استمع إلى الملخص
- استغل الحزب مشاعر الاستياء من ارتفاع كلفة المعيشة وأعداد المهاجرين، وركز على الهوية البريطانية والمشكلات الاقتصادية، مما جعله خياراً جذاباً للناخبين المحبطين.
- يواجه الحزب تحديات تتعلق بقيادته، حيث تثير خلافات زعيمه نايجل فاراج تساؤلات حول قدرته على توحيد الصفوف وإثبات الجدية في الساحة السياسية.
بعد تحقيقه اختراقاً في الانتخابات المحلية هذا الأسبوع، تمكن حزب "إصلاح المملكة المتحدة" اليميني المتطرف من تخفيف قبضة الحزبين التقليديين على المشهد السياسي في بريطانيا، وبات يضع نصب عينيه الوصول إلى داونينغ ستريت. وحصل حزب "إصلاح المملكة المتحدة" المنبثق عن حزب "بريكست" المتشدد بزعامة نايجل فاراج، على أكثر من 670 مقعداً في المجالس المحلية، بالإضافة إلى فوزه لأول مرة برئاسة بلديتين.
وفي أكبر فوز له في انتخابات الخميس، انتزع الحزب المناهض للهجرة بفارق ضئيل مقعداً برلمانياً في انتخابات فرعية في رنكورن بشمال غرب إنجلترا، من حزب العمال (يسار الوسط) بزعامة رئيس الوزراء كير ستارمر. وقال فاراج، الجمعة، أمام أعضاء المجالس المنتخبين من حزب الإصلاح في ستافوردشير بمنطقة ويست ميدلاندز: "بإمكاننا أن نفوز، وسنفوز، في الانتخابات العامة المقبلة" المرتقبة بعد حوالي أربع سنوات في بريطانيا.
ورغم أن الانتخابات أجريت على جزء ضئيل من مقاعد المجالس المحلية في البلاد، إلا أن النتائج تؤكد الشعبية المتنامية لحزب "إصلاح المملكة المتحدة" بعد نجاحه في انتخابات العام الماضي التي فاز فيها بخمسة مقاعد. وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة كوين ماري بلندن، تيم بيل، إن "هذا أفضل أداء لحزب شعبوي يميني متطرف رأيناه في هذا البلد".
استغلّ "الإصلاح" مشاعر الاستياء من ارتفاع كلفة المعيشة وأعداد المهاجرين، بالإضافة إلى خيبة الأمل من الحزبين الرئيسيين في بريطانيا اللذين هيمنا على المشهد السياسي لعقود. ومثل "صديقه" الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يكره فاراج الضرائب المرتفعة والإنفاق العام، ويشدد على رغبته في "جعل بريطانيا عظيمة مجدداً". وتعهّد حزبه أيضا بإلغاء ممارسات التوظيف القائمة على مبادئ التنوع والشمول والمساواة في المجالس المحلية التي انتُخب فيها.
"ضقنا ذرعاً"
يبدو أن نهج فاراج يؤتي ثماره، إذ يتصدر حزب الإصلاح بانتظام استطلاعات الرأي الوطنية حول نوايا التصويت. وقال بيتر شيرليكر، المتقاعد البالغ 70 عاماً من رنكورن، إنه يجد فاراج "مصدر إلهام". وبعد 30 عاماً من دعمه المحافظين، صوّت شيرليكر لصالح "الإصلاح" في الانتخابات الفرعية، بسبب شعوره "بقلق شديد" إزاء مستويات الهجرة. وقال لوكالة فرانس برس: "جميعنا متفائلون بحدوث تغيير ما".
لكن قبل أشهر قليلة كان حزب الإصلاح لا يزال يواجه صعوبة في السيطرة على قواعده، واضطر إلى سحب الدعم من العديد من مرشحي الانتخابات العامة الذين أدلوا بتصريحات عنصرية. ومذّاك، عزّز الحزب حضوره على الأرض وتحوّل إلى آلة انتخابية. وقالت المُعلمة في مدرسة محلية ريبيكا توماس البالغة 44 عاماً: "إنهم بارعون جداً في فرض أجندتهم على بلدة ذات أغلبية من البيض ومُهمشة بدرجة كبيرة" مثل رنكورن.
وأشار الباحث في العلوم السياسية بجامعة إسيكس بول وايتلي إلى أن الحزب، الذي يؤكد أن عدد أعضائه يتجاوز 225 ألفاً، قدم أكبر عدد من المرشحين إلى الانتخابات المحلية. في الأسابيع التي سبقت ذلك، أجرى فاراج زيارات متكررة إلى مناطق ريفية وبلدات صغيرة ومدن تشهد تراجعاً صناعياً. وعبّرت جيليان برادي في رنكورن عن أسفها قائلة: "ضقنا ذرعاً من طريقة معاملتنا. البلاد تسير نحو الانحدار"، مشيرة إلى الضرائب المرتفعة والهجرة وصعوبة الوصول إلى النظام الوطني للرعاية الصحية الذي يعاني من ضغوط شديدة.
وإلى جانب جذبه الناخبين ممن يواجهون مشكلات اقتصادية، استقطب حزب الإصلاح أيضا أولئك الذين يعتقدون أن الهوية البريطانية مُهددة. ودافع الحزب عن هذه القضية، مسلطاً الضوء مثلاً على فضيحة ظهرت لأول مرة قبل أكثر من عقد، وتضمنت اعتداءات جنسية طاولت فتيات بريطانيات غالبيتهن من البيض، من جانب رجال غالبيتهم من أصول جنوب آسيوية.
ولم يعد اختيار حزب الإصلاح مجرد تصويت احتجاجي، بحسب أستاذ العلوم السياسية في كينغز كولدج بلندن راسل فوستر. وبات كثيرون الآن يعتبرون الحزب "خيارهم الوحيد".
الحزب يحاول إثبات جديته في بريطانيا
من ناحيتهم، تكبد المحافظون الذين يحملون لواء اليمين التقليدي منذ 200 عام وتولوا السلطة معظم تلك الفترة، هزيمة نكراء أخرى الخميس. وتحت قيادة كيمي بادنكوك، انشق العديد من نواب الحزب المنتخبين للانضمام لحزب الإصلاح في الأشهر الأخيرة، بمن فيهم رئيسة بلدية لينكولنشير الجديدة أندريا جينكينز. ورفض فاراج عروضا للتحالف مستقبلاً مع المحافظين، معلناً أن حزبه "أغرقهم".
وأكد مارتن موراي عضو المجلس المحلي المنتخب حديثا عن حزب الإصلاح في ستافوردشير: "الآن يبدأ العمل الجاد". وفي خطاب مفعم بالحماسة بعد الفوز، دعا موراي زملاءه في المجلس إلى "إظهار كفاءتنا، لأن ذلك سيُثبت للبلاد بأكملها جديتنا".
ويتعلق السؤال الآن بما إذا كان فاراج، صاحب السجل الحافل بالخلافات مع زملائه، لديه المؤهلات اللازمة لقيادة "جيشه الجديد" من الممثلين المحليين. والشكوك عالية بعدما استبعد أحد النواب الخمسة المنتخبين العام الماضي إثر خلافات معه. ربما نجح حزب الإصلاح في خرق هيمنة الحزبين على المشهد السياسي، إلا أنه يواجه تحدياً آخر يتعلق بزعيمه، وفقا لتيم بيل الذي يرى أن "عدد الذين لا يحبون نايجل فاراج أكثر ممن يحبونه".
(فرانس برس، العربي الجديد)