بنيامين نتنياهو ومواصلة الحرب بأدوات أخرى

23 يناير 2025
بنيامين نتنياهو في تل أبيب، 18 يونيو 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يسعى نتنياهو للحفاظ على تحالفه اليميني واستمرار حالة الطوارئ عبر الحروب، خاصة بعد إخفاق 7 أكتوبر 2023، ويواجه ضغوطًا لوقف إطلاق النار في غزة، محاولًا توجيه الأنظار نحو جبهات أخرى مثل الضفة الغربية.
- يعتمد على شعارات محاربة الإرهاب ومواجهة إيران لتبرير العمليات العسكرية، رغم عدم تحقيق الأهداف الاستراتيجية في غزة، ويواجه تحديات في تماسك تحالفه الحكومي مع استقالة بعض القادة العسكريين.
- استقالة رئيس الأركان وقائد المنطقة الجنوبية تشير إلى توترات داخل المؤسسة العسكرية، مما يزيد الضغط على نتنياهو لإجراء تحقيق رسمي في أحداث أكتوبر، بينما يستخدم الحروب للبقاء السياسي.

لم يشأ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أن تتوقف حرب الإبادة على قطاع غزة، بعد اتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلن قبل أسبوع، ودخلت مرحلته الأولى حيّز التنفيذ، يوم الأحد الماضي. فقد احتاج بعد اتهامه بالمسؤولية المباشرة عن الإخفاق الكبير في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتراجع مكانته السياسية، إلى الحروب وحالة الطوارئ للحفاظ على التحالف الحكومي اليميني الصرف. في المقابل، فإن ضغوط وقف إطلاق النار في غزة على نتنياهو ومواصلة الحرب على جبهات أخرى، من بينها الضفة الغربية المحتلة، تشي باستمرار معارك رئيس حكومة الاحتلال الداخلية والخارجية.

احتاج نتنياهو لإنجازات عسكرية لتحسين مكانته السياسية، واحتاج الانقسام في الشارع الإسرائيلي حول قضية تبادل الأسرى والمحتجزين لتجنيد وتجييش قواعد اليمين المتطرف. استعمل نتنياهو الخلافات مع الرئيس الأميركي السابق جو بايدن لاستعراض وترويج قدراته للصمود أمام الضغوط الخارجية. واحتاج قيادة الجيش الحالية لاتهامها بالمسؤولية الكاملة عن الإخفاق الكبير في السابع من أكتوبر 2023، وإبعاد التهم عن حكومته وعن دور الخطة الحكومية لتقييد القضاء في تراجع صورة الردع الإسرائيلية. احتاج كل هذا لاستمرار تهربه من المحاكمة بتهم الفساد وتلقي الرشوة وخيانة الأمانة.

ادعاء مواجهة إيران هو ما تبقى من أدوات يمكن استعمالها لتبرير استمرار الحرب وحالة الطوارئ

بعد أن اقترب نتنياهو من تحقيق قسم ليس بقليل من هذه الأهداف، وصمود تحالف اليمين أمام نتائج الإخفاق الكبير في السابع من أكتوبر، تغيّر الحال وباتت إمكانية تحقيق هذه الأهداف غير مضمونة، تحديداً بعد إرغام الرئيس الأميركي دونالد ترامب، نتنياهو وحكومته على قبول اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وتنفيذ صفقة تبادل أسرى ومحتجزين مع حركة حماس. ما يرشح عن هذا الاتفاق يشي بأنه لا يشمل ضمانات بأن تكون ترتيبات اليوم التالي في غزة وفقاً لرغبات إسرائيل حصراً، وأن "حماس" لم تختف ويمكن أن تبقى، بصيغة أو بأخرى، في إدارة القطاع، وأن السلطة الفلسطينية بصيغتها الحالية ستدير معبر رفح، بين القطاع ومصر، رغم معارضة سابقة للحكومة الإسرائيلية.

تقارير عربية
التحديثات الحية

أهداف الحرب الاستراتيجية التي حدّدتها الحكومة الإسرائيلية منذ بداية حرب الإبادة على قطاع غزة لم تتحقق بالكامل، وحركة حماس ما زالت فعّالة على أرض الواقع، بل بمقدارها إدارة وإخراج عملية التبادل، والعمل على فرض النظام، بقدر الإمكان، في القطاع. وهو ما يشكل تحدياً أمام نتنياهو ومواصلة الحرب التي يريدها.

في المعطيات الحالية، سيكون من الصعوبة بمكان على حكومة نتنياهو إفشال الاستمرار في تنفيذ الاتفاق والانتقال من المرحلة الأولى إلى الثانية، وتجدد الحرب، حتى لو رغبت في ذلك. يعود ذلك إلى صعوبة استمرار الجيش الاسرائيلي بهذه الحرب، وحاجة القوات العسكرية إلى فترة إعادة ترميم وجهوزية، وفق ما ذكرته تقارير صحافية وتحليلات عسكرية عديدة. كما يعود إلى موقف ترامب الرافض لاستمرار الحرب، ومطالب عائلات المحتجزين الاستمرار بعملية التبادل وتحرير كافة الأسرى الإسرائيليين، إلى جانب الحالة الاقتصادية وارتفاع كلفة الحرب. ولأن الحرب استنفدت نفسها ولم تعد هناك أهداف عسكرية حقيقية في قطاع غزة سوى استمرار قتل المدنيين وتدمير المدمر، ما يعرقل مخطط نتنياهو ومواصلة الحرب.

