دفعت التظاهرات المستمرة منذ نحو شهرين في محافظة السويداء معظم الناشطين السياسيين والإعلاميين الذين كانوا يمارسون نشاطاتهم داخل المحافظة بالخفاء وبأسماء مستعارة إلى الكشف عن أسمائهم الحقيقية، مدفوعين بالحماسة الثورية التي خلقتها التظاهرات، ومقتدين بالمواطنين الذين خرجوا للساحات غير آبهين بالنظام وأعوانه، واعتبارهم الحراك في السويداء تطوراً لا عودة بعده إلى الوراء.
وهو الأمر الذي أدى إلى انكشاف الكثير من الأسماء المطلوبة للأجهزة الأمنية للنظام بسبب نشاطها المعارض في فترة ما قبل انتفاضة السويداء، وبالتالي وقوعها تحت خطر الاستهداف من قبل بعض المتعاونين مع تلك الأجهزة، التي لا يزال معظمها يمتلك أذرعاً متعاونة معها داخل المحافظة، وربما داخل الحراك نفسه.
وتكمن الخطورة على هؤلاء الناشطين في سعي النظام لمحاسبتهم وترهيب الآخرين من خلالهم، على خلاف المتظاهرين الذين ربما يسعى لإرضائهم بتحويل قضيتهم إلى قضية خدمية.
وعلى الرغم من إدراك هؤلاء الناشطين لكل تلك المخاطر، خصوصاً في حال قرّر النظام التعاطي مع المحافظة بطريقة مختلفة عن أسلوب عدم الاكتراث الحالي، ومع أنهم يعلمون أنهم سيتحولون لسجناء ضمن المحافظة وسيكون العديد منهم فرائس سهلة للنظام، إلا أنهم قرروا الظهور بأسمائهم الحقيقية غير آبهين بكل تلك المخاطر، وذلك لتحدي النظام والتضامن مع غزة التي تتعرض لحرب إبادة.
في المقابل، تتلون آراء الناشطين السوريين المنحازين للثورة في الخارج مما يجري في سورية وفي غزة، بحسب الدول التي يقيمون فيها. في تركيا تتجه تحليلات الناشطين السياسيين والإعلاميين نحو تبرير كل ما تقوم به تركيا من نشاطات في سورية، وبالحد الأدنى السكوت عن الممارسات التي تتعارض مع أهداف الثورة.
أما في أوروبا التي تتبنّى قضية الدفاع عن حرية الرأي، فقد اختفت أصوات ناشطين سوريين وعرب من المقيمين في بعض الدول الأوروبية، وامتنعت عن مجرد التعاطف أو حتى إبداء الرأي بما يحصل في غزة، وذلك خوفاً من ملاحقتهم من قبل السلطات الأمنية في بعض تلك الدول بتهمة معاداة السامية، إذ اتّبعت بعض الدول الأوروبية سياسات ترهيبية تجاه كل من يتخذ موقفاً متعاطفاً مع سكان غزة، ومعادياً لجرائم الاحتلال الصهيوني، ناسفة كل قضايا حقوق الإنسان وحرية الرأي التي تدافع عنها.
ويُظهر هذا الأمر أن النشاط السياسي والإعلامي وحتى الإنساني الحقيقي والفعّال هو النشاط الذي يمارس في رحم المعاناة، من دون أدنى حساب لمواقف الدول المستضيفة مهما بلغ مستوى الحرية لديها.