تايوان خط أحمر أميركي

تايوان خط أحمر أميركي

24 مايو 2022
يقوم بايدن بجولة آسيوية هي الأولى له منذ تسلمه السلطة (نيكولاس داتيش/فرانس برس)
+ الخط -

في إبريل/نيسان 2001، أجاب الرئيس جورج بوش الابن عن سؤال لصحافي في شبكة "إيه بي سي"، عما إذا كان لدى واشنطن التزام للدفاع عن تايوان إذا ما تعرضت الجزيرة لهجوم صيني، بقوله "نعم، وعلى الصينيين فهم ذلك"، مضيفاً في رد على سؤال ثانٍ حول ما إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام قوتها، بقوله "سنفعل كل ما في وسعنا لمساعدة تايوان على الدفاع عن نفسها".

حينها، اعتبر التصريح "زلّة لسان" من الرئيس الجمهوري، ليعيد البيت الأبيض التأكيد على سياسة "الصين الواحدة"، في إشارة إلى اعتبار الصين تايوان جزءاً من أراضيها، واستمرار الولايات المتحدة اتباع سياسة "الغموض الاستراتيجي" تجاه الجزيرة، لجهة عدم الكشف عن خططها العسكرية لحمايتها، وخوض حروبها بعيداً عن منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

بايدن يتعهد بالتدخل عسكرياً لحماية تايوان

أمس الإثنين، بدا أن المشهد يتكرر مع الرئيس الأميركي جو بايدن من اليابان، حيث يقوم بجولة آسيوية هي الأولى له منذ تبوئه الرئاسة، إذ ركز على التذكير بأن البوصلة الأميركية في القرن الـ21 تتجه شرقاً، لكنه رفع السقف بشكل غير مسبوق تجاه حماية الجزيرة، مؤكداً بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة الأميركية، بأنه سيكون مستعداً لاستخدام القوة للدفاع عن تايوان، قبل أن تخرج توضيحات من البيت الأبيض تحفف من وطأة تصريحات بايدن.

يعقد بايدن اليوم قمة "كواد" مع أستراليا واليابان والهند

ورد الرئيس الأميركي جو بايدن أمس الإثنين، خلال مؤتمر صحافي مشترك في طوكيو مع رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، على سؤال صحافي عما إذا كانت الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان إذا ما هاجمتها الصين، بقوله: "نعم، هذا هو التعهد الذي قطعناه على أنفسنا"، مضيفاً أن "هذا هو ما نلتزم به. نتفق مع سياسة صين واحدة. وقّعنا على ذلك، وعلى كل الاتفاقات التي أبرمت بعد هذه النقطة. لكن فكرة الاستيلاء على تايوان بالقوة غير ملائمة". وعلى الرغم من تأكيده أنه لا يتوقع حدوث ذلك، حذّر الرئيس الأميركي من أن الصينيين "يلعبون بالنار بالفعل حالياً عبر التحليق بالقرب (من تايوان) وكل المناورات التي يقومون بها".

كما أدلى بايدن بتصريحات أخرى صارمة بشأن تزايد نفوذ الصين في المنطقة، قائلاً إنه يأمل أن يدفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ثمن غزوه لأوكرانيا، وجزء من ذلك يعود إلى رغبته في أن تعرف الصين ما ستواجهه إذا ما أقدمت على غزو تايوان. وحول ذلك، قال بايدن: "يجب أن تدفع روسيا ثمناً طويل الأمد على وحشيتها في أوكرانيا. الأمر لا يقتصر على أوكرانيا فقط"، لأنه "إذا لم يتم الإبقاء على العقوبات على مستويات عدة، فأي إشارة سوف توجه إلى الصين حول ثمن محاولة للسيطرة على تايوان بالقوة؟".

