تحالف "ماغا" ويمين ألمانيا المتطرف: تنسيق خلفي يربك أوروبا

21 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 14:39 (توقيت القدس)
أليس فايدل خلال تجمّع انتخابي في نوي إيزنبورغ، 1 فبراير 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت الساحة السياسية الغربية لقاءً غير معلن بين نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس وزعيمة حزب "البديل من أجل ألمانيا" أليس فايدل، مما أثار جدلاً حول تقارب التيارات اليمينية المتشددة عبر الأطلسي، حيث تناول الاجتماع مواضيع مثل الحرب في أوكرانيا والسياسة الداخلية.

- أثار خطاب فانس في مؤتمر ميونخ انتقادات بعد هجومه على سياسة "العزل السياسي" في أوروبا، واعتبر رئيس مؤتمر ميونيخ للأمن أن هذا يمثل تدخلاً أميركياً في السياسة الداخلية الأوروبية.

- تتزايد المخاوف الأوروبية من الدعم الأميركي لحزب "البديل من أجل ألمانيا"، حيث يُنظر إلى هذا التنسيق كتهديد للقيم الديمقراطية الأوروبية وتدويل التيارات الشعبوية.

في تطوّر لافت يعكس تقارباً متزايداً بين التيارات اليمينية في العالم الغربي، عُقد لقاء غير معلن استمر يومين بين نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، أحد أبرز وجوه حركة "لنجعل أميركا عظيمة مجدداً"، ماغا (MAGA)، وزعيمة حزب "البديل من أجل ألمانيا" (AfD) أليس فايدل. وأثار اللقاء الذي جرى خارج القنوات الدبلوماسية التقليدية، جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية الأوروبية، وسط تحذيرات من تنسيق أيديولوجي قد يعيد تشكيل الخريطة السياسية الغربية.

مشروع أيديولوجي عابر للأطلسي؟

وصفت صحيفة بوليتيكو الأميركية اللقاء بأنه "مفاجئ"، وكتبت أنه يعكس علاقة "ناشئة" بين أنصار تيار ترامب اليميني وحزب "البديل من أجل ألمانيا" الذي يُصنّف يميناً متطرفاً في عدة تقارير استخباراتية ألمانية. ويُنظر إلى هذه العلاقة على أنها جزء من محاولة لبناء مشروع أيديولوجي محافظ مشترك بين اليمين المتشدد في أوروبا والولايات المتحدة، وفقاً لما صرحت به لصحيفة بيرلنغكسا الدنماركية كبيرة المحللين في مركز أبحاث أوروبا الدنماركية ديتي براسو سورنسن. وترى سورنسن أن" الجانبين الأميركي والأوروبي يحاولان تحديد القيم والمصالح المشتركة، سواء في قضايا السياسة الداخلية، أو في التعامل مع الاتحاد الأوروبي والعالم الخارجي". وأشارت تقارير صحافية، نقلاً عن المصادر الأميركية والألمانية، إلى أن الاجتماع تناول مواضيع مثل: الحرب في أوكرانيا، والسياسة الداخلية، وحرية التعبير.

انتقادات لسياسة "العزل السياسي" في أوروبا

وفي خطابه أمام الحضور في مؤتمر ميونخ في فبراير/شباط الماضي، شنّ فانس هجوماً لاذعاً على ما أسماه "الإقصاء غير الديمقراطي" لأحزاب مثل "البديل من أجل ألمانيا"، في إشارة إلى ما يُعرف في السياسة الألمانية بـ"جدار الحماية" (firewall) الذي يمنع الأحزاب الديمقراطية من التحالف مع "البديل من أجل ألمانيا". وقال فانس في الخطاب "ما يقلقني أكثر هو التهديد الداخلي... استبعاد أحزاب المعارضة الحقيقية من المشاركة هو تراجع عن قيم الديمقراطية". وقد أثار هذا التصريح موجة من الانتقادات، حيث وصف رئيس مؤتمر ميونيخ للأمن، كريستوف هوسغن، ما جرى بأنه "كابوس أوروبي"، معتبراً أن الخطاب يمثّل تدخّلاً أميركياً في السياسة الداخلية الأوروبية.