حكومة نتنياهو ومواصلة الحرب في الضفة

اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بات يهدّد تماسك تحالف اليمين، حتى وإن أعلن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير أن استقالته مع وزراء حزب "العظمة اليهودية" من الحكومة لا تعني عدم دعم التحالف الحكومي في الكنيست ومنع سقوط الحكومة، وحتى إن اكتفى وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بوضع شروط أمام نتنياهو للبقاء في الحكومة لغاية الآن.

بغية استمرار تماسك تحالف حكومة نتنياهو ومواصلة الحرب التي تخوضها تل أبيب، وبغية الحفاظ على حالة الطوارئ، وإشغال الرأي العام بالحروب والقتل والدمار، وإرضاء اليمين المتطرف وتحقيق شروط سموتريتش، يحتاج نتنياهو إلى استمرار القتال، ولو بأدوات أخرى، أو في مناطق أخرى. وبالفعل بدأ الجيش الإسرائيلي، أول من أمس الثلاثاء، حملة عسكرية واسعة في الضفة الغربية المحتلة، أطلق عليها تسمية "السور الحديدي"، بدأت في مدينة جنين ومخيمها، شمالي الضفة.

لا يمكن تجاهل الدلالات والرسائل السياسية لاستقالة هاليفي وتبعاتها

بالتوازي مع ذلك، تنفذ عصابات المستوطنين هجمات شبه يومية على البلدات الفلسطينية في الضفة الغربية، وتلحق أضراراً بالغة في الممتلكات والأرواح، من دون أي عقاب أو حساب من أجهزة القضاء أو الشرطة والجيش، بل إن وزير الأمن يسرائيل كاتس يكافئ المجرمين عبر إلغاء أوامر الاعتقالات الإدارية للمستوطنين.

من غير الواضح ما هي الأهداف العسكرية والأمنية لهذه الحملة العسكرية. وما صدر من تصريحات عن القيادات الإسرائيلية لغاية الآن هي الشعارات الديماغوجية ذاتها حول "محاربة الإرهاب"، وربط العملية بالحرب ضد "محور إيران" في المنطقة. فقد صرح نتنياهو مع بداية الهجوم على جنين إنه "بتوجيه من الحكومة المصغرة، أطلقت قوات الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام، وشرطة إسرائيل، عملية عسكرية واسعة، ومهمة، للقضاء على الإرهاب في جنين". وأضاف: "نحن نتحرك بشكل منهجي وحازم ضد المحور الإيراني، أينما يرسل أسلحته؛ في غزة ولبنان وسورية واليمن والضفة الغربية". كما أعلن كاتس، خلال اجتماع للجنة الخارجية والأمن في الكنيست، أن العملية العسكرية في جنين، تهدف إلى حماية المستوطنات والمستوطنين. وأضاف: "لن نسمح لأذرع الأخطبوط الإيراني وللإسلام السني المتطرف بتهديد حياة المستوطنين وإقامة جبهة إرهاب شرقية ضدنا". وهي مصطلحات أُدخلت حديثاً على الخطاب العسكري والسياسي في إسرائيل، لتبرير القتل الدمار والإبادة.

إذاً هي الشعارات ذاتها والادعاءات الفارغة والمضللة التي تستخدمها الحكومة الإسرائيلية تجاه المجتمع الإسرائيلي والدولي، لتبرير جرائم القتل والإبادة والتدمير، وهي في الوقت نفسه تغذي أهداف نتنياهو ومواصلة الحرب. تُضخّم إسرائيل قدرات حركات المقاومة الفلسطينية وعلاقاتها مع إيران بهدف تبرير وشرعنة القتل والدمار وتبرير ادعاءات بنيامين نتنياهو ومواصلة الحرب. شعار محاربة الإرهاب يُخرس أي معارضة أو انتقادات داخلية، وادعاء مواجهة إيران هو ما تبقى من أدوات يمكن استعمالها لتبرير استمرار الحرب وحالة الطوارئ.

لكن الأهم بالنسبة للحكومة ونتنياهو أن توسيع الحرب لمناطق الضفة الغربية يرضي سموتريتش وقواعد اليمين المتطرف والمستوطنين. فقد صرح سموتريتش بأن الهجوم على جنين هو جزء من قرار الحكومة بإضافة هدف تحقيق الأمن والأمان في الضفة الغربية، إلى أهداف الحرب على غزة، وفقاً لطلب حزبه "الصهيونية الدينية". لكن كما تعودنا من تجربة العام الأخير، تبدأ هذه الشعارات بالتلاشي والتآكل، حين تصطدم بعدم تحقيق الأهداف الكبيرة المعلنة على أرض الواقع. لتعود وتكتفي بتحقيق أكبر قدر ممكن من القتلى والضحايا الفلسطينيين، ومن لفت الأنظار عن عدم تحقيق الأهداف، في جبهات أخرى، وإرضاء المستوطنين واليمين المتطرف نتيجة توقف الحرب على غزة من دون تحقيق الأهداف الاستراتيجية.

