تجدّد المواجهات بين متظاهرين وقوات الأمن في عقارب التونسية

تجدّد المواجهات بين متظاهرين وقوات الأمن في عقارب التونسية

09 نوفمبر 2021
مخاوف من خروج الوضع عن السيطرة في عقارب التونسية (حسام زواري/فرانس برس)
+ الخط -

تتواصل في مدينة عقارب والمناطق القريبة منها في محافظة صفاقس جنوبيّ تونس، اليوم الثلاثاء، عمليات الكرّ والفرّ بين متظاهرين وقوات الأمن، إثر احتجاجات واسعة خرجت مساء أمس الإثنين، ردّاً على قرار وزارة البيئة إعادة فتح مكبّ لتجميع النفايات في المنطقة، فيما أفاد شهود عيان بحرق مركز أمني في المدينة.

ويرفض الأهالي تحويل نفايات محافظة صفاقس المتراكمة منذ 42 يوماً إلى مكبّ للنفايات بالجهة. 

وفيما أدّت الاحتجاجات منذ ليلة أمس إلى الإصابة بحالات اختناق عديدة، نفت وزارة الداخلية التونسية وفاة شاب نتيجة ذلك، وقالت إنه كان بعيداً من مكان المواجهات.

في المقابل، تصرّ عائلة الشاب على أنه توفي نتيجة الاختناق.

وفي هذا السياق، قال المتحدث باسم المحكمة الابتدائية في صفاقس، مراد التركي، إن "تقرير الطب الشرعي الذي أجراه طبيبان شرعيان بمستشفى الحبيب بورقيبة بصفاقس خلص إلى أن الوفاة من الأرجح أن تكون طبيعية من جراء انسداد تام بالشريان التاجي الأيسر الذي تسبب في قصور حاد بوظائف القلب".

وأفاد التركي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، بأن "التقرير تضمن عدم وجود آثار عنف بكامل الجسد، إلى جانب وجود انسداد تام بالشريان التاجي الأيسر وعلامات احتقان بالقلب بمستوى العضلة اليسرى، وأنه تم أخذ عينات من الدم والأنسجة لاستكمال الاختبارات البيولوجية وتحديد أسباب الوفاة بدقة، ولكن الوفاة على الأرجح طبيعية بحسب التقرير".

وقال أحد القاطنين في منطقة عقارب، ويدعى محمد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن الوضع لا يزال محتقناً، مؤكداً أن "قوات الأمن بصدد إطلاق الغاز المسيل للدموع على المحتجين، على خلفية رفضهم عودة مكبّ النفايات بالجهة، لما يسببه من تلوث". وأوضح أن "حالة من الشلل أصابت المنطقة اليوم، وأغلبية المؤسسات مغلقة".

وقال شهود عيان من المدينة لـ"العربي الجديد" إن قوات الأمن تتمركز في محيط مكب النفايات الذي تصله شاحنات  لتفريغ الحمولة، بينما تتمركز فرق من الجيش في السوق والبريد والبنك الفلاحي، وسط المدينة.


بدورها، أكدت الناشطة في المجتمع المدني، ندى الوكيل، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الوضع محتقن"، قائلة إن "عقارب تشهد دماراً كبيراً بعد مواجهات أمس واليوم، وقد أُحرق مركز الأمن بالجهة"، مضيفة أن قوات الأمن انسحبت من المنطقة.

وأوضحت أن "هناك حالة من الاحتقان والغضب بالجهة، وأن حزناً يخيم على عقارب، خاصة أن جنازة الفقيد الذي مات أمس ستنطلق ظهر اليوم"، مضيفة أنه "بحسب شهود عيان، وقع الاعتداء على الراحل أمام المستشفى بالغاز المسيل للدموع".

الصورة
مواجهات مع الأمن في محافظة صفاقس

ويرى الناشط في المجتمع المدني من صفاقس زياد ملولي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "لا يجب تصدير أزمة نفايات صفاقس إلى عقارب أو مدينة المحرص، خاصة أن هذا الأمر قد يسبب نعرات جهوية انطلقت بعض بوادرها".

حلول لمعالجة الأزمة في عقارب

وأكد ملولي أن "صفاقس شهدت كارثة كبرى بعد تجمع النفايات لأكثر من شهر، ولا بد من حلول هيكلية لمعالجة الأزمة"، مشيراً إلى أن "مكبّ القنة يبعد عن عقارب 20 كيلومتراً، وأغلق لمدة 42 يوماً، وفوجئ الأهالي بعودته، خاصة أن الوضع في صفاقس كارثي، والوضع الصحي خطير".


وأضاف أنهم كنشطاء كانوا قد قدموا عدة مقترحات، داعياً الدولة إلى أن "تسارع بقرارات جدية وعاجلة بعيداً من الحلول الأمنية، حيث كان من الأنسب التحاور مع الأهالي وطمأنتهم على أن هذا الحل ظرفي، وأنّ المكبّ سيُغلَق في نهاية السنة".

