استمع إلى الملخص
- رغم عدم تلقي تايوان مساعدات مباشرة منذ 1979، إلا أن الدعم العسكري الأميركي نما مؤخراً، مما زاد القلق في تايبيه بعد تجميد ترامب للمساعدات.
- يعتبر بعض المحللين القرار تكتيكياً لإعادة صياغة التفاهمات بين تايبيه وواشنطن، بينما تراه الصين إشارة لتغيير محتمل في الاستراتيجية الأميركية.
أثار قرار الرئيس دونالد ترامب، تجميد المساعدات الأميركية الخارجية، حالة من القلق في تايوان، حيث حذّر نواب في تايبيه من أن هذه الخطوة قد تضعف على نطاق واسع دفاع الجزيرة وأمنها، في وقت تتزايد فيه الضغوط العسكرية من بكين. وقالت عضو الهيئة التشريعية من حزب الشعب التايواني المعارض، لين يي جون، إن "المساعدات العسكرية تعزز قدرتنا على مقاومة التهديدات العسكرية الصينية وتخدم المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة". وأضافت "نظراً لتصاعد التوترات عبر المضيق واستمرار الصين في قمع تايوان دبلوماسياً وعسكرياً، فإن أي تخفيض في المساعدات الأميركية وإغلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية من شأنه أن يجعل موقف تايوان الدولي أكثر خطورة". وحذرت من أن التجميد يؤدي إلى مزيد من عدم اليقين في مضيق تايوان. وفي حين أكدت أن الولايات المتحدة هي الشريك الأمني الأكثر أهمية لتايبيه، شدّدت على أن تايوان يجب أن تعمل على تحسين قدراتها على الدفاع عن النفس لتتماشى مع أولويات واشنطن المتغيرة.
جو فانغ: أصوات بدأت تعلو تحت قبة البرلمان في تايوان لبحث الخيارات البديلة
وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد أصدرت، في 24 يناير/كانون الثاني الماضي، أمراً يقضي بتجميد كل المساعدات الأميركية الخارجية تقريباً لمدة 90 يوماً، لمراجعة مدى توافقها مع السياسة الخارجية للرئيس ترامب. ويستثني الأمر فقط المساعدات الغذائية الطارئة والتمويل العسكري الأجنبي لإسرائيل ومصر، من دون الإشارة إلى شركاء أمنيين رئيسيين للولايات المتحدة مثل أوكرانيا أو تايوان.
قرار تكتيكي
على الرغم من أن تايوان لم تتلقَ مساعدات خارجية أميركية مباشرة منذ أن حوّلت واشنطن اعترافها الدبلوماسي إلى الصين في عام 1979، فقد نما الدعم العسكري في السنوات الأخيرة. ففي عهد الرئيس السابق جو بايدن، وافقت الولايات المتحدة على حزمة ممن المساعدات الأميركية العسكرية التاريخية إلى تايبيه بقيمة 345 مليون دولار أميركي في عام 2023، تلتها حزمة أخرى بقيمة 571 مليون دولار أميركي في العام الماضي، لتزويد تايوان بالأسلحة والتدريب والخدمات مجاناً. كما وافق الكونغرس الأميركي على تقديم قروض من دون فوائد إلى تايوان تصل قيمتها إلى 10 مليارات دولار حتى عام 2027. لكن تجميد ترامب للمساعدات زاد من القلق في تايبيه، خصوصاً بعدما تحركت إدارته لوقف عمل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (يو أس إيد).
وفي رده على سؤال لـ"العربي الجديد" حول خيارات تايبيه ومتابعتها لهذا الملف، قال الباحث الزميل في جامعة آسيا (تايوان)، جو فانغ، إن الحكومة التايوانية تتابع بقلق احتمال وقف المساعدات الأميركية، نظراً لتداعيات هذه الخطوة على أمن الجزيرة ومستقبل المنطقة. وأضاف أنه على الرغم من أن التجميد تعليق مؤقت وليس وقفاً دائماً، فإن أصواتاً بدأت تعلو تحت قبة البرلمان لبحث الخيارات البديلة، مع استمرار التهديدات العسكرية التي تشكلها سلطات البر الرئيسي الصيني. ولفت إلى أن الولايات المتحدة أبلغت تايبيه بأن المراجعة الأميركية تهدف إلى تقييم التوافق مع سياسات ترامب، وأنه لا خوف على مسار التعاون في ظلّ التفاهمات المشتركة بشأن المسألة التايوانية.
