استمع إلى الملخص
- رفع العقوبات: دعا بيان الرياض إلى رفع العقوبات عن سورية، مشيداً بالخطوات الإيجابية للإدارة الجديدة، مثل الحفاظ على مؤسسات الدولة وبدء عملية سياسية شاملة، مما يعكس اهتماماً دولياً وإقليمياً بمسار الأحداث في سورية.
- التحديات والآمال: تواجه الإدارة السورية الجديدة تحديات كبيرة، منها العقوبات والملفات الإنسانية. ورغم التريث الأوروبي، هناك دعم عربي وغربي للإدارة الجديدة، مع التركيز على الاقتصاد كأولوية لدفع العملية السياسية.
توافقت دول عربية وغربية في بيان الرياض حول سورية على دعم البلد لتحقيق الاستقرار فيه بعد سقوط نظام بشار الأسد، في خطوة من المتوقع أن تنعكس إيجاباً على البلاد المكبلة اليوم بعقوبات أحادية ودولية، تعد العائق الأكبر أمام الإدارة الجديدة في تحسين الظروف المعيشية والاقتصادية للسوريين.
والتأم في الرياض، أول من أمس الأحد، اجتماع لتنسيق الجهود لدعم سورية، بمشاركة وزراء خارجية تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي والعراق ولبنان والأردن ومصر، وسورية، وعدة دول غربية، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي. وتوافقت هذه الأطراف في بيان الرياض حول سورية على دعم الشعب السوري و"تقديم كل العون والإسناد له في هذه المرحلة المهمة من تاريخه". وأشار المجتمعون إلى توافقهم على مساعدة السوريين على "إعادة بناء دولة عربية موحدة، مستقلة آمنة لكل مواطنيها، لا مكان فيها للإرهاب، ولا خرق لسيادتها أو اعتداء على وحدة أراضيها من أي جهة كانت". وأكدوا في بيان الرياض حول سورية وقوفهم إلى "جانب خيارات الشعب السوري واحترام إرادته، فضلاً عن تأكيد أهمية احترام وحدة سورية وسيادتها وسلامة أراضيها"، و"دعم عملية انتقالية سياسية سورية تتمثل فيها القوى السياسية والاجتماعية السورية تحفظ حقوق جميع السوريين، بمشاركة مختلف مكونات الشعب السوري".
أحمد القربي: الدعوة ببيان الرياض لرفع العقوبات الأحادية والدولية نقطة إيجابية
وقال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إن الاجتماع "يأتي لتنسيق الجهود لدعم سورية والسعي لرفع العقوبات عنها"، مؤكداً أن "استمرار العقوبات المفروضة على النظام السوري السابق سيعرقل طموحات الشعب السوري في تحقيق التنمية وإعادة البناء وتحقيق الاستقرار". وأشاد "بالخطوات الإيجابية التي قامت بها الإدارة الجديدة في مجال الحفاظ على مؤسسات الدولة، واتخاذ نهج الحوار مع الأطراف السورية، والتزامها بمكافحة الإرهاب، وإعلانها البدء بعملية سياسية تضم مختلف مكونات الشعب السوري". وجاء اجتماع الرياض الموسع استكمالاً لاجتماع عقد في مدينة العقبة الأردنية للجنة الاتصال العربية وتركيا في 14 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بعد نحو أسبوع على إسقاط نظام الأسد.
بيان الرياض حول سورية يعكس اهتماماً إقليمياً ودولياً
وعكس بيان الرياض حول سورية اهتماماً إقليمياً ودولياً بمسار الأحداث التي جرت منذ الثامن من ديسمبر الماضي، وخاصة لجهة ترسيخ الاستقرار وتمهيد الطريق أمام عملية انتقال سياسي "بقيادة سورية تؤدي إلى حكومة شاملة وغير طائفية وممثلة لجميع الأطياف"، وفق وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي. ويعد اجتماع الرياض، أول اجتماع عربي دولي يشارك فيه وزير خارجية الإدارة السورية الجديدة أسعد الشيباني، وهو ما يعد اعترافاً ضمنياً بهذه الإدارة التي تواجه جملة تحديات ضاغطة، وملفات إنسانية ومعيشية وبنية تحتية متهالكة، والتي تأمل أن تؤدي الدول العربية والغربية دوراً كبيراً يساعدها على مواجهتها، وخاصة أن من شأن أي انتعاش اقتصادي في البلاد دفع العملية السياسية إلى الأمام.