توضيح من البيت الأبيض

وبحسب ما أوردت وكالة "رويترز" فإنه خلال المؤتمر الصحافي، انتبه مستشارو بايدن للأمن القومي لخطورة تصريحه حول الانخراط العسكري الأميركي، ونظر كثيرون منهم إلى الأسفل عندما قدّم التزامه بشأن التدخل عسكرياً للدفاع عن تايوان. ونقلت وكالات الأنباء عن مسؤول في البيت الأبيض طلب عدم ذكر اسمع تأكيده أنه لا يوجد تغيير في السياسة الأميركية تجاه تايوان. وأضاف المسؤول: "كما قال الرئيس، سياستنا لم تتغير"، مؤكداً مجدداً "على سياسة صين واحدة والتزامنا بالسلام والاستقرار عبر مضيق تايوان". كما أكد على الالتزام الأميركي "بموجب قانون العلاقات مع تايوان بتزويد تايوان بالوسائل العسكرية للدفاع عن نفسها".

وبغض النظر عن توضيحات البيت الأبيض لاحقاً التي أكدت أن حديث بايدن لا يمثل تغييراً في السياسة الأميركية حول الجزيرة التي تتمتع بحكم ذاتي، فإن ما قاله الرئيس الأميركي يحمل دلالات عدة، تتخطى تحذير بكين بشكل لا لبس فيه من مغبة اجتياح تايوان على غرار الاجتياح الروسي لأوكرانيا، والردّ على دعمها لموسكو بعدما ارتفعت صادرات الغاز الروسي إلى الصين بنسبة 60 في المائة خلال الأشهر الأربعة الماضية.

وتشير تصريحات بايدن إلى مدى استعداد الأميركيين للانخراط عسكرياً في منطقة الهادئ – الهندي، وحيث تدور أكثر الديناميات الاقتصادية والسياسية استراتيجية في العالم، خصوصاً بعدما أعلن بايدن أمس عن الشراكة الاقتصادية الجديدة في المنطقة، لصدّ تمدد مشروع "الحزام والطريق" الصيني.

قانون 1979 والغموض الاستراتيجي

وكان الأميركيون قد وضعوا على الطاولة مع بدء الاجتياح الروسي لأوكرانيا، إمكانية إقدام الصين على غزو تايوان، أسوة بما فعله الروس في أوكرانيا، كأول فرضية عسكرية دولية سيكون عليهم مواجهتها والتعامل معها، ما دفعهم إلى تعديل أو محاولة تعديل سياسة تسليح تايوان بما يتناسب مع أي اجتياح صيني محتمل، ومن ضمن ذلك حثّ الجزيرة على التزود بأسلحة غير تقليدية لصدّ أي غزو صيني بحري.

حذّرت بكين من "إساءة تقدير عزيمة الشعب الصيني"

ويضغط الجمهوريون والديمقراطيون في الكونغرس الأميركي، لتسليح تايوان بما يجعلها مثل حيوان "النيص" بمواجهة الصين، أي كثيرة الأشواك، ما يصعّب أي هجمات صينية محتملة. في موازاة ذلك، كثّفت البحرية الأميركية مرور مقاتلاتها الحربية في مضيق تايوان أخيراً، كما سارعت إلى إرسال وفد رفيع المستوى إلى جزر سليمان، للتحذير من عواقب توقيعها اتفاقياً أمنياً واسع النطاق مع الصين، يمنح الأخيرة موطئ قدم في جنوب المحيط الهادئ.

كما أقدم بايدن بزيارته الآسيوية التي شملت أيضاً كوريا الجنوبية، على رسم خريطة التحالفات في المنطقة، من "أوكوس" (للغواصات النووية مع بريطانيا وأستراليا)، إلى تعزيز تحالف "كواد" (الولايات المتحدة وأستراليا واليابان والهند)، وأخيراً إلى الكشف عن الشق الاقتصادي من استراتيجية هذه الإدارة لمنطقة الهادئ والهندي.

