تأثير ترامب يصل إلى انتخابات أستراليا: نفور يدعم المعتدلين

03 مايو 2025
ألبانيز خلال جولة انتخابية بمورايفيلد شرق أستراليا، 2 مايو 2025 (آسانكا راتناياكي/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تُجرى الانتخابات العامة في أستراليا بهدوء، حيث يتنافس حزب العمال بقيادة أنتوني ألبانيز مع الائتلاف الليبرالي بقيادة بيتر داتون وسط تحديات اقتصادية مثل غلاء المعيشة والتضخم.

- تشير استطلاعات الرأي إلى احتمال فوز حزب العمال بأغلبية ضئيلة، حيث يطرح ألبانيز سياسات اقتصادية للطبقة الوسطى، بينما يواجه داتون انتقادات بسبب خططه للطاقة النووية.

- تظل قضية السكان الأصليين حساسة، حيث دعم ألبانيز الاستفتاء لمنحهم المزيد من الحقوق، مما يعكس التحديات الاجتماعية والسياسية في أستراليا.

انتخابات دول العالم في وادٍ وانتخابات أستراليا في وادٍ آخر، وكأن الأستراليين يعيشون على كوكب آخر. هكذا تقول مقدمة تقرير نشرته صحيفة ذا غارديان البريطانية، في 18 إبريل/نيسان الماضي، عن المعركة الانتخابية الحامية في أستراليا، والمقرّرة اليوم السبت، حيث تتقارب نتائج استطلاعات الرأي بين "العمّال" والمحافظين، مع تفضيلٍ انتخابي للعمّال، الذين يتطلعون إلى أرقام تسمح لهم بتشكيل حكومة أغلبية.

لكن الرأي العام يميل إلى أن انتخابات أستراليا التشريعية، التي سيصوّت فيها الأستراليون لملء مقاعد البرلمان (151)  ونصف مقاعد مجلس الشيوخ (38 من أصل 76)، تجرى بوتيرة ممّلة، وبسقف منخفض من الأجندات، في وقت يعيش العالم على وقع الاضطرابات التي تحدثها عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، والحرب التجارية العالمية التي من شأنها أن تجعل أزمة التضخم وارتفاع تكلفة المعيشة في أستراليا، التي تحتل حالياً صدارة مشاغل الناخبين، أكثر حدّة. وليست أستراليا بمنأى أيضاً عن المنافسة الصينية الأميركية، وعلاقتها بكل من بكين وواشنطن، ودورها السياسي في عدد كبير من الصراعات الدولية.

يهيمن غلاء المعيشة والتضخم وارتفاع أسعار السكن على مشاغل الأستراليين

إلزامية الانتخاب في أستراليا

وتجري أستراليا، اليوم السبت، انتخاباتها العامة، حيث يصوت الناخبون بشكل إلزامي (أستراليا من الدول القليلة في العالم التي تلزم ناخبيها فوق 18 عاماً على المشاركة في الانتخابات) لاختيار كامل أعضاء الغرفة السفلى من البرلمان، وعددهم 151 بحسب موقع البرلمان، ونصف أعضاء مجلس الشيوخ الذي يضم بالمجمل 76 مقعداً. وانتخابات أستراليا العامة مقررة كل ثلاثة أعوام. وفي هذه الانتخابات، يبلغ عدد الناخبين المسّجلين 18 مليون نسمة. أما الحزبان المنافسان الرئيسيان، فهما حزب العمّال (يسار الوسط) الحاكم حالياً والذي يرشّح مجدداً زعيمه ورئيس الحكومة الحالي أنتوني ألبانيز (تسّلم الحكومة في عام 2022)، لتشكيل الحكومة المقبلة، والائتلاف الليبرالي المحافظ بزعامة بيتر داتون، بالإضافة إلى الخضر وأحزاب صغيرة أخرى، مثل "أمة واحدة" و"ترومبت أوف باتريوتس"، وغيرها، وكذلك المستقلين.

