استمع إلى الملخص
- أبدى حزب الله استعداده للحوار بشروط تتعلق بمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، مع ترقب لكيفية تعامل الدولة مع الملف في ظل تباين الآراء.
- تاريخيًا، لم تثمر جلسات الحوار السابقة عن نتائج ملموسة، لكن الضغوطات الدولية قد تدفع نحو خطوات جدية لنزع السلاح.
وضعت الرئاسة اللبنانية ملف سلاح حزب الله على سلّم أولوياتها، تنفيذاً لما تعهّد به الرئيس جوزاف عون في خطاب القسم والحكومة اللبنانية برئاسة نواف سلام، مع تمسّكٍ بمسار الحوار تفادياً لأي سيناريو أمني داخلي، رغم الضغوطات التي تنهال على "العهد" من بعض المكونات السياسية ببتّ المسألة سريعاً، ولو بالقوّة. وأبدت بعض الأحزاب المعارضة لحزب الله، خصوصاً "القوات اللبنانية" برئاسة سمير جعجع، رفضها الحوار والاستراتيجية الدفاعية، لا سيما في ظلّ فشل التجارب السابقة التي اعتُمد فيه هذا النهج، مشددة على أن المرجعية تبقى باتفاق وقف إطلاق النار والقرارات الدولية الملزمة منها 1701 و1559، معوّلة على أن "الفرصة سانحة" اليوم لنزع السلاح في ظلّ تغيّر موازين القوى داخلياً وخارجياً والخسائر التي مُني بها حزب الله إبان الحرب الإسرائيلية وتراجع نفوذه على مستوى القرار اللبناني، إضافة إلى الحراك الخارجي بهذا الصدد.
في المقابل، أعلن حزب الله "الجهوزية" للحوار، لكنه حدّد ثوابت أساسية لذلك، على رأسها أولوية مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية وتحرير الأرض، مشدداً على أن "الحكومة اللبنانية مُطالَبة بتطبيق التزاماتها في بيانها الوزاري لناحية اتخاذ الإجراءات كافة لتحرير الأراضي اللبنانية ومصارحة اللبنانيين بالخطوات التي تقوم بها".
ويبقى الترقب في الأيام المقبلة لكيفية تعاطي الدولة اللبنانية مع الملف، خصوصاً أنه سيوضع قريباً على طاولة الحكومة، في ظل تباين في وجهات النظر بشأن كيفية مقاربة الملف وتوقيته. وكثف الرئيس عون مباحثاته بهذا الشأن، وأعلن أمس الخميس أن حزب الله أبدى الكثير من الليونة والمرونة في مسألة التعاون وفق خطة زمنية معينة في ما خصّ السلاح، ما يطرح علامات استفهام حول ما إذا كانت ستنجح تعهدات عون، أم أن لبنان سيكون أمام جولة جديدة من حوار بلا أي ترجمة ميدانية على غرار جلسات الحوار التي بدأت عام 2006، حتى إنها لم تترجم في البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة التي تمسكت بإدراج معادلة "الجيش والشعب والمقاومة"، عدا أنّ قوة حزب الله العسكرية زادت أضعافاً عمّا كانت عليه عام 2006.
تجارب لبنان مع طاولات الحوار حول سلاح حزب الله
وعقد لبنان طاولات حوار عدّة على مرّ السنين لمناقشة موضوع السلاح والاستراتيجية الدفاعية، أولاها كانت عام 2006 برعاية رئيس البرلمان نبيه بري، واستُكملت بجلسات خلال عامي 2008 و2009، منها عقدت في الدوحة، وصولاً إلى 11 يونيو/ حزيران 2012، حيث صدر ما عُرف بـ"إعلان بعبدا" إبّان عهد الرئيس ميشال سليمان، وكان حزب الله أبدى موافقته عليه، قبل أن يتراجع، خصوصاً أنه في تلك المرحلة كان الحزب أبرز المشاركين والمنخرطين في حروب المنطقة، لا سيما في سورية. وصدر عن هيئة الحوار الوطني وقتها بيان، شدد على التزامات عدة، منها العمل على تثبيت دعائم الاستقرار وصون السلم الأهلي والحؤول دون اللجوء إلى العنف والانزلاق بالبلاد إلى الفتنة، والتمسك باتفاق الطائف ومواصلة تنفيذ كامل بنوده، وتحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليمية والدولية، والالتزام بالقرارات الدولية بما في ذلك القرار 1701.
في الإطار، قال مصدر نيابي في حزب الله، لـ"العربي الجديد"، إنّ "سلاح حزب الله لطالما كان ضرورة لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، خصوصاً أن الدولة لم تتمكن من أداء دورها في هذا السياق، وجلسات الحوار السابقة لم تنجح، لأنه كانت هناك محاولات داخلية مما كان يسمى قوى 14 آذار للقضاء على حزب الله وتنفيذ أجندات خارجية، ومحاولات لإشعال الفتنة، وهذا ما لم نكن سنسمح بحصوله"، مشيراً: "نقف دائماً في صفّ الحوار، ونحن أبدينا انفتاحاً عليه، مع ثوابت أساسية تتمثل في انسحاب إسرائيل الكامل من لبنان ووقف اعتداءاتها على أراضيه".
من جانبه، يقول النائب السابق مصطفى علوش، الذي واكب فترة جلسات الحوار، لـ"العربي الجديد"، إنّ "أولى جلسات الحوار عقدت تحت رعاية رئيس البرلمان نبيه بري عام 2006، وحينها جرى التوصل إلى قرار بسحب السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وبحث استراتيجية دفاعية وإنشاء المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري، ثم اندلعت حرب يوليو/ تموز، وبات الموضوع كله خارج البحث، ومن ثم عاد الحديث عامي 2008 و2009 عن حوار بهذا الخصوص، ورغم إنشاء لجان، إلا أنها لم تدعَ أو دعيت وواجهت خلافات بينها".
