تمر الذكرى الثلاثون لتوقيع اتفاقية أوسلو، بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، في 13 سبتمبر/ أيلول من عام 1993، في وقت يتصاعد فيه الاستيطان ويزداد العدوان الإسرائيلي على المناطق الفلسطينية.
وكانت الاتفاقية تنص على أن تبدأ مرحلة انتقالية تتضمن إنشاء أول سلطة للفلسطينيين، وعلى أن يتواصل التفاوض حول مسائل رئيسية أخرى لمدة تصل إلى خمس سنوات، وهو ما لم يتحقق حتى هذه اللحظة.
تضاعف الاستيطان
بعد ثلاثين عاماً على توقيع الاتفاقية، يقول الخبير في شأن الاستيطان خليل تفكجي، في حديث لـ"العربي الجديد"، اليوم الأربعاء، إنه "بات واضحاً أنّ الإسرائيليين لا يريدون إقامة دولة فلسطينية أو إقامة دولتين داخل الضفة الغربية، فهي بالنسبة إليهم غير موجودة، والقدس غير قابلة للتقسيم، والمستوطنات لن تفكك، والإسرائيليون، يميناً ويساراً، متفقون على هذا".
تشير المعطيات المتعلقة بالاستيطان إلى ارتفاع أعداد المستوطنين في الضفة الغربية بما فيها القدس، إلى أكثر من الضعف، بحيث تجاوزت أعدادهم حالياً أكثر من 700 ألف مستوطن، بعد أن كانوا يبلغون نحو 110 آلاف مستوطن في الضفة الغربية و115 ألف مستوطن في القدس، في عام 1993، بحسب ما أكده الباحث.
وأضاف تفكجي أنه في آخر إحصائية صدرت في شهر مايو/ أيار من العام الجاري، وصلت أعداد المستوطنين إلى 506 آلاف مستوطن في الضفة الغربية، فيما وصلت إلى 230 ألف مستوطن في القدس، موجودون الآن في المستوطنات التي أقيمت على أراضي المواطنين الفلسطينيين، وهو ما يعادل 39% من عدد السكان في مدينة القدس.
كما أن عدد الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية، بحسب الباحث، وصلت حالياً إلى 38 ألف وحدة تتوزع على 145 مستوطنة كبيرة تعرف بالمستوطنة الأم، التي تشكّل 1.6% من مساحة الضفة الغربية، في حين خصصت لها مخططات هيكلية تصل إلى ما نسبته 6% من مساحة الضفة.
وكانت سلطات الاحتلال قد وضعت في عام 1979 برنامجاً لاستيعاب أكثر من مليون مستوطن، كما وضع برنامج آخر عام 1983 عرف بـ"الأمر العسكري للطرق"، بهدف تقطيع الضفة الغربية بشكل عرضي وطولي من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، لكن تم تجميده، ثم عاودت حكومة الاحتلال تنفيذه من خلال إقامة شبكة الشوارع الالتفافية.
شرعنة الاستيطان
ولم يُعرّف نص اتفاقية أوسلو معنى "المستوطنة"، إذ يوضح الباحث أنّ "الاتفاقية تحدثت عن المستوطنات، لكنها لم تعرف معناها، فالمستوطنات اليوم باتت مدناً كبرى يقطنها عشرات آلاف المستوطنين، من ذلك مستوطنة (أرئيل) التي يقطنها اليوم 20 ألف مستوطن، أما مستوطنة (معاليه أدوميم) فيقطنها 42 ألف مستوطن، وبالتالي نحن نتحدث عن مدن ولا نتحدث عن مستوطنات يمكن تفكيكها".
وأكد تفكجي أنّ الإسرائيليين وجدوا في هذا الاتفاقية فرصة استغلوها ليشرعوا في عام 1996 بالتوسع الاستيطاني، خاصة بعد الدعوة التي أطلقها رئيس حكومة الاحتلال الأسبق أرئيل شارون، والتي دعا فيها المستوطنين إلى احتلال التلال، لتظهر بعد ذلك البؤر الاستيطانية، حيث أنشأوا في ذلك الحين 95 بؤرة استيطانية حتى وصل عددها اليوم إلى 155 بؤرة داخل الضفة الغربية، تم قاموا بشرعنتها لاحقاً وتحويلها إلى مستوطنات.
وتابع الباحث: "الآن يتوسعون من خلال الشوارع الالتفافية الاستيطانية وفتح جزء كبير منها حول المدن الفلسطينية، مثل الشارع الالتفافي الجاري في جنوب غرب نابلس، وكذلك الشارع الالتفافي في شرق الخليل، وخصصت لهذا الغرض ميزانيات ضخمة من أجل ربط المنطقة الساحلية بالأغوار بما يخدم الرؤية الإسرائيلية باتجاه الشرق الأوسط الجديد، إذ يتحدثون اليوم عن شبكة قطارات تبدأ من منطقة الشرق في الهند باتجاه السعودية، في حين أنّ الرؤية الإسرائيلية الدولية لا تتعلق بقضية الاستيطان فقط، بل في التفكير بالتطهير العرقي للبدو في مناطق الضفة الغربية".
إحكام الاستيطان على القدس
تسعى الحكومة الإسرائيلية إلى السيطرة على كامل مدينة القدس، بحسب الباحث، الذي أوضح أنّ "هنالك محاولة للسيطرة الكاملة على القدس الشرقية، وإتمام ضمها، حيث شرعوا بعملية الدمج بين القدس الشرقية المحتلة والقدس الغربية المحتلة، وقد خصصوا لذلك ميزانيات ضخمة لتنفيذ شبكة كبيرة ومعقدة من الأنفاق والجسور والشوارع وخطوط السكك الحديدية".
كما أنّ الخطط الاستيطانية في القدس، بحسب الباحث، تشمل إقامة أكبر مطار في المنطقة، سيُقام في منطقة النبي موسى، شرق القدس، ويستقبل 25 مليون مسافر سنوياً، وأكثر من مليون سائح، وتحقيق عملية ربط ودمج كاملة بين قطاعي المدينة المقدسة، بحيث يستحيل بعدها تقسيمها، كما أن الحكومة الإسرائيلية تولي أهمية كبيرة وأولوية للبنية التحتية، إذ خصصت لهذه البنية أكثر من 500 مليون دولار، وصولاً إلى هدفهم النهائي في إقامة القدس الكبرى عبر ربط التجمعات والكتل الاستيطانية الكبرى حول القدس التي تعادل مساحتها 10% من مساحة الضفة، دون الإعلان عن ذلك.