ويملك "العمّال" حالياً في البرلمان 77 مقعداً، والمحافظين 53، والأحزاب الصغيرة ستة (من بينها أربعة مقاعد للخضر)، والمستقلين 13، بالإضافة إلى مقعدين أصبحا شاغرين مع نهاية البرلمان الحالي، وهو البرلمان الـ47 بتاريخ البلاد، وقد حُلَّ في 28 مارس/آذار الماضي. ويسمى المحافظون بالائتلاف الليبرالي المحافظ، إذ يضم الحزب الأسترالي الليبرالي وحزب كوينزلاند الليبرالي الوطني و"الوطنيين".

ويهيمن غلاء المعيشة والتضخم وارتفاع أسعار السكن على مشاغل الأستراليين، الذين سيختارون بين ألبانيز وداتون، على قاعدة "بين السيئ والأسوأ"، كما يبدو. إذ بينما لم يتمكن زعيم العمّال من تحقيق شعبية واسعة خلال السنوات القليلة الماضية التي قضاها في الحكم، ويلفت مراقبون أيضاً إلى ضعف موهبته الخطابية، إلا أن عودة ترامب إلى السلطة قلبت الموازين بالنسبة للمحافظين وزعيمهم داتون، الذي كان في البداية قد كال المديح لترامب حتى قبل فوز الأخير في انتخابات 2024، إلا أنه عاد خلال الحملة الانتخابية الأسترالية لينأى بنفسه عن هذا الإعجاب، لا سيما أن حرب ترامب التجارية وإطلاقه حرب رسوم جمركية لم يسلم منهما حلفاء الولايات المتحدة تطاولان أستراليا، الغارقة في الحملة الانتخابية بين طرحين، وهما تقليص الضرائب أو فرض ضريبة المرة الواحدة سنوياً، وهما طرحان، بحسب متابعين، لا يرقيان إلى التحدي المطلوب.

"العمال" سيفوزون بأغلبية ضئيلة

وتميل معظم استطلاعات الرأي إلى أن العمّال سيفوزون في الانتخابات هذا العام، ولكن بأغلبية ضئيلة. وخلال الأيام القليلة الماضية، ارتفعت شعبية "العمّال" أكثر، وبحسب آخر استطلاع لمؤسسة "يوغوف" نشر في 30 إبريل الماضي، قد يحصل العمّال على 84 مقعداً، والائتلاف المحافظ على 47 (وهذه أسوأ نتيجة للمحافظين في 80 عاماً إذا ما صدق هذا التوقع)، والخضر على ثلاثة، ما يعني أنه سيكون بإمكان يسار الوسط تشكيل حكومة أغلبية. لكن هناك في البلاد من يذكّر بانتخابات 2019، حين فاز المحافظون بزعامة سكوت موريسون للمرة الثالثة على التوالي بالتصويت البرلماني، بينما كانت كلّ استطلاعات الرأي تميل إلى فوز "العمّال". ويعوّل "العمّال" على تصويت كثيف للتقدميين لصالحه، بينما يقول المحافظون إن المستقلين لم يقولوا كلمتهم الأخيرة بعد، وقد يظهرون بكثافة في يوم الاقتراع (صوّت حوالي 5 ملايين إلى الآن في التصويت المبكر)، ويصوتون للمحافظين.

ترامب، بحربه التجارية، قد يعكّر صفو العلاقات بين البلدين، ويساهم في المزيد من تدني مستوى المعيشة لدى المواطن الأسترالي

