يذهب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى موسكو، في توقيت لا يذهب فيه كثيرون إلى هناك، أو يتلافون ذلك في الوقت الحالي على الأقل، إذ إن حرج اللحظة الدولية وإكراهات الحرب الروسية على أوكرانيا واستحقاقات المحاور، يقلل من الرغبة في قرع أبواب الكرملين.
في الواقع السياسي، التقديرات الجزائرية مختلفة بشكل ما. وقد تكون هذه التقديرات هي التي تدفع بالجزائر إلى البحث عن هندسة جديدة لعلاقاتها مع موسكو، والقيام بما يقتضيه ذلك بحثاً عن مصالح حيوية، بغض النظر عن مواقف وتفسيرات تعطى في الغالب للعلاقة الجزائرية الروسية.
تعتبر الجزائر أن هذا التوقيت السياسي والدولي هو الأكثر مناسبة لمناقشة الجانب الروسي، في ضرورة التحول إلى شراكة تتجاوز البعد التقليدي الذي حصر العلاقات بين البلدين في المجال العسكري، وجعلها قائمة بالأساس بين صانع سلاح وزبون تسلح، دون أن يتطور ذلك، حتى داخل المجال العسكري نفسه، إلى مساعدة الجزائر في التصنيع ونقل التكنولوجيا العسكرية.
الدول ليست جمعيات خيرية، والعلاقات هي التزامات لكنها مصالح وفرص أيضاً. وبوضوح أكثر، فإن الظرفية الضاغطة التي توجد فيها موسكو، في علاقاتها المتوترة بإقليمها الحيوي ومع الغرب، يجعل الجزائر الباحثة عن نقطة توازن في علاقتها بالمحاور، في موقع تفاوض مناسب لطرح حاجيات جديدة ومصالح مستجدة، يجب أن يعاد تأسيس العلاقة بين البلدين على أساسها، لأنه لم يعد ممكناً الاستمرار بنموذج العلاقة القائمة، التي كانت وليدة ظرفية وسياق تاريخي وسياسي معين ، طالما أنه يمكن - أو يجب بالضرورة - لهذه العلاقة أن تتطور إلى شراكة متعددة، في المجالات الاقتصادية والعلمية وتكنولوجيا الأمن والطاقة وغيرها.
في 2014 صدر كتاب في روسيا يوثق جهود ضباط وجنود روس في بعثة وصلت إلى الجزائر في العام 1963، للمساعدة في تطهير حقول الألغام التي زرعها الاستعمار الفرنسي. كان ذلك نموذجا عن احتياجات الجزائر كدولة فتية من موسكو في تلك الفترة، (ثمة في العمق التاريخي ما يفسر دائماً طبيعة العلاقة بين البلدين).
لكن بعد ستة عقود، لم تعد الجزائر بحاجة إلى كاشف ألغام وأسلحة فحسب من موسكو. الطموح الجزائري يتجاوز إلى رهانات أخرى متعددة، اقتصادية واستراتيجية، ضمنها الانخراط في مجموعة "بريكس".
لا تضع الجزائر بيضها كله في سلة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وموسكو، كما لم تفعل دائماً. لكن قد يقول قائل، هذا ما تبحث عنه الجزائر من موسكو. فماذا تريد موسكو من الجزائر؟ السفير الروسي في الجزائر فاليري شوفايف أجاب عن ذلك عندما قال إن "موسكو تنتظر من الجزائر أن تكون طرفاً قوياً في الثورة الجيوسياسية الحاصلة في العالم والنظام الدولي، بما لها من مقومات وإمكانيات وثقل سياسي في منطقتها".