ويبدو أن كل الأطراف المعنية بالقضية السورية تدفع باتجاه القيام بعملية انتقالية وفق مضامين قرارات دولية ذات صلة، أبرزها القرار 2254، بينما تسعى الإدارة الجديدة إلى إقناع المجتمع الدولي برفع العقوبات التي تكبّل الاقتصاد السوري، وخاصة أن الأسباب التي دعت إلى فرضها لم تعد موجودة بعد سقوط نظام الأسد. لكن الجانب الأوروبي يريد من الإدارة الجديدة إطلاق "عملية انتقالية سلمية وشاملة تحمي جميع الأقليات"، وفق مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، التي التقت الشيباني في الرياض، مضيفة في بيان نشرته على حسابها على منصة إكس، أول من أمس الأحد، "بعدها سيناقش وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي كيفية تخفيف العقوبات".
ويبدو أن دول الاتحاد الأوروبي تتريّث في رفع العقوبات المفروضة على سورية حتى تلمس خطوات جدية على طريق إطلاق عملية سياسية من قبل الإدارة الجديدة، التي تضع في رأس الأولويات حالياً تحقيق الأمن والاستقرار في البلاد، وتفكيك الحالة الفصائلية في البلاد التي ما يزال الجانب الأغنى منها، وهو الشمال الشرقي، خارج سيطرتها. وكانت أميركا خففت، قبل أيام، من العقوبات التي فرضتها على سورية في سياق انفتاح يبدو حذراً تجاه الإدارة الجديدة. وقالت وزارة الخزانة الأميركية، في بيان، الأسبوع الماضي، إنها أصدرت ترخيصاً عاماً جديداً لتوسيع الأنشطة والمعاملات المسموح بها مع سورية "للمساعدة في ضمان ألا تعوق العقوبات الخدمات الأساسية واستمرارية وظائف الحكومة في جميع أنحاء سورية، من بينها توفير الكهرباء والطاقة والمياه والصرف الصحي". ولم ترفع واشنطن حتى اللحظة هيئة تحرير الشام، التي تقود الإدارة الجديدة، عن قوائم الإرهاب، رغم أنها اتخذت العديد من الخطوات التي وُصفت بـ"الإيجابية" تجاه هذه الإدارة حيث كانت سباقة في الانفتاح السياسي عليها حين أرسلت وفداً برئاسة مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط باربرا ليف إلى دمشق، حيث التقت قائد الإدارة أحمد الشرع في 20 ديسمبر الماضي، والتي أعلنت إلغاء مكافأة القبض على الشرع، التي كانت تقدر بـ10 ملايين دولار، بعد تأكيدها أنه بدا في صورة "رجل عملي".
مؤيد غزلان: العنوان البارز لمؤتمر الرياض موضوع العقوبات أكثر من سردية العملية السياسية
وبحسب مصدر مقرب من الإدارة السورية فإنه إلى جانب الإشارات الإيجابية التي تتلقاها هذه الإدارة من الدول العربية والغربية هناك بعض المتطلبات التي تشترطها بعض الدول للتعاطي بشكل أكثر إيجابية. وأضاف المصدر، لـ"العربي الجديد"، إن الدول الغربية تشترط إشراك الأقليات الدينية والعرقية بشكل فعلي في مطلب أساسي، ولديها تخوفات من انزلاق المنطقة لحالة فوضى قد تتسبب بحالات لجوء جديدة، وفي المقابل فإن الإدارة الجديدة تبحث في آليات تتمثل فيها كل تلك المكونات ضمن إطار وطني دون أن تكون تابعة لدول معينة. وأوضح أنه بدلاً من أن يكون هناك ممثل عن طائفة معينة فإنه يمكن اختياره نفسه ولكن بصفته ممثلا عن منطقة. وأضاف: هناك مخاوف لدى بعض الدول العربية من تصدير ما يجري من تغيير إلى حدودها، لكن هذه المخاوف تتبدد بالتدريج مع الوقت والضمانات التي تعطيها الإدارة والأداء العملي لها على الأرض.