وتؤثر عودة ترامب إلى البيت الأبيض، بشكل أو بآخر، على مزاج الناخب الأسترالي، ولو أنها لا تؤدي دوراً رئيسياً. إذ إن ترامب، بحربه التجارية، قد يعكّر صفو العلاقات بين البلدين، لكنه خصوصاً قد يساهم في مزيد من تدني مستوى المعيشة لدى المواطن الأسترالي. وحول ذلك، يقدّم ألبانيز طروحات اقتصادية أكثر إقناعاً للطبقة الوسطى في البلاد، فيما كانت تعهدات داتون تتمحور حول خطة شبيهة بوزارة الكفاءة الحكومية التي أوكل ترامب إلى إيلون ماسك إدارتها لدى عودته إلى البيت الأبيض، حيث كان أعرب خلال الحملة عن خطط لتطهير وزارات من عدد من الموظفين، وخصم حوالي 800 مليون دولار من المساعدات الأسترالية الخارجية على مدى أربع سنوات. كما أن مشروع المحافظين للطاقة النووية البديلة (بناء سبعة مفاعلات نووية في البلاد للتحول إلى الكهرباء النووية)، وهو مشروع مكلف (أصدر كلا الحزبين ما يسمى تكلفة أجندته خلال الأسبوع الحالي)، لا يلقى الصدى المطلوب لدى الناخبين. وأظهرت استطلاعات رأي أن حوالي 60% من الأستراليين يعارضون العمل بالطاقة النووية.

وفي 10 إبريل الماضي، نشر "معهد العلاقات الخارجية" البحثي الأميركي تقريراً بعنوان "ترامب والانتخابات الأسترالية المقبلة"، ذكّر فيه بالشعبية الضعيفة التي يحظى بها داتون، وبأنه كان مكروهاً من الاستراليين خلال شغله سابقاً مناصب وزارية، وخصوصاً حين كان وزيراً للصحة (2013 – 2014)، لا سيما أنه ينكر مسألة التغير المناخي، في بلد ليس بمنأى عن هذا التغير، ويفترض أن يتأثر به اجتماعياً واقتصادياً. ورأى التقرير الذي ذكّر بتقدم الليبراليين في كندا (قبل فوز الليبراليين فعلاً بانتخابات 28 إبريل) أن النفور الشعبي من ترامب، حول العالم، قد يساهم في أستراليا أيضاً بفوز العمّال، خصوصاً أن الكثيرين من إدارة ترامب قد أدلوا بتصريحات علنية أعربوا فيها عن استهزاء من الأستراليين، ومن فرض ترامب رسوماً جمركية عليهم، بينما الفائض التجاري بين البلدين اللذين تربطهما اتفاقية تجارة حرّة يميل للولايات المتحدة.

هكذا يبدو أنّ ألبانيز "يقرأ مزاج الناخب النافر من ترامب"، بحسب المعهد، وهي جملة استعارتها تقارير كثيرة تطرقت إلى الانتخابات الأسترالية، أو استلهمت منها، للتعبير عن مدى السخط الذي يشعر به المواطن الأسترالي تجاه الحليف الأميركي. وقد يكون ذلك مفيداً للصين، خصوصاً إذا ما ذهب ترامب إلى الانسحاب من اتفاق أوكوس للغواصات النووية الذي وقّعه سلف ترامب جو بايدن مع كانبيرا.

ولا بدّ لدى الحديث عن انتخابات أستراليا من عدم إغفال مسألة السكّان الأصليين الذين يشكّلون حوالي 3.8% من السكّان البالغ عددهم 26 مليون نسمة، وهم الأكثر تهميشاً في البلاد. وتعدّ هذه المسألة موضع انقسام شديد في أستراليا، وقلّما تتطرق إليها الأحزاب المنافسة بسبب ذلك، ولكنها قد تؤثر على الشريحة الناخبة التقدمية، لا سيما أن انتخابات هذا العام تأتي بعد رفض الأغلبية البيضاء في البلاد إصلاحاً عام 2023 يقضي بالاعتراف بالشعوب الأصلية في الدستور ومنحها المزيد من الحقوق. كما رفض الأستراليون إنشاء مجلس استشاري يُطلق عليه اسم الصوت في البرلمان والحكومة، لإصدار الآراء حول القوانين والسياسات العامة التي تؤثر على السكان الأصليين. وكان ألبانيز داعماً للاستفتاء.

(العربي الجديد)

المساهمون