ويضيف علوش: "جرى الحوار عن دور سلاح حزب الله في عهد الرئيس ميشال سليمان من خلال ما سُمّي بإعلان بعبدا، لكنه لم يتحدث عن سحب السلاح، بل النأي بالنفس عن صراعات المنطقة. وبطبيعة الحال، أعلن حزب الله أن الكلام حبر على ورقه، وهو غير ملتزم به، كذلك لم يناقش السلاح في أي لحظة في البرلمان، وبقي الموضوع بمثابة تابو، وحتى في ما يخص البحث بتطبيق القرارات الدولية والدستور اللبناني، لم يطرح حتى هذه اللحظة موضوع القرار 1701 الجديد في مجلس النواب للمناقشة، أو سقوط حزب الله".
ويلفت علوش إلى أن "لبنان بمختلف أشكاله على المستوى الرسمي والبرلماني لم يتجرأ على مناقشة الكلام، حتى تطبيق اتفاق الطائف بكامل مندرجاته والدستور اللبناني، وما أجبر حزب الله اليوم على الذهاب إلى بحث الموضوع هو الواقع على الأرض، فهناك حقيقة أن السلاح تم تدميره بشكل كبير، وهناك أضرار كبرى على مستوى البنية التحتية، عدا وضع إيران الجديد، التي ربما لا تريد أن تدعم القوى المرتبطة بها لأسباب تتعلق بالحصار والتهديدات الأميركية".
ولا يستبعد علوش أن يسلم حزب الله سلاحه، لكن في المقابل، "سيسعى للحصول على مكتسبات سياسية، تعطي الانطباع بأن التضحيات والدمار والدماء أنتجت مكاسب سياسية، أقله على مستوى الطائفة الشيعية، ربما منها حماية نفسه من المساءلة والملاحقات القضائية في العديد من الملفات والقضايا".
"خطى جدية" نحو نزع سلاح حزب الله
من جانبه، يقول العميد المتقاعد والأستاذ الجامعي المتخصّص بالقانون الدولي رياض شيّا لـ"العربي الجديد" إن "الحرب الإسرائيلية الأخيرة أنتجت بالمفهوم العسكري هزيمة كاملة لحزب الله، وجعلته يوافق على وقف إطلاق النار في 26 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لا بل يطلبه، وضمن الاتفاق نزع سلاح حزب الله ابتداء من جنوب لبنان، وعدم السماح له ليس فقط بامتلاك السلاح، بل أيضاً عدم استيراده وتهريبه"، مضيفا: "لبنان يواجه اليوم ضغوطات بربط مسألة نزع السلاح بالمساعدات، ليس فقط لإصلاح الخراب وإعادة بناء ما دُمّر، بل أيضاً إصلاح وضعه الداخلي والاقتصادي والأمني، عدا التهديد باستمرار الاعتداءات الإسرائيلية واحتلال مواقع لبنانية طالما أن حزب الله موجود بصفته قوة عسكرية".
ويرى شيّا أن "لبنان يسير بخطى جدية في هذا الإطار، وهو ما أكده عون في خطاب القسم، وسلام على مستوى البيان الوزاري لحكومته". وقال إن "الجيش اللبناني يقوم بدور كبير بالتزامه بالاتفاق وتنفيذ موجباته بمعاونة يونيفيل في الجنوب، وقام بمئات العمليات لتفتيش مواقع قديمة لحزب الله ومخازن ومصادرة كميات من الأسلحة".
ويشير شيّا إلى أن "محاولات عدة حصلت في الماضي لوضع استراتيجية دفاعية، وكان هناك إصرار بذلك، خصوصاً بعد انتهاء حرب يوليو 2006، وصدور القرار 1701". وقال: "بدأ الحوار برعاية الرئيس بري قبل أن ينتقل إلى قصر بعبدا في عهد ميشال سليمان، ويصدر إعلان بعبدا في عام 2012، وحصل وقتها نوع من التوافق بين القوى السياسية، وضمنها حزب الله، على وضع استراتيجية دفاعية يكون طبعاً العنصر الأساسي فيها نزع السلاح وانتقال قرار السلم والحرب إلى الدولة اللبنانية، لكن عاد حزب الله ورفض ذلك، وتوقفت من حينها كل الإجراءات، ومن أبرز أسباب الرفض، الدور الكبير الذي كان يلعبه إقليمياً من سورية إلى العراق فطهران، والعمليات التي كان يقوم بها ويديرها على مستوى العالم خدمة لمشاريع إيرانية وسياسة إيران في الخارج".
ويرى شيّا أن "هناك مماطلة اليوم من جانب حزب الله مرتبطة بالوضع في إيران، التي تواجه تهديدات إسرائيلية، وتستعد لخوض مفاوضات مع الولايات المتحدة في عُمان، في ظل استراتيجية واضحة من الولايات المتحدة للتخلص من الضغوط السابقة ومن التمدد الإيراني عبر القضاء على كل أذرع إيران في الخارج". ويضيف: "من هنا، فإن إيران تحاول التمسك بآخر ما تملك من أوراق لتستخدمها في مفاوضاتها مع أميركا، وآخر ما يمكن أن تتمسك به وتفاوض عليه هو سلاح حزب الله، لكن برأيي، إيران سترضخ وحزب الله سيرضخ وسيسلم سلاحه للدولة".