استقالة هاليفي عامل تعطيل أم تسريع؟

بالتوازي مع بدء هجوم قوات الجيش الإسرائيلي على جنين، أعلن رئيس الأركان هرتسي هاليفي استقالته من منصبه، بحيث تدخل حيز التنفيذ بتاريخ السادس من مارس/آذار المقبل. وبعد وقت قصير من استقالة هاليفي أعلن قائد المنطقة الجنوبية، يارون فينكلمان، استقالته أيضاً. لم تفاجئ استقالة هاليفي أحداً بعد أن صرح عدة مرات منذ السابع من أكتوبر أنه يتحمل المسؤولية عن الإخفاق العسكري، وأنه يجب استخلاص العبر مما حدث، وأنه بنفسه سيقوم بذلك في التوقيت الملائم.

الهجوم على جنين واستقالة هاليفي، تشيان أن نتنياهو ما زال يملك العديد من الأدوات والإمكانات للدفع نحو استمرار الحروب والمعارك

على ما يبدو فإن التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى ومحتجزين، وما تعتبره إسرائيل إنجازات عسكرية في لبنان، وفرا أجواء عسكرية مريحة لتقديم استقالة هاليفي. لكن بطبيعة الحال لا يمكن تجاهل الدلالات والرسائل السياسية لهذه الاستقالة، وتبعاتها، خصوصاً أن ترافقت بإعلانه عن الحاجة لإجراء تحقيق جدي في أحداث السابع من أكتوبر وأهمية تحمل المسؤولية الشخصية للقيادات، في إشارة واضحة إلى القيادات السياسية ورفض نتنياهو إقامة لجنة تحقيق رسمية لغاية الآن، إلى جانب اعترافه بأنه "لم يتم تحقيق جميع أهداف الحرب" على غزة.

المحلل العسكري في صحيفة هآرتس الإسرائيلية، أمير أورن، قال في مقابلة إذاعية صباح أمس الأربعاء، إن استقالة هاليفي تعني سد الطريق أمام تجدد الحرب على قطاع غزة بعد المرحلة الأولى من تطبيق اتفاق تبادل الأسرى والمحتجزين. بينما لمّح المحلل السياسي في الصحيفة ذاتها، يوسي فيرتير، أمس، إلى أن استقالة هاليفي تخدم مصالح نتنياهو وحكومته، وتساعد على إعادة ترتيب قيادات الجيش حسب أهواء ومصالح نتنياهو، وإلى استغلال الاستقالة للترويج أن المؤسسة العسكرية تتحمل المسؤولية الأكبر على إخفاق السابع من أكتوبر.

ناحوم برنياع المحلل السياسي في صحيفة يديعوت أحرونوت، أمس، اتهم كاتس بإطلاق حملة منظمة للإطاحة بقائد الأركان وإقالته، شملت إهانات يومية وتنمر تجاه هاليفي. إلا أن استقالة هاليفي استبقت ذلك. بجميع الحالات، من الواضح وفقاً للتحليلات الإسرائيلية، أنه ستكون لاستقالة هاليفي آثار سياسية باتجاهات مختلفة، إذ يمكن أن تخدم مصالح نتنياهو واليمين المتطرف الذي طالب بإقالة هاليفي، أو يمكن أن تزيد الضغط السياسي والجماهيري المطالب بإقامة لجنة تحقيق رسمية، وتحمل الحكومة مسؤوليتها عن أحداث السابع من أكتوبر.

استمرار حروب نتنياهو

بداية الهجوم على جنين واستقالة هاليفي، تشيان أن نتنياهو ما زال يملك العديد من الأدوات والإمكانات للدفع نحو استمرار الحروب والمعارك، حتى ولو تراجعت احتمالات تجدد الحرب في غزة. نتنياهو يوسع الحرب في الضفة للحفاظ على تحالف اليمين المتطرف، واستمرار حالة الطوارئ، واستعمال مواجهة إيران شماعة وأعذارا لاستمرار القتل والدمار. كذلك لتحقيق أهداف سياسية لحكومة اليمين وتغيير الواقع الأمني في الضفة لصالح الاستيطان. كما يستمر نتنياهو في معركته مقابل المؤسسة العسكرية بهدف تحميلها المسؤولية الكاملة عن الإخفاق الكبير في السابع من أكتوبر، ولإعادة تشكيل قيادة أركان تلائم مشروع اليمين المتطرف. كل هذا يصب في نهاية المطاف في خدمة معركة نتنياهو الرئيسية، وهي معركة البقاء السياسي والتهرب من المحاكمة.

المساهمون