تأجيل تسليم المحتجزين وتهديدات ترامب لحماس... سير على حافة الهاوية
استمع إلى الملخص
- التوترات السياسية والتصعيد الأمريكي: تزامن التأجيل مع تهديدات من الرئيس الأمريكي السابق ترامب بإلغاء الاتفاق، مما يعكس تماهياً مع الموقف الإسرائيلي ويزيد من احتمالية فشل المفاوضات.
- تحليلات الخبراء: يعتبر الخبراء التأجيل متوقعاً بسبب عدم التزام إسرائيل، ويشيرون إلى أن المقاومة الفلسطينية تستخدم ورقة المحتجزين للضغط، وسط تصعيد محتمل بسبب التصريحات الأمريكية والإسرائيلية.
أعاد إعلان أبو عبيدة، الناطق العسكري باسم كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس، أول من أمس الاثنين، تأجيل تسليم الدفعة السادسة من المحتجزين الإسرائيليين المقرر الإفراج عنهم السبت المقبل، تسليط الضوء على هشاشة اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، الذي بدأت مرحلته الأولى في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي، وتعزيز فرص انهياره في أي وقت. وأعلنت كتائب القسام، مساء أول أمس، تأجيل تسليم المحتجزين المشمولين بالدفعة السادسة من تبادل المحتجزين والأسرى بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، "حتى إشعار آخر"، بناء على الخروقات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار، المتمثلة في "تأخير عودة النازحين إلى شمالي قطاع غزة، واستهدافهم بالقصف وإطلاق النار في مختلف مناطق القطاع، وعدم إدخال المواد الإغاثية بكافة أشكالها بحسب ما اتفق عليه". ولفتت إلى أن المقاومة بالمقابل "نفذت كل ما عليها من التزامات".
عقب إعلان تأجيل تسليم المحتجزين الإسرائيليين، قالت الحركة في بيان إنها تعمدت أن يكون هذا الإعلان قبل خمسة أيام كاملة من موعد تسليم المحتجزين، "لإعطاء الوسطاء الفرصة الكافية للضغط على الاحتلال لتنفيذ ما عليه من التزامات، ولإبقاء الباب مفتوحاً لتنفيذ التبادل في موعده إذا التزم الاحتلال بما عليه". وشدّدت "حماس" على أنها نفذت كل ما عليها من التزامات بدقة وبالمواعيد المحددة، بينما سجل الاحتلال العديد من الخروقات. وكانت مصادر قيادية في الحركة قد أشارت، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن المرحلة الحالية تشهد عرقلة وتلكؤاً إسرائيلياً واضحاً في إطلاق الجولة الثانية من المفاوضات (كان من المفترض أن تبدأ في الثالث من فبراير/ شباط الحالي)، ما يشكل إشارات سلبية بالنسبة للفصائل الفلسطينية. غير أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو دعا، عقب إعلان "القسام" تأجيل تسليم المحتجزين الإسرائيليين، لاجتماع طارئ لمناقشة التطورات المتعلقة باتفاق وقف إطلاق النار وتنفيذ الصفقة، فيما صدرت أوامر لجنود الاحتلال، عقب الإعلان عن تأجيل تسليم المحتجزين الإسرائيليين، بوقف الإجازات والاستعداد لكافة السيناريوهات.
أما اللهجة التصعيدية فقد جاءت على لسان ترامب الذي قال للصحافيين في المكتب البيضاوي بواشنطن، مساء أول من أمس، إنه "إذا لم تتم إعادة جميع الرهائن (المحتجزين الإسرائيليين) بحلول الساعة 12 ظهر السبت (المقبل)، وأعتقد أنه وقت مناسب، أود أن أقول، ألغوا الاتفاق وستنهار كل الرهانات ودعوا الجحيم يندلع". وهدد بأنه "يجب إعادتهم بحلول الساعة 12 ظهراً يوم السبت، وإذا لم تتم إعادتهم جميعاً. ليس اثنين وواحد وثلاثة وأربعة، السبت الساعة 12 ظهراً. سوف يندلع الجحيم". وعندما سُئل ترامب عما قد يستتبعه "الجحيم" في غزة، رد بقوله: "ستعرفون، وسيكتشفون، ستكتشف حماس ما أعنيه". وأضاف: "أتحدث باسمي الشخصي، وإسرائيل هي التي تقرر ما إذا كانت ستتبنى هذا الموقف أم لا. قد أناقش هذا الموعد النهائي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو".
تعكس هذه التهديدات تماهياً لدى الإدارة الأميركية مع الموقف الإسرائيلي، ما يعزز الخشية من فشل جولة المفاوضات الثانية، حتى قبل أن تبدأ، وسط مواقف ترامب ومساعي نتنياهو لإفشال المرحلة الثانية (تتضمن الإفراج عن باقي المحتجزين والانسحاب الإسرائيلي من القطاع ووقفاً دائماً للحرب). علماً أنه لا يزال لدى المقاومة الفلسطينية قرابة 80 محتجزاً إسرائيلياً، بعد تسليم 16 إسرائيلياً وإسرائيلية في الدفعات الخمس التي جرت على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية من تنفيذ المرحلة الأولى للاتفاق.
تأجيل تسليم المحتجزين خطوة متوقعة
اعتبر مدير مركز رؤية للتنمية السياسية (مقره إسطنبول)، أحمد عطاونة، أن الإعلان عن تأجيل تسليم المحتجزين ضمن الدفعة السادسة للتبادل "كان متوقعاً بناء على سير عملية التبادل خلال الدفعات الخمس الماضية". وأوضح في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المتابع لسير عملية التبادل وبالذات في شقها الإنساني، كان يعتقد أن المقاومة الفلسطينية ستكون مضطرة إلى هذا التعطيل أو هذا التأجيل لأن الاحتلال لم يلتزم بشكل كبير بتنفيذ الشق الإنساني".
