بوتين يزور الهند: اختبار قوة العلاقات في ظروف معقدة

بوتين يزور الهند: اختبار قوة العلاقات في ظروف معقدة

06 ديسمبر 2021
حاول بوتين بناء تحالف مع بكين ونيودلهي (ميخائيل سفيتلوف/Getty)
+ الخط -

يعقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قمة، اليوم الإثنين، مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في نيودلهي، في وقت تمر فيه علاقات البلدين باختبار صعب نتيجة المواجهة المتصاعدة بين روسيا والولايات المتحدة، وسعي الأخيرة إلى جذب الهند في جهود احتواء الصين، ما قد يدمر كل الجهود الروسية في العقدين الأخيرين لبناء تحالف ثلاثي يضم موسكو ونيودلهي وبكين لبناء عالم متعدد الأقطاب وكسر الهيمنة الأميركية.

وفي مؤشر إلى الأهمية التي توليها موسكو لتطوير العلاقات مع نيودلهي، وبحث القضايا المختلفة وجهاً لوجه بين زعيمي البلدين، يقصد بوتين العاصمة الهندية في زيارة خارجية هي الثانية من نوعها له منذ انتشار جائحة كورونا، علماً أن الزيارة ستحصل من دون مراسم بروتوكولية مميزة كما كان الحال في الزيارات السابقة.

في المقابل، فقد عقد وزيرا الدفاع سيرغي شويغو والخارجية سيرغي لافروف لقاءً هو الأول من نوعه مع نظيريهما الهنديين راجنات سينغ وسوبرامنيام جايشانكار وفق صيغة "2+2"، في دلالة على حرص البلدين على تنسيق سياساتهما الدفاعية والخارجية. وأعرب لافروف، في كلمة له خلال الاجتماع، عن ثقته بأن هذه الصيغة ستصبح منصة حوار فعالة لبحث القضايا ذات الاهتمام المشترك، وستساهم في تعميق التفاهم التقليدي المتبادل وتعزيز الشراكة الاستراتيجية المتميزة بين البلدين. كما وقّع شويغو ونظيره الهندي راجنات سينغ مجموعة من الاتفاقيات والبروتوكولات والعقود الخاصة بالأسلحة والتعاون الاقتصادي، في ختام اجتماع للجنة الحكومية المشتركة للتعاون العسكري والتقني بين البلدين.

الهند سوق للسلاح الروسي

وتتزامن القمة مع وصول الدفعة الأولى من منظومة الدفاع الجوي الروسية "اس 400" إلى الهند، بعدما رفضت الأخيرة التخلي عنها على الرغم من الضغوط الأميركية، بموجب قانون "كاتسا" الأميركي (قانون مكافحة خصوم الولايات المتحدة من خلال العقوبات لعام 2017)، وهو ما كان قد دفع مصر للتخلي عن شراء أسلحة روسية، وتسبب في أزمة بين تركيا والولايات المتحدة. ووقّعت الهند عام 2018 صفقة لشراء خمس بطاريات من أنظمة "اس 400" الروسية بقيمة حوالي 5.5 مليارات دولار.

رفضت الهند التخلي عن صفقة شراء منظومات "اس 400" روسية على الرغم من الضغوط الأميركية

ووفقاً لـ"معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام" (SIPRI)، لا تزال روسيا أكبر مورد للمعدات الدفاعية إلى الهند، وذلك بنسبة 58 في المائة. والمعدات الروسية تشكل حوالي 70 في المائة من ترسانة الهند الحالية.

وعشية الزيارة، تحدث مساعد الرئيس الروسي لشؤون السياسة الخارجية يوري أوشاكوف عن حرص بوتين على الشراكة الاستراتيجية المميزة بين روسيا والهند، وأشار إلى تأكيد بوتين أثناء استلام أوراق اعتماد السفير الهندي الجديد بالا فينكاتيش فارما قبل أيام في الكرملين على نيّة موسكو "بناء تعاون ثنائي متعدد الأوجه" مع نيودلهي، وإلى كلمة بوتين، نهاية الشهر الماضي، مع الدبلوماسيين التي قال فيها: "نعتبر الهند أحد المراكز المستقلة القوية لعالم متعدد الأقطاب مع فلسفة سياسة خارجية وأولويات قريبة منا".

