تطورت التظاهرات التي شهدتها مناطق سيطرة فصائل "الجيش الوطني" السوري المدعوم من تركيا، الأول من أمس الجمعة، من تحركات احتجاجية على الخطوات التطبيعية من قبل تركيا تجاه نظام بشار الأسد، إلى احتجاجات على أداء المعارضة السياسية والعسكرية، مع مطالبتها بتوحيد صفوفها واتخاذ مواقف تتناسب مع حجم الثورة، حتى لو تعارضت مع توجهات الدول التي تدعمها.
هذا التطور يشير إلى إدراك الشارع المعارض مخاطر قبول الجهات التمثيلية للثورة بأن تكون مجرد تابع للدول التي تدعمها، مثل بقية أطراف الصراع التي قبلت بلعب دور التابع الذي يأتمر بأوامر الدولة أو الدول التي يتبع لها ويبرر لها كل المواقف التي تتخذها.
وقبل تغيّر الموقف التركي من نظام الأسد باتجاه التطبيع معه، كانت كل هيئات المعارضة وفصائلها تتبنى المواقف التركية كونها تتفق في معظمها مع مواقفها. أما حالياً، فباتت تلك الجهات أمام اختبار صعب يحتّم عليها تحديد موقفها من التوجّه التركي الجديد، الذي لا يمكن لجهة تدعي تمثيل الثورة السورية أن تبرره. وبالتالي أصبحت هذه الهيئات أمام خيارين، إما التسليم بتبعيتها المطلقة لأنقرة وتبنّي رؤيتها التطبيعية مع النظام، أو إصدار موقف وطني وإن كان متعارضاً مع موقف الحليف التركي، مهما كلفها من ثمن.
ويحظى الحليف بتقدير واحترام الجميع، بمن فيهم الجهات التي يختلف معها، على عكس التابع الذي يُنظر إليه من الجميع كأداة، ولا يجرى التعامل مع المواقف التي يتخذها إلا من خلال الجهة التي يتبع لها. كما أن التابع يبقى في حالة قلق دائم من أن ينتهي دوره بالنسبة للجهة التي تدعمه، وبالتالي تنتهي كل الميزات التي يتمتع بها ويُستغنى عنه بمجرد انتهاء دوره.
وعلى الرغم من أن معظم أطراف الصراع في سورية ارتضت لنفسها موقع التابع، إلا أن تبعية نظام الأسد لروسيا وإيران لا تزال الأكثر رسوخاً لعدد من الأسباب، أولها أن مصالح الدول التي يتبع لها النظام ليس بإمكان الأطراف الأخرى تحقيقها. كما أن خبرة النظام في التعاطي السياسي تجعله أقدر من الأطراف الأخرى على تحقيق متطلبات الدول التي يتبع لها، لذلك نجد أن "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، التي تتبع للولايات المتحدة، تعيش حالة قلق دائم من أن يُستغنى عنها بصفقة ما مع جهات تعاديها. والآن تعيش المعارضة السورية حالة القلق نفسها من أن يُستغنى عنها، ما لم تغيّر من طريقة تعاطيها، وتتخذ من الشارع المعارض ورقة قوة تساعدها على العودة عن تبعيتها وبناء تحالفات حقيقية مع الدول التي تدعم قضيتها العادلة.