكثف، إلى تعزيز تحالفاتها داخل الاتحاد الأفريقي لضمان تمثيلها الفاعل في المؤسسات القارية، وهو ما يعد خطوة محورية في ترسيخ دورها كإحدى القوى الرئيسية في القارة.

وفي ظل الأزمات الإقليمية المتفاقمة، تصبح الدبلوماسية المصرية أمام اختبار حقيقي لتعزيز نفوذها في القارة السمراء. فمن خلال قمة الاتحاد الأفريقي تسعى مصر إلى تعزيز دورها كوسيط دبلوماسي في حل النزاعات الأفريقية، والتأكيد على موقفها من سد النهضة واتفاقية عنتيني لحماية حقوقها المائية، ودفع استراتيجيات مشتركة لمكافحة الإرهاب في الساحل الأفريقي، ودعم جهود تحقيق الاستقرار في السودان وليبيا. لكن نجاح هذه الجهود، حسب ما يرى مراقبون، سيكون مرهوناً بقدرة مصر على الموازنة بين الأزمات الإقليمية الكبرى التي تهدد أمنها القومي، خصوصاً مع استمرار الحرب على غزة والتحديات التي تفرضها مخططات إعادة توطين الفلسطينيين. ويرى هؤلاء أنه من خلال قمة  الاتحاد الأفريقي الحالية، تمتلك مصر فرصة ذهبية لتعزيز مكانتها كفاعل رئيسي في القارة، والمساهمة في تشكيل مستقبل أفريقيا على أسس من الاستقرار والتنمية، مع حماية مقدراتها الوطنية وأمنها القومي في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات كبرى.

المساهمون