لكن جو فانغ أكد في الوقت نفسه أن طبيعة شخصية ترامب المنفلتة، وحديثه السابق عن الدفع مقابل الحماية الأميركية، ومطالبة تايبيه بزيادة إنفاقها الدفاعي، تُدخل السلطات التايوانية في حالة من الشك والريبة، وهنا تبرز الحاجة، بحسب قوله، إلى إجراء مراجعة شاملة وعدم الانتظار 90 يوماً (مدة التعليق الأميركي) لأنه من غير المرجح أن يقدم ترامب أي دعم بصورة مجانية ومن دون مقابل.
وعن الخيارات المتاحة لتايوان، أوضح جو فانغ، أنها تبدو محدودة وقد تجد تايبيه نفسها مضطرة إلى مغايرة نهجها تجاه كل من الصين والولايات المتحدة، خصوصاً أنها تعتمد بشكل أساسي على الولايات المتحدة في تعزيز دفاعاتها العسكرية، مشيراً إلى أن العديد من البرامج والصفقات الدفاعية التي تمّ التوافق عليها في عهد جو بايدن مهددة بالإيقاف، وتشمل: تدريبات مشتركة ومبيعات أسلحة. وقال إن تجميد هذه الصفقات يقوّض مصداقية الولايات المتحدة باعتبارها حليفة لتايوان، وفي اتجاه آخر، يوسّع هامش المناورة بالنسبة لبكين.
جيانغ لي: بكين تدرس قرار ترامب كتغيير ربما في استراتيجيات الردع
المساعدات الأميركية تنتظر "المكاسب"
في المقابل، قال أستاذ العلاقات الدولية في مركز ونشوان للدراسات الاستراتيجية جيانغ لي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن جميع الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة في المنطقة، بما في ذلك تايوان، يعتمدون على الدعم العسكري الأميركي لمواجهة الصين، لذلك ترى بكين في هذا القرار رسالة لحلفاء واشنطن بأنه عاجلاً أم آجلاً سيتم التخلي عنهم عندما تقتضي المصلحة والضرورة ذلك، كما حدث في أفغانستان. وأضاف أنه في الوقت ذاته، تدرس الصين وتحلّل أبعاد القرار من منظور استراتيجي، لأنه يشير إلى تحول في الاستراتيجية الأميركية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بدون أن يعني ذلك الانسحاب من المنطقة، بل ربما في قراءة أخرى، زيادة الوجود العسكري الأميركي بعيداً عن الشراكات الثنائية مع دول المنطقة، ما يعني أننا أمام تغيير في استراتيجية الردع ليس أكثر، وهذا أمر يحفز الصين لأن تكون يقظة ومستعدة لجميع الاحتمالات.
من جهته، قلّل الأستاذ في مركز الدراسات السياسية في جامعة جينان، شياو لونغ، في حديث مع "العربي الجديد"، من تداعيات التعليق المؤقت للمساعدات الأميركية على تايبيه، وقال إن مجرد الاعتقاد بأن ترامب يمكن أن يتخلى عن تايوان هو ضرب من الجنون، نظراً لأهميتها وقيمتها الاستراتيجية. وأضاف أن قرار تعليق المساعدات الأميركية قد لا يعدو عن كونه تكتيكياً يهدف إلى إعادة صياغة التفاهمات السابقة بين تايبيه وواشنطن بما ينسجم من عقلية ترامب العقارية، من أجل تحقيق الحد الأقصى من المكاسب المادية الممكنة، بدون أن يفضي ذلك إلى تراجع أو انحسار للدور الأميركي في دعم الجزيرة الآن ومستقبلاً.