بولسونارو والحكم التاريخي بالسجن.. هل تنتهي حقبته وترامب يناصره؟
استمع إلى الملخص
- برز دونالد ترامب كمدافع عن بولسونارو، واصفاً الحكم بأنه "مطاردة سياسية"، مما أدى إلى توتر بين الولايات المتحدة والبرازيل وفرض عقوبات اقتصادية.
- رغم الحكم، لا يزال بولسونارو يتمتع بدعم شعبي، لكنه ممنوع من الترشح حتى 2030 ويواجه محاكمات جديدة، بينما تبرز اهتمامات أخرى مثل كرة القدم في البرازيل.
رغم أن الحكم الذي صدر بحق الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو بالسجن 27 عاماً وثلاثة أشهر يُعدّ غير مسبوق في تاريخ البلاد، ويبدو وكأنه يطوي صفحته السياسية، يبقى المشهد أبعد ما يكون عن الحسم. أُدين بولسونارو بهذا الحكم بتأييد أربعة من قضاة المحكمة البرازيلية العليا الخمسة، بتهم جسيمة هي التخطيط لانقلاب لإلغاء نتائج انتخابات 2022، المشاركة في منظمة إجرامية مسلحة، ومحاولة إسقاط النظام الديمقراطي بالقوة. كما حُكم على سبعة من شركائه، بينهم وزراء وجنرالات، بأحكام تتجاوز 20 عاماً، باستثناء سكرتيره السابق الذي تعاون مع التحقيقات.
وللمرة الأولى في تاريخ البرازيل، يُدان عسكريون سابقون بمحاولة تقويض الديمقراطية، رغم إرث طويل من الانقلابات منذ استقلال البلاد عام 1822. ومع ذلك، لم تُحدث قضية انقساماً داخلياً كالذي أحدثته هذه منذ عودة الديمقراطية في الثمانينيات.
وعلّقت القاضية كارمن لوسيا قائلة إن "هذه المحاكمة تمثل مواجهة للبرازيل مع ماضيها وحاضرها ومستقبلها". لكن القضية لم تُغلق. جوانب إجرائية عدة سيُعاد النظر فيها أمام الهيئة الكاملة للمحكمة العليا. كما تحوّل الحكم إلى ساحة مواجهة شرسة بين معسكري اليمين واليسار داخلياً، وبين حكومة لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، وإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب خارجياً، بعد أن وصفت إدارة الأخير الحكم بأنه جزء من "مطاردة سياسية"، وهددت برد اقتصادي وسياسي غير مسبوق.
ترامب وبولسونارو: تحالف شعبوي عابر للحدود
منذ صدور الحكم التاريخي بسجن بولسونارو 27 عاماً بتهم الانقلاب وتقويض الديمقراطية، ظهر دونالد ترامب بوصفه أبرز المدافعين عنه دولياً. العلاقة الوثيقة بين الرجلين، والتي أكسبت بولسونارو لقب "ترامب الاستوائي"، تحوّلت إلى تحالف علني، حيث لم يتأخر ترامب في مهاجمة الحكم، ووصفه بأنه "مطاردة ساحرات"، وصرّح: "حدث لي هذا، عشر مرات أسوأ!"، مكرراً روايته بأن القضاء بات أداة بيد اليسار.
هذا الدعم لم يكن رمزياً فقط؛ بل فرضت إدارة ترامب رسوماً جمركية بنسبة 50% على البرازيل، وفرضت عقوبات على ثمانية من قضاة المحكمة العليا، منهم القاضي دي مورايس. هذا التصعيد فاقم التوتر بين واشنطن وبرازيليا، ومنح الرئيس لولا فرصة لتصوير نفسه مدافعاً عن السيادة ضد "الإمبريالية الأميركية".
في العمق، يُظهر هذا الموقف تحالفاً شعبوياً دولياً يرى في القضاء تهديداً مشتركاً. لكن في المقابل، تشير تحقيقات الشرطة الفيدرالية البرازيلية إلى أدلة قوية ضد بولسونارو، من بينها:
- مشاركة بولسونارو شخصياً في اجتماعات التخطيط.