أحمد عطاونة: لا توجد بين يدي الفلسطينيين والمقاومة في غزة ورقة للضغط إلا ملف المحتجزين الإسرائيليين
وبحسب عطاونة، فإنه "لم تدخل إلى شمالي القطاع الكثير من المواد التموينية أو الماء والدواء، عدا عن الخلل الكبير في إدخال الخيام والبيوت المتنقلة، وهو الجزء الأهم في الموضوع الإنساني"، مبيّناً أنه "لا توجد بين يدي الفلسطينيين والمقاومة الفلسطينية في غزة ورقة للضغط إلا ملف الأسرى الإسرائيليين لديها، وبالتالي هذا التعليق (التسليم) كان موضوعياً ومنطقياً ومتوقعاً في ظل المماطلة الإسرائيلية والتسويف". وحول تأثير ذلك على اتفاق وقف إطلاق النار، أشار عطاونة إلى أن تأجيل تسليم المحتجزين "يفترض ألا ينعكس سلباً، لأن المطلوب من الوسطاء أن يضغطوا على الاحتلال كي يلتزم بالاتفاق الذي يتضمن بنوداً واضحة، أخل بها الاحتلال وعليه الالتزام بها خلال الفترة الحالية".
لكن الخشية، برأيه، "ليست من الاتفاق نفسه بل هي ناجمة عن التصريحات الأميركية والموقف المتطرف الذي أغرى الاحتلال ونسق معه لتعطيل هذا المسار من أجل الدفع لعودة الحرب من جديد، لإجبار الفلسطينيين على التهجير". ولفت إلى أن "التهديدات التي يطلقها الرئيس الأميركي سواء بأنه سيفتح أبواب الجحيم إذا لم يطلق سراح الأسرى، أو الأخطر منها المتمثل في موضوع تهجير الفلسطينيين من سكان (قطاع) غزة وتحويله إلى ريفيرا وامتلاكه، تنسجم تماماً مع الأهداف الإسرائيلية من هذه الحرب". واعتبر أن "الولايات المتحدة كانت شريكاً كاملاً للاحتلال منذ بداية هذه الحرب، سواء بالأسلحة والاستخبارات وبالجهد الحربي أو بالتمويل، وبالتالي يأتي هذا الموقف الأميركي معبراً عن مدى الانسجام مع الأفكار اليمينية الإسرائيلية".
متغيرات ومواقف
رأى الباحث والكاتب في الشأن السياسي الفلسطيني محمد الأخرس أن الموقف الذي عبرت عنه المقاومة "ينتمي لطبيعة التغيرات التي أحدثها نتنياهو على الاتفاق خلال الفترة الماضية، بالإضافة للتغيرات التي يريد إحداثها". وأوضح في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "نتنياهو رفع منذ عودته من واشنطن (اختتمها الأحد الماضي)، سقف التصريحات والتهديدات بخصوص الاتفاق والصفقة، بالتزامن مع عدم بدء مفاوضات المرحلة الثانية حتى الآن". وفي هذا الإطار، أشار محمد الأخرس إلى "التسريبات التي يقوم بها نتنياهو عبر الصحافة الإسرائيلية، بأنه لا يريد الانتقال للمرحلة الثانية من الصفقة وطرح سيناريوهات الاستعاضة عنها بمرحلة انتقالية".
محمد الأخرس: ترامب يريد تسريع عملية التبادل حتى لو ذهبت الأمور نحو موجة تصعيد
أما عن موقف المقاومة، فرأى أنه "قد يكون اختباراً للموقف التفاوضي الإسرائيلي والأميركي، وما إذا كانا جادين في الذهاب للمرحلة الثانية من الاتفاق أم أنهما يريدان الاكتفاء بالمرحلة الأولى من الصفقة وتمديدها بدون أي استحقاقات سياسية". وتساءل: "إذا لم يستطع الوسطاء عملياً أن يدفعوا الاحتلال نحو الالتزام بما تم التوافق عليه من خطوط عامة في الاتفاق من المرحلة الأولى، فما الذي يضمن عملياً أن يستطيعوا أن يضمنوا ربط المراحل بعضها مع بعض (عبر استمرار المفاوضات) كما نص الاتفاق؟". وبشأن تهديدات ترامب، اعتبر محمد الأخرس أنه "من الواضح أن ترامب غير راضٍ أو متحمس للصيغة الحالية التي جرى التوقيع عليها ويريد تسريع عملية التبادل حتى لو ذهبت الأمور نحو موجة تصعيد، وإن كان هذا السيناريو غير راجح حتى الآن". ونبّه إلى أن ترامب "قد يكون معنياً بالدفع نحو صيغة جديدة تقوم على فكرة تسريع الإفراج عن أكبر عدد ممكن من الأسرى (الإسرائيليين) خلال فترة التبادل وليس بالصيغة الحالية التي تشهد الإفراج عن ثلاثة أسرى أسبوعياً (في أحد الأسابيع جرت جولتين من التبادل)". وبرأيه، فإن ما سيحدد شكل المرحلة المقبلة "مرتبط بزيارة مبعوث ترامب ستيف ويتكوف للمنطقة، وما سينتج عن الاتصالات التي سيقوم بها الوسطاء، وهو ما سيحدد بالضرورة شكل المرحلة الثانية".