برود العلاقات الإيطالية الإسرائيلية: تحول يقتصر على الخطاب
استمع إلى الملخص
- تزايدت الضغوط على الحكومة الإيطالية من المعارضة والمنظمات المؤيدة لفلسطين، مما أدى إلى برود في العلاقات مع إسرائيل، ودعت سبع دول أوروبية إسرائيل إلى التراجع عن سياساتها.
- رغم التصريحات الإيطالية، يشكك رئيس اتحاد المنظمات الفلسطينية في أوروبا في جدية الحكومة الإيطالية في اتخاذ مواقف قوية ضد الجرائم الإسرائيلية.
شهدت الأيام القليلة الماضية تطوراً لافتاً في العلاقات الإيطالية الإسرائيلية تمثل بمواقف الحكومة الإيطالية حيال إسرائيل والحرب في غزة، عبّرت عنه تصريحات رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني ونائبها وزير الخارجية أنطونيو تاياني، علاوة على غياب وزرائها عن المشاركة في الاحتفال بذكرى تأسيس إسرائيل، وأخيراً كبح الزيارة غير المعلنة، التي كان من المنتظر أن يجريها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للمشاركة في مراسم تنصيب البابا لاوون الرابع عشر، لدواعي المصلحة السياسية وخشية مخالفة مذكرة التوقيف الصادرة بحقه من قبل المحكمة الجنائية الدولية.
فعلى هامش مشاركته في المؤتمر الذي عقده السبت الماضي في جزيرة صقلية حزب "فورتسا إيطاليا"، الذي يرأسه، أعرب تاياني عن رغبة بلاده في إنهاء الهجمات الإسرائيلية على غزة. وقال: "في حين تبذل الجهود لتحقيق السلام في العديد من أجزاء العالم، مثل أوكرانيا وليبيا والشرق الأوسط، فإننا لا نريد للشعب الفلسطيني أن يعاني لفترة أطول. فلتنته الهجمات، ولنصل إلى وقف إطلاق النار". وأكد تاياني أنه لا ينبغي المساس بالشعب الفلسطيني. كما دعا لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين. وأضاف: "يجب أن نقول للحكومة الإسرائيلية: كفى، لقد تم إبداء الرد (على 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023). لكم أن تضمنوا استقلالكم وأمنكم، ولكن دعونا نصل إلى السلام".
وما هي إلا ساعات قليلة حتى دخلت على الخط ميلوني للحديث عن العلاقات الإيطالية الإسرائيلية إذ صرحت بأن "إيطاليا وألمانيا صديقتان لإسرائيل. ولأننا أصدقاء لإسرائيل، على وجه التحديد، فإنه لا يمكننا عدم الاكتراث حيال ما يحدث في غزة، حيث بات الوضع هناك أكثر مأساوية". وشددت ميلوني، في ختام اجتماعها في روما بالمستشار الألماني فريدريش ميرز، على أنه "ليس من الممكن، في هذا السياق، أن يكون ثمة تضارب في تأكيدنا على أنه يجب على حماس إطلاق سراح جميع الرهائن، وألا يكون لها وجود في مستقبل القطاع ودولة فلسطين على أية حال".
برود طارئ في العلاقات الإيطالية الإسرائيلية
وربط مراقبون بين هذا "البرود" الطارئ في العلاقات الإيطالية الإسرائيلية والصعوبات التي يواجهها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الحوار مع نتنياهو، ومحاولات التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة. كما ربطوا بين "البرود" في العلاقات الإيطالية الإسرائيلية والضغوط التي يمارسها ممثلو أحزاب المعارضة تحت قبة البرلمان، وكذا الفعاليات الاحتجاجية من تظاهرات واعتصامات ومسيرات ومنشورات على منصات التواصل الاجتماعي من قبل المنظمات والحركات المؤيدة لفلسطين بدعم من قوى المعارضة الإيطالية.
وأخيراً برز البيان الذي أصدرته سبع دول أوروبية هي أيرلندا وأيسلندا ولوكسمبورغ والنرويج وإسبانيا ومالطا وسلوفينيا، ضد الممارسات الإسرائيلية. ودعا البيان "الحكومة الإسرائيلية إلى التراجع فوراً عن سياستها الحالية، والامتناع عن المزيد من الأعمال العسكرية، ورفع الحصار بشكل كامل، مع ضمان توزيع المساعدات الإنسانية بشكل آمن وسريع ودون عوائق في جميع أنحاء القطاع".
ستيفانيا أسكاري: إسرائيل تتصرف تصرف دولة إرهابية ومن يواصل التغطية عليها فهو متواطئ
من جهتها، ذكرت عضو مجلس النواب الإيطالي، المتحدثة باسم حركة "خمس نجوم" في المجلس، ستيفانيا أسكاري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومة الإيطالية اعترفت أخيراً، بعد 19 شهراً، بأنه قد بلغ السيل الزبى بالشعب الفلسطيني، وأن ما ترتكبه إسرائيل لا علاقة له بحق الدفاع عن النفس". وأضافت أسكاري: "الحقيقة أن إسرائيل تتصرف تصرف دولة إرهابية، ومن يواصل التغطية عليها فهو متواطئ"، معتبرة أن "التصريحات الأخيرة للوزير تاياني جاءت متأخرة ولا تكفي وحدها".