احتضان سورية عربياً مهم
ووصف الأكاديمي السوري يحيى العريضي، في حديث مع "العربي الجديد"، بيان الرياض حول سورية بـ"المهم"، ولا سيما "تأكيد الحرص على وحدة وسيادة واستقلال سورية وعلى الانتقال السياسي الذي نصت عليه القرارات الدولية". وأشار إلى أن "احتضان سورية عربياً مهم"، معرباً عن اعتقاده بأن "هناك شيئا من التفاوت برؤى المجتمعين في الرياض حيال موقفهم تجاه الإدارة الجديدة". وتابع: تحديد موعد لاجتماع آخر أواخر الشهر المقبل يشير إلى أن مسألة الاختبار والاستكشاف وعدم اليقين مستمرة. ودعا العريضي الأطراف المهتمة بالشأن السوري لـ"التنسيق والتعاون والتشارك بعيداً عن التزاحم على أدوار نفوذ في سورية"، مضيفاً: نريده بصفتنا سوريين تزاحماً على إنقاذ بلادنا.
من جانبه، رأى الباحث السياسي أحمد القربي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن بيان الرياض حول سورية "يحمل تأييداً للإدارة الجديدة في سورية وهو ما لم يكن موجوداً في بيان اجتماع العقبة". وأشار إلى أن الدعوة لرفع العقوبات الأحادية والدولية "نقطة إيجابية" في بيان الرياض حول سورية مبيناً أن البيان "كرّس المطالب التي صدرت عن اجتماع العقبة، وخاصة لجهة العملية السياسية في البلاد"، لافتاً إلى أن البيان لم يتضمن اعترافاً واضحاً بالإدارة الجديدة، رغم أن دعوة وزير الخارجية في هذه الإدارة للاجتماع يعتبر اعترافاً ضمنياً، مضيفاً: لم يتطرق بيان الرياض بشأن سورية إلى مسألة رفع هيئة تحرير الشام عن قوائم الإرهاب.
وفي السياق، اعتبر الباحث السياسي مؤيد غزلان، في حديث مع "العربي الجديد"، بيان الرياض حول سورية "نقطة تحول كبيرة في تمثيل سورية في المحافل الدولية"، موضحاً أنه "عمّق عودة سورية إلى الحضن العربي". وتابع: هناك موقف إيجابي من دول الخليج التي لم تضع شروطاً مسبقة قبل رفع العقوبات عن سورية. العنوان البارز للمؤتمر موضوع العقوبات أكثر من سردية العملية السياسية. ورأى أن المؤتمر "أظهر تبايناً كبيراً في الموقفين العربي والغربي حيال الأوضاع في سورية"، مضيفاً: شهدنا موقفاً عربياً متقدماً. ورأى أن الإدارة الجديدة "تتماهى مع مطالب الشعب السوري في استباق العملية الاقتصادية العملية السياسية".
وتابع غزلان: "موضوع الاقتصاد ملح، والعملية السياسية تحتاج إلى منظور زمني أطول من البدء المرحلي بالعملية الاقتصادية وهذه نقطة خلاف بين الإدارة والدول الغربية. واعتبر أن عدم التطرق في بيان الرياض حول سورية إلى القرار 2254 "نقطة إيجابية"، مضيفاً: يعد هذا تخلياً عن هذا القرار، لا سيما وأن أغلب القوى السياسية السورية ترى أنه لم يعد مناسباً للمرحلة الحالية في البلاد. واعتبر أن إرجاء دول الاتحاد الأوروبي قرار رفع العقوبات عن سورية "ليس عادلاً"، مشدداً على أنه كان يجب تخفيف العقوبات لضمان دخول الأموال إلى البلاد عبر نظام سويفت العالمي الممنوع عن سورية بموجب العقوبات. وشدد على أن عدم رفع العقوبات معوّق أمام الشركات الأوروبية للاستثمار في سورية في مرحلة إعادة الإعمار، مشيراً إلى أن "التباطؤ في رفع العقوبات لا يساعد في عودة اللاجئين السوريين في أوروبا"، مضيفاً: "نعول على فهم أوروبي أن الأوضاع في سورية مختلفة عن بقية البلدان العربية. لا نريد أن يتحول المسار الأوروبي إلى ابتزاز سياسي. رؤية الإدارة الجديدة متوافقة تماماً مع الرؤية الدولية حول الإرهاب، ولا يوجد بها أي قصور وأي تباين.