أما الناشطة بالمجتمع المدني، عايدة الكشو، فقالت إنها تابعت قضية النفايات في عقارب، بحكم أنها فنانة تشكيلية ورسمت عدة لوحات ضد التلوث بالجهة، خاصة بعدما لاحظت انتشار الحشرات وتلوث البيئة.

إعادة التدوير

وأوضحت الكشو، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "المحكمة كانت قد أنصفت سكان الجهة وأصدرت حكماً يقضي بوضع حد للمكب في 31 ديسمبر/ كانون الأول المقبل"، معتبرة أن "حلّ هذا الإشكال لا يكون بمثل هذه الحلول الترقيعية، بل بمشاريع نموذجية تعتمد إعادة تدوير النفايات وفرزها بدل إلقائها في الطبيعة".

اتحاد الشغل يقرر يوم حداد وإضراباً عاماً في عقارب

ندد الاتحاد العام التونسي للشغل وعدد من النقابات في مدينة عقارب التونسية، بـ"التدخل الوحشي الذي لم يستثن الأطفال والنساء والمستشفى".
وقال الاتحاد في بيان اليوم الثلاثاء، حمل توقيع عدد من النقابات، إنه قرر تنفيذ "إضراب عام في القطاعين العام والخاص، ويوم حداد على فقيد عقارب عبد الرزاق لشهب".
وقال البيان إن "المدينة تشهد مواجهات دامية بين قوات الأمن المدججة بكل أنواع السلاح والأهالي العزل، مما أدى إلى وفاة الشاب عبد الرزاق لشهب إثر إصابته مباشرة بقذيفة غاز مسيل للدموع خلافا لما ورد في بلاغ وزارة الداخلية وما تضمنه من مغالطات تدعي وفاته بالمنزل"، بحسب البيان.
وطالبت النقابات بـ"الرفع الفوري للحصار الأمني المضروب على البلدة منذ مساء أمس وتفعيل القرار القاضي بالغلق النهائي للمصب مع ضمان حقوق الشغالين"، داعية إلى "فتح تحقيق جدي في ملابسات جريمة القتل العمد ومحاسبة مرتكبيها".
وقال الموقعون على البيان: "بقدر حرصنا على السلم الاجتماعي فإننا على استعداد للدفاع عن جهتنا بكل أشكال النضال المشروعة، والإعلان عن الجاهزية للتصعيد بشتى الطرق النضالية السلمية في صورة تواصل الوضع الحالي وعدم إيجاد حل جذري للمشكل البيئي بعقارب".

بيان الاتحاد العام للشغل

وأكد "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية"، في بيان له اليوم، أن مدينة عقارب شهدت ليلة الإثنين "تدخلاً أمنياً عنيفاً" لفرض فتح مكب القنة المغلق بقرار قضائي في 11 يوليو/تموز 2019. 

الصورة
مواجهات مع الأمن في محافظة صفاقس

وأوضح المنتدى أن الإغلاق جاء بعد نضالات مدنية سلمية لحراك "مانيش مصب" وأهالي المدينة، مشيراً إلى أن "هذه الأحداث تأتي إثر قرار وزارة البيئة إعادة فتح مصب القنة تبعاً للاجتماع المنعقد برئاسة الجمهورية بحضور رئيسة الحكومة، نجلاء بودن، ووزير الداخلية، توفيق شرف الدين".

وحذر المنتدى من "عودة المعالجات الأمنية للتصدي للمطالب الاجتماعية المشروعة، التي لن تزيد الوضع الاجتماعي والسياسي إلا تعقيداً"، مطالباً وزارة البيئة بـ"احترام تعهداتها واحترام القرارات القضائية والعمل على إيجاد حلول عاجلة للنفايات المتراكمة بولاية صفاقس، وإدارة حوار جهوي تشاركي يفضي إلى حلول تحترم حقوق الأهالي كافة في بيئة سليمة".


واعتبر "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" أن أزمة التعامل مع النفايات في صفاقس لا تعكس فقط "العجز الإداري والمؤسساتي عن إيجاد حلول للمشاكل البيئية"، بل تبرز "قصور التعامل السياسي مع الأزمات الاجتماعية ومواصلة سياسات التعامل الأمني مع المطالب الاجتماعية والبيئية، وتؤبد لصورة الدولة المخلة بتعهداتها وغير الملتزمة قرارات القضاء".

ودعا المنتدى رئاسة الجمهورية إلى القطع مع السياسات السابقة في التعامل مع الاحتجاجات الاجتماعية وفرض حلول أثبتت فشلها، وتفعيل وعودها بإيجاد حلول وبدائل وتصورات حقيقية للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي لطالما تكررت في خطاباتها.