ورأت أن "إيطاليا الرسمية تملك الأدوات اللازمة للتحرك على الفور: إيقاف إمداد إسرائيل بأي نوع من الأسلحة والاعتراف بدولة فلسطين والمطالبة بإنهاء الاحتلال غير القانوني للأراضي الفلسطينية، ودعم قرارات المحكمة الجنائية الدولية، واستدعاء السفير الإيطالي في تل أبيب، وتأييد فرض عقوبات أوروبية ضد من يدهس بشكل ممنهج القانون الدولي". وتابعت: "لقد حملنا، أمام معبر رفح، لافتة ضخمة مكتوبا عليها "كفى تواطؤ" إلى جوار وجوه الزعماء الأوروبيين"، مشيرة إلى أن "المجتمع الدولي يتفرج من دون حراك على إبادة جماعية مستمرة، في حين أدارت الحكومات الأوروبية وجهها نحو الجانب الآخر". ووصفت هذا الصمت بأنه "مسؤولية تاريخية وسياسية وأخلاقية".
وحول مشاركتها في القافلة التضامنية "غزة ما وراء الحدود" التي شاركت فيها أكثر من 60 شخصية إيطالية، بين برلمانيين وأساتذة قانون دولي ونشطاء وصحافيين وممثلي منظمات حقوقية وإنسانية في الفترة من 15 إلى 19 مايو/أيار الحالي، والتي كان هدفها الدخول إلى غزة وإدخال المساعدات الإنسانية إلى أهاليه المحاصرين، أعربت النائبة الإيطالية عن أسفها "لعدم التصريح للقافلة بالدخول إلى قطاع غزة. والحقيقة أننا مارسنا كل ما أمكننا من ضغوط، وحتى الحكومة الإيطالية لم تساعدنا، وهكذا ظلت بوابة معبر رفح مغلقة في وجوهنا". واعتبرت أن هذا الإجراء "يفسر لنا الكثير عن الرغبة في التعتيم على الإبادة الجماعية في غزة أمام أنظار المجتمع الدولي من خلال منع المراقبين الدوليين من الشهادة وتوثيق الحقائق".
وكانت أسكاري قد لاحظت، في فيديو نشرته على صفحتها الشخصية بموقع فيسبوك يوم الأحد الماضي، وجود ما وصفته بـ"مدينة أشباح" وسط الصحراء، وبالقرب من معبر رفح، بنيت فيها بيوت حديثة غير مأهولة بالسكان. وحول هذه النقطة، أفادت النائبة الإيطالية، لـ"العربي الجديد"، بأنهم كانوا قد لاحظوا في القافلة التي نظموها لرفح العام الماضي "وجود كتل من البيوت غير المسكونة، هذه البنايات تضاعف عددها اليوم: أتحدث هنا عن مئات الآلاف من المساكن الجديدة المحاطة بسياج جداري على أراضٍ مصرية". وأضافت: "ليس من المعلوم من بناها ومن موّلها وما هي الجهة التابعة لها، لكن من الواضح أن الشكوك تدور حول أنه يجري التجهيز لتهجير جماعي للغزيين". وختمت بقولها: "لم يعد لإسرائيل رغبة في احتواء غزة، بل ترغب في إخلائها وإجبار شعب بأسره على النزوح منها بالقوة. نحن بصدد جريمة ضد الإنسانية وبأبعاد تاريخية".
الحكومة الإيطالية معروفة بتأييدها لإسرائيل
فوزي إسماعيل: الحكومة الإيطالية لن تتخذ مواقف أكثر قوة وشمولية تجاه الجرائم في الأراضي المحتلة
وعن العلاقات الإيطالية الإسرائيلية أوضح رئيس اتحاد المنظمات والجاليات الفلسطينية في أوروبا، الدكتور فوزي إسماعيل، أن "الحكومة الإيطالية معروفة بتأييدها المطلق لإسرائيل، حتى أن التصريحات الأخيرة لرئيسة الوزراء ووزير الخارجية تضمنت تأكيدهما على صداقة إيطاليا لإسرائيل". ورأى إسماعيل، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومة الإيطالية لن تتخذ مواقف أكثر قوة وشمولية تجاه الجرائم التي ترتكبها ضد شعبنا في الأراضي المحتلة"، معتبراً أن "هذا التغير في الخطاب السياسي للحكومة الإيطالية مرجعه تعالي موجة الانتقادات الدولية والمحلية ضد سياسات الحكومة المتواطئة في جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة، وبالتالي فهو محاولة للتبرؤ من هذه الجرائم التي كشفها صمود شعبنا الباسل في الأراضي المحتلة".
وعبّر عن أمله في "أن تكون ثمة جدية في مواقف الحكومة الإيطالية تجاه الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، وإن كنتُ لا أرجح ذلك، بل أعتقد أن هذه التصريحات الأخيرة ما هي إلا محاولة للهروب إلى الأمام، خاصة أمام الشعوب التي لم تعد تتحمل بشاعة المشاهد التي تأتينا من غزة ومعاناة أهلها في ظل حرب التجويع الجارية حالياً، وكأن ما يعانوه من إبادة ودمار ليس كافياً".