- توقيع مرسوم لإلغاء نتائج الانتخابات.
- استعداد وحدات من الجيش للتدخل قبل أن يُحبط قائد الجيش الخطة.
وهكذا، وبينما يروّج ترامب قصةَ اضطهاد سياسي، تتحدث الوثائق القضائية عن محاولة انقلاب حقيقية نجا منها النظام الديمقراطي بأعجوبة.
الانقسام السياسي والبعد الإمبريالي
منذ صدور الحكم، تصاعدت في الإعلام البرازيلي كلمات مثل "العفو" و"الإمبريالية imperialismo" و"السيادة الوطنية soberania"، خصوصاً بعد التصريحات العدائية من الجانب الأميركي.
ويتّهم قطاع كبير من البرازيليين واشنطن بمحاولة التأثير على القضاء، ما يُعيد إلى الأذهان دعم الولايات المتحدة لانقلاب 1964، الذي أدى إلى ديكتاتورية استمرت 21 عاماً من دون محاسبة حقيقية.
ومؤخراً، ضيقت الشرطة الفيدرالية الخناق أكثر على بولسونارو، عبر اتهامات جديدة أكثر خطورة، منها، التخطيط لاغتيال الرئيس لولا ونائبه وقاضي المحكمة العليا، والمشاركة في مؤامرات تفجير انتحاري ضد المحكمة العليا.
التحقيقات تشير إلى أن بولسونارو كان على علم بهذه الخطط، وشارك بشكل مباشر في إعدادها، بناءً على شهادات ومحادثات مسجلة وهاتفية، ووثائق رسمية. وفي حال توجيه هذه التهم رسمياً من قِبل المدعي العام، قد يُحاكَم أمام المحكمة العليا مرة أخرى، ويواجه أكثر من 20 عاماً إضافية في السجن.
الرئيس الذي يرى الديمقراطية عائقاً
لطالما عبّر بولسونارو عن إعجابه بالديكتاتورية العسكرية البرازيلية، وصرّح مراراً بأن الديمقراطية تُعطّل أجندته. وقد ساعده هذا الخطاب في حشد قاعدته الشعبية المحافظة، التي ما تزال متمسكة به رغم كل الاتهامات، بل إن تحالفه الانتخابي حقق نتائج ممتازة في الانتخابات المحلية الأخيرة، مستنداً إلى سردية "المظلومية" السياسية.
لكن اقتحام أنصاره للبرلمان والمحكمة العليا بعد تنصيب لولا في يناير/ كانون الثاني 2023، أظهر أن جزءاً كبيراً من اليمين مستعد لتجاوز الحدود الديمقراطية إن تطلب الأمر.
هل انتهى بولسونارو حقًّا؟
رغم الحكم القضائي، لا يمكن القول إن بولسونارو قد انتهى تمامًا. فالتاريخ البرازيلي مليء بالمفاجآت، والقضاء نفسه ليس محصناً من التغيير السياسي. إلى جانب ذلك، فإن وجود قاضٍ واحد فقط صوّت لصالح تبرئة بولسونارو منح فريق الدفاع ما يكفي من الأمل لاستئناف الحكم مستقبلاً، خصوصاً إن تغيّر المناخ السياسي.
لكن حتى اللحظة، بولسونارو ممنوعٌ من الترشح حتى عام 2030، ومحكوم بأكثر من 27 عاماً، ويواجه تهديدات بمحاكمات جديدة أخطر.
وفيما تستعيد البرازيل هدوءها، يبرز شعور شعبي متزايد بالتعب من السياسة. فبعد الحكم مباشرة، لم تكن الهتافات السياسية هي الأعلى صوتاً، بل كانت احتفالات بهدفٍ سجّله فريق كروزيرو المحلي في مباراة كرة قدم. وربما، كما يقول البرازيليون: فإن "الكرة أهم من السياسة"، أقله لدى أوساط كثيرة بينهم.