ومن المنتظر توقيع عشر اتفاقيات تشمل كل مجالات التعاون الاقتصادية، ومنها السياسية والعسكرية والطاقة والتعاون العلمي والطبي، ومن المنتظر تبني بيان مشترك يحدد خريطة طريق لتعميق وتنويع العلاقات الثنائية.

مخاطر تواجه العلاقات الروسية الصينية
وعلى الرغم من تأكيد الطرفين أن القمة الحالية سوف تسمح بتطوير العلاقات الثنائية والانتقال بها إلى مرحلة أكثر استراتيجية، فإن عدداً من المخاطر تواجه العلاقات بسبب التطورات الجيوستراتيجية في العالم. ومن أهم المخاطر، تباين وجهات نظر البلدين في ما يخص جهود الولايات المتحدة لاحتواء الصين، مع رفض روسيا هذه المحاولات واعتبارها تأتي بسياق إضعافها ضمن استراتيجية مزدوجة. وتخشى موسكو من انجرار نيودلهي أكثر فأكثر مع الخطوات الأميركية لاحتواء بكين، خصوصاً في ظل تصاعد التوترات الحدودية بين البلدين والتي قتل خلالها في الصيف الماضي 20 جندياً هندياً في وادي جالفان على يد حرس الحدود الصينيين.

في هذا الإطار، تمثل القمة اختباراً لقدرة الهند على بناء علاقات متوازنة بين حليف الحرب الباردة روسيا، والولايات المتحدة، الحليف الجديد ضمن منتدى "الحوار الأمني الرباعي" (QUAD)، الذي يشمل الهند وأستراليا واليابان إضافة للولايات المتحدة، فيما تسعى روسيا إلى المحافظة على علاقاتها الاستراتيجية مع كل من الهند والصين، الخصمين في كثير من القضايا. وتكمن صعوبة الموقف الروسي في أن الهند منفتحة على تحالفات لإضعاف الصين، بينما ترفض روسيا ذلك بالمطلق.

تمثل القمة اختباراً لقدرة الهند على بناء علاقات متوازنة بين روسيا والولايات المتحدة


وتضطر موسكو إلى الاقتراب أكثر من بكين في مواجهة واشنطن، بينما يمنحها التعاون الاستراتيجي مع نيودلهي الفرصة للحفاظ على التوازن الاستراتيجي والاستقلالية نظراً لوجود رأي لدى بعض النخب الروسية بأن أهداف الصين قد لا تقتصر على احتواء الهند فقط، وربما تهدف إلى الحد من قدرة روسيا على المناورة كقوى عالمية عظمى.

في المقابل، تقترب الهند من الولايات المتحدة لإضعاف الصين، ولا يهمها مصدر الدعم لخوفها من أن تتعرض لهجوم ثنائي من الحليفتين الصين وباكستان في وقت متزامن، فيما تبدي انزعاجاً من التعاون العسكري المتنامي بين موسكو وبكين. 

وتعد روسيا والهند شريكان استراتيجيان في كثير من المجالات، وهما عضوان في عدد من المنظمات الأمنية والاقتصادية المشتركة، مثل "منظمة شنغهاي" للأمن والتعاون، وكذلك في مجموعة "بريكس" الاقتصادية، فيما تأمل روسيا بأن يتواصل التعاون مع الصين، الضلع الثالث في "التحالف الشرقي"، الذي كان عرابه وزير الخارجية الروسي الأسبق يفغيني بريماكوف في نهاية القرن الماضي، بهدف تشكيل عالم متعدد الأقطاب في مواجهة الأحادية القطبية الأميركية.

المساهمون