وإذا كان بايدن بتصريحه أمس يخرج بشكل واضح عن سياسة الغموض الاستراتيجي الأميركي تجاه تايوان، من دون أن تكون واشنطن قد أعلنت عن أن لديها خطة عسكرية بحال غزو الصين لتايوان، فإنه يعيد الاعتبار لسياسة الرئيس الأسبق باراك أوباما، القاضية بـ"إعادة التخندق"، والتوجه نحو آسيا، مع رفع السقف رداً على سياسة الرئيس الصيني شي جين بينغ، المعروفة باسم سياسة "الذئب المحارب".

واتفقت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة على وجود صين واحدة تشمل تايوان، لكنها اتبعت سياسة "الغموض الاستراتيجي" بشأن ما إذا كانت ستتدخل في صراع عسكري حول الجزيرة. ولطالما تجنبت واشنطن منذ عقود تقديم أي التزام عسكري من النوع الذي قدّمه بايدن أمس إلى تايوان، التي لم تعد تربطها بها أي معاهدة دفاعية مشتركة.

ويحكم العلاقات بين البلدين قانون 1979 الأميركي للعلاقات مع تايوان، والذي لا يلزم أميركا بالتدخل عسكرياً لحماية الجزيرة، لكنه يجعل ضمان حصول تايوان على الموارد للدفاع عن نفسها ومواجهة أي محاولة تغيير أحادي (من قبل الصين) لوضعها، جزءاً من السياسة الأميركية. ويعتبر القانون أن أي محاولة لتحديد المستقبل السياسي لتايوان بغير الوسائل السلمية، هو تهديد للمصالح الأميركية، ويلتزم من خلاله الكونغرس الأميركي ببيع الأسلحة الدفاعية لتايوان، مع تجنب واشنطن ذكر ما إذا كانت ستنخرط عسكرياً للدفاع عن الجزيرة بحال تعرضها لهجوم.

وأثار تصريح بايدن غضب الصين، التي تنظر بعين الريبة إلى جولته الآسيوية. وقالت بكين أمس، إنها مستعدة للدفاع عن مصالحها الوطنية في ما يتعلق بتايوان. وقال المتحدث باسم الخارجية الصينية وانغ ونبين: "لا ينبغي لأحد أن يسيء تقدير عزيمة الشعب الصيني الحازمة وإرادته القوية في الدفاع عن السيادة الوطنية وسلامة أراضي" الصين، مضيفاً أنه "لا مجال للتهاون أو تقديم تنازلات في أمور تتعلق بسيادة الصين ووحدة أراضيها".

من جهتها، رحبت وزارة الخارجية التايوانية بتصريح بايدن، حول إعادة التأكيد على التزام واشنطن الصلب بدعم تايوان، مؤكدة على لسان المتحدثة باسمها جوان أو، أنها ستعمق التعاون مع دول عدة من بينها الولايات المتحدة واليابان. وقالت الوزارة إن "التحديات التي تفرضها الصين على مسألة الأمن في مضيق تايوان قد أثارت قلقاً كبيراً من المجتمع الدولي". وأضافت الوزارة أن "تصميم الحكومة التايوانية على حماية حرّية تايوان، وديمقراطيتها وأمنها، لم يتغير أبداً".

إلى ذلك، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أمس في طوكيو عن إطلاق شراكة اقتصادية جديدة في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، تضم 13 دولة بينها الولايات المتحدة واليابان، ولكن من دون الصين. ولا يُعد "الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ" اتفاقية تجارة حرّة ولكنه ينص على مزيد من التكامل بين الدول الأعضاء في 4 مجالات رئيسية هي الاقتصاد الرقمي وسلاسل الإمداد والبنية التحتية للطاقة النظيفة ومكافحة الفساد، على أن يعقد اليوم الثلاثاء في العاصمة اليابانية قمة لمجموعة "كواد"، التي تضم إلى بلاده، أستراليا واليابان والهند.

(العربي الجديد، رويترز، فرانس برس، أسوشييتد برس)