اختار مكتب البرلمان عدم المجازفة وخوض الجلسة العامة الانتخابية للمحكمة الدستورية، المقررة اليوم الخميس، بسبب غياب الحد الأدنى من التوافق حول أي من المرشحين السبعة لمجلسها، ليقر المجلس التأجيل مرة أخرى إلى موعد غير معلوم.
ويأتي ذلك بعد امتناع الرئيس التونسي، قيس سعيّد، عن ختم تعديلات قانون المحكمة الدستورية بخفض الأغلبية لاختيار المرشحين، التي كانت بمثابة المخرج الذي وجده البرلمان لتجاوز عقبة الأغلبية المطلوبة لانتخاب أعضائها، بعدما عجز عن تمرير المرشحين بشرط تصويت الثلثين (145 صوتاً) على الأقل.
ويتعين على البرلمان انتخاب 3 أعضاء من أصل 4، بعدما نجح في انتخاب مرشح وحيد خلال المدة الماضية، وكان يفترض أن تُعرض ملفات 7 مرشحين اقترحتهم الكتل على الجلسة الانتخابية، منهم خمسةُ مختصون في القانون واثنان من غير المختصين.
وألقت أزمة الحكم بظلالها على انتخابات المحكمة الدستورية لتزداد تعقيدات انتخابات الأعضاء الثلاثة المطلوب من البرلمان انتخابهم، بسبب توتر الأجواء السياسية واحتدام صراع الصلاحيات بين رئيس الجمهورية، والائتلاف البرلماني الحاكم الداعم لرئيس الحكومة هشام المشيشي.
وعلاوة على استحالة جمع أغلبية الثلثين من الأصوات (145 من جملة 217 نائبا) لانتخاب مرشحي الكتل بسبب حالة التشرذم وعدم امتلاك ائتلاف الحكم لأغلبية مريحة، ازداد الوضع صعوبة برد سعيّد لتعديلات قانون المحكمة الدستورية التي كانت تمثل مخرجا برلمانيا بخفض الأغلبية إلى ثلاثة أخماس أي 131 صوتا لإتاحة نوع من التقارب بين الكتل ينهي أزمة انتخاب بقية الأعضاء.
ويبدو أن موقف الرئيس من التعديلات وتصريحاته الأخيرة حول رفض ما جاء فيها غيّر وجهة عدد من البرلمانيين خصوصا في المعارضة.
وأعلن البرلمان في بيان مقتضب، نبأ إرجاء جلسة اليوم الخميس، وهذه ليست المرة الأولى التي تتأجل فيها الجلسة الانتخابية، بل إن البرلمان الحالي المنتخب في خريف 2019 لم ينجز أي جلسة لإتمام انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية واكتفى بتأجيل انعقادها مرارا وتكرارا.
وفي السياق، أقر المكتب إحالة رد مشروع القانون الأساسي المتعلّق بتعديلات المحكمة الدستورية إلى الجلسة العامة ليومي 14 و15 أبريل/ نيسان المقبل، بحسب البيان نفسه الذي أشار إلى أن المكتب أقر عرض مراسلة رئيس الجمهورية للتداول مرة ثانية وفق أحكام الفصل 81 من الدستور.
واعتبرت أستاذة القانون الدستوري وخبيرة الشأن البرلماني، منى كريم الدريدي، في تعليقها لـ"العربي الجديد" أن "الذهاب نحو انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية يحتاج توافق 6 كتل من 9 كتل على أقل تقدير وهو أمر شبه مستحيل بالعودة لتوزيع خارطة القوى البرلمانية التي لم تعرف توافقا منذ بداية المدة سوى عند تشكيل الحكومة".
وأضافت كريم أن "خيارات البرلمان محدودة، بل إنه أمام خيارين أحلاهما مر وفي كليهما مس بصورته؛ ما جعله يذهب نحو السيناريو السيئ تفاديا للأسوأ بتأجيل الجلسة الانتخابية وما لها من تبعات عن مدى جدية وصدقية والتزام البرلمانيين بهذا الاستحقاق الدستوري متجنبا جلسة مجهولة النتائج".
وبينت كريم أن "البرلمان يحوم في حلقة مفرغة بين استحالة انتخاب الأعضاء وصعوبة تمرير تعديلات قانون المحكمة في القراءة الثانية بعد رد الرئيس، حيث يحتاج الأمر إلى ثلاثة أخماس الأعضاء أي 131 صوتا للمصادقة على القانون من جديد".
وأشارت إلى أن "البرلمان محاصر بين مطرقة الرئيس سعيّد وسندان الخلافات داخله؛ فحتى إن نجح البرلمان في تمرير التعديلات في القراءة الثانية كما ينص عليها البند 81، يبقى رفض الرئيس ختم القانون واردا رغم وجوبية ذلك لاعتبار قراءته المتعلقة بانقضاء الآجال المنصوص عليها في البند 148 التي تنص على ضرورة إرسائها في أجل سنة من المصادقة على الدستور".
وأوضحت كذلك أنه "يستحيل تعديل الدستور لإلغاء هذا الأجل بالعودة للبند 131 الذي يفرض عرض أي تعديل دستوري على المحكمة الدستورية التي لم تر النور بعد".