والتقى فانس زعيمة حزب البديل اليميني أليس فايدل. وأثار ذلك الاجتماع جدلاً واسعاً، خاصةً أن فانس قد انتقد سياسة جدار الحماية ضد الحزب، حيث تتعهد الأحزاب البرلمانية الألمانية بتهميشه وعدم منحه نفوذاً في تقرير سياسات ألمانيا. كذلك ذهب وزير خارجية الولايات المتحدة، ماركو روبيو، في توجيه اتهامات وانتقادات للاتحاد الأوروبي واتهامه بأنه ينتهج سياسات طاغية ومضطهدة وغير ديمقراطية ضد الأحزاب القومية المتشددة.

تزايد المخاوف الأوروبية

تزايد التقارب اليميني المتشدد عبر الأطلسي، وبالطبع بين أقطابه داخل القارة الأوروبية، مع نزعة واضحة لرجالات ترامب في انتقاد الطبقات السياسية التقليدية في أوروبا، وإرسال رسائل مشوشة حول رسوخ التحالف بين الطرفين، أصبح يزيد من القلق الأوروبي. ويرى مراقبون أن التنسيق الحالي بين حركة ماغا والبديل الألماني يشكّل سابقة خطيرة، نظراً لأنه يجري خارج القنوات الرسمية، وبدون تنسيق مسبق مع الحكومة الألمانية، ما يفتح الباب أمام مخاوف من تدويل التيارات الشعبوية وتطبيع وشرعنة وجودها كشيء مسلم فيه، مع محاولات إعادة تشكيل المشهد السياسي الأوروبي، بعيداً عن القيم الليبرالية التقليدية.

القلق يتصاعد مع تزايد دعم شخصيات نافذة في الإدارة الأميركية لحزب "البديل من أجل ألمانيا"، وهو ما قد يُساهم في تعزيز شرعيته، خصوصاً في غرب ألمانيا، حيث ما زال الحزب يواجه رفضاً شعبياً أكبر مقارنةً بشرق البلاد التي تعاني اجتماعياً واقتصادياً (ألمانيا الشرقية سابقاً التي تعد معقلاً للحزب).

مشاركة اليمين الأميركي المتشدد أفكار التيار الأوروبي، بما فيه البريطاني، ليست بالأمر المستجد، وإن كان مثيراً للقلق الآن بسبب أخبار اللقاءات الأخيرة، ففي عام 2018، سعى المستشار السابق لدونالد ترامب، ستيف بانون، إلى تأسيس منصة لدعم أحزاب اليمين القومي الأوروبي من قلب العاصمة الإيطالية روما، والتقى شخصيات بارزة من الدنمارك والنرويج والسويد وغيرها، إلى جانب لقاءات لاحقة في منتجع "مارا لاغو". وقد اعتُبر ذلك بداية لمحاولة بناء تحالف يميني عابر للأطلسي، وهو ما تحوّل اليوم إلى واقع أكثر وضوحاً بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض مطلع هذا العام.

ويثير هذا التوجه، المدفوع بتوتر العلاقات بين إدارة ترامب والطبقات السياسية الأوروبية التقليدية، قلقاً متزايداً في أوروبا، حيث لا يُنظر إليه باعتباره مجرد خلاف سياسي، بل بوصفه تهديداً عميقاً لرسوخ التحالف الغربي. وبات واضحاً أن دوائر ترامب لم تعد تتحفّظ في التعبير عن رفضها الاتحاد الأوروبي بوصفه مشروعاً فوق قومي، بل تذهب إلى اعتباره تهديداً مباشراً لمصالح واشنطن. في المقابل، تتهم أطراف أوروبية إدارة ترامب بالسعي إلى دعم التيارات القومية لتقويض الاتحاد، والتحرك خارج القنوات الرسمية، ما يثير مخاوف من تدخلات أميركية محتملة في المشهد الانتخابي الأوروبي.

في المحصلة، تعكس هذه التطورات تصاعد تنسيق أيديولوجي بين اليمين المتطرف في أوروبا والشعبوية الترامبية في الولايات المتحدة. وبينما يعدّه أنصاره تحالفاً محافظاً مشروعاً، يحذّر منتقدوه من أنه تهديد للقيم الديمقراطية الأوروبية، واستقطابٌ متنامٍ قد يتعزز أكثر مع ما تبقى من فترة ولاية ترامب.