بين العدالتين الانتقالية والانتقائية

09 فبراير 2025
في العاصمة دمشق، 7 فبراير 2025 (أوغوز يتير/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تسعى الإدارة السورية الجديدة للتحول من منطق الثورة إلى منطق الدولة عبر نشر ثقافة السلم الأهلي وملاحقة المجرمين قضائياً، إلا أن العدالة الانتقالية تحولت أحياناً إلى انتقائية أو انتقامية.
- رغم تحرير سوريا من النظام البائد، شهدت المناطق التي كانت حاضنة شعبية له انتهاكات بحق مواطنين لأسباب طائفية أو مناطقية، وتأجيل إعادة الأملاك المسلوبة للضحايا.
- تتفاوض الإدارة مع كبار المجرمين اقتصاديًا لتسوية أوضاعهم، مما يثير غضب الضحايا ويؤدي إلى احتجاجات ضد الإدارة الجديدة.

سعت الإدارة السورية الجديدة للتحوّل من منطق الثورة إلى منطق الدولة الذي وعدت السوريين به، من خلال نشر ثقافة السلم الأهلي بين مكونات المجتمع وملاحقة المجرمين قضائياً، أو من خلال لجان لكشف الحقائق، وإعادة الحقوق لأصحابها، وإنصاف الضحايا وجبر الضرر الذي لحق بهم، عبر مفهوم العدالة الانتقالية الذي تحوّل بسبب بعض أداء الإدارة الجديدة إلى عدالة انتقائية في بعض الأحيان، وعدالة انتقامية في أحيان أخرى.

مما لا شك فيه أن الإدارة الحالية قادت عملية تحرير سورية من أكثر الأنظمة إجراماً في التاريخ الحديث، وأن النظام البائد قد خلّف ملايين الضحايا من قتلى ومعتقلين ومهجرين، كما دمر مدناً وقرى عن بكرة أبيها. إلا أن أداء الإدارة على المستوى الأمني، وتحت اسم ملاحقة فلول النظام في المناطق التي كانت تشكل حاضنة شعبية له، تخللته انتهاكات بحق مواطنين لأسباب لا علاقة لها بارتكاب جرائم لصالح النظام البائد، وإنما لأسباب منها طائفية أو مناطقية، وبعض الانتهاكات كان بدوافع ثأرية من خلال عناصر من خارج ملاك الأمن العام، الأمر الذي يمكن عدّه خرقاً أمنياً بالحد الأدنى إن لم يكن تواطؤاً مع مرتكبي تلك الانتهاكات.
أما على مستوى ضحايا النظام المخلوع ممن قُتل أبناؤهم أو اعتُقلوا أو سُلبت أملاكهم، فلم تقم الإدارة الجديدة بإعادة أي من الأملاك المسلوبة حتى الآن وإنما أجّلت الأمر لمحاكم مستقبلية، فيما معظم قضايا الأملاك المسلوبة يمكن إثباتها بسهولة من خلال لجان مختصة من دون حاجة لمحاكم ربما تطول سنوات.

ولكن الأخطر على مستوى حقوق الضحايا هو تعاطي الإدارة الجديدة مع كبار المجرمين باعتبارهم صيداً ثميناً يمكن التفاوض معه مادياً مقابل إجراء تسوية معه، من دون الأخذ بعين الاعتبار الضحايا الذين انتُهكت حقوقهم، إذ تتوارد معلومات عن اتفاقات تجريها الإدارة الجديدة مع كبار الاقتصاديين الذين كانوا يديرون اقتصاد آل الأسد، وأن الاتفاقات توصلت إلى عودة بعضهم إلى سورية مقابل جزية مالية معتبرة تُقدّم للإدارة الجديدة. ولم يقتصر الأمر على رجال الاقتصاد، بل تعداه إلى رجال الأمن والشبيحة الذين ارتكبوا مجازر بحق السوريين، وكان آخرهم رئيس "الدفاع الوطني" في دمشق فادي صقر المساهم في مجزرة التضامن (ارتُكبت في إبريل/ نيسان 2013) الذي ظهر برفقة قياديين في الإدارة الجديدة التي قيل إنها سوّت وضعه بمقابل مادي، ما دفع ذوي الضحايا للتظاهر ضد الإدارة الجديدة.
هذه العدالة الانتقائية التي تطبّقها الإدارة الجديدة بحق المجرمين من فلول النظام تسمح للمجرمين الكبار القادرين على دفع دية التسوية بالنجاة بفعلتهم، بينما يُلاحق المجرمون الصغار.
 

المساهمون