استمع إلى الملخص
- أعربت بعثة الأمم المتحدة عن قلقها من تصاعد العنف، داعية إلى وقف فوري لإطلاق النار وفتح ممرات آمنة للمدنيين، محذرة من أن التصعيد قد يخرج عن السيطرة.
- شهدت طرابلس تعليق الدراسة والرحلات الجوية، ورفع التأهب من قبل الهلال الأحمر ووزارة الصحة، مع فرار سجناء من سجن الجديدة، مما يعقد الوضع الأمني.
أعلنت وزارة الدفاع في حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عن "بدء تنفيذ وقف إطلاق النار في جميع محاور التوتر داخل العاصمة طرابلس"، مشيرة إلى البدء في نشر وحدات محايدة في نقاط التماس بين أطراف القتال. وجاء ذلك في بيان أصدرته الوزارة، في الوقت الذي تراجعت فيه أصوات الاشتباكات التي اندلعت منذ ليل البارحة بين قوة جهاز الردع واللواء 444 قتال التابع لوزارة الدفاع.
وأوضح بيان الوزارة أن "قوات نظامية" باشرت "بالتنسيق مع الجهات الأمنية المختصة، باتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان التهدئة، بما في ذلك نشر وحدات محايدة في عدد من نقاط التماس لضمان استقرار الوضع ومنع أي احتكاك ميداني".
وفي توضيح ضمني لموقفها من اللواء 444 التابع لها، والمدعوم من قوات وزارة الداخلية، ذكرت الوزارة في بيانها أن "تعاملها مع التطورات الأخيرة جاء في إطار الواجب الوطني، وبما يكفل الحفاظ على النظام العام ومنع محاولات استغلال الظروف لتحقيق أجندات تتعارض مع مسار الدولة ومؤسساتها الشرعية"، في إشارة لاتهامها لجهاز الردع برفض قرارات الحكومة التي أصدرتها يوم أمس، واعتبرتها "إجراءات تعزيز هيبة الدولة وبسط سلطة القانون"، كان من بينها إلغاء "إدارة العمليات والأمن القضائي" المرتبط بجهاز الردع، وقرار حل جهاز الردع نفسه، وهي القرارات التي رفضها أعيان منطقة سوق الجمعة التي ينتمي إليها جهاز الردع، بل واتهموا الحكومة بـ"الانحراف عن المسار الوطني" و"استغلال النفوذ التنفيذي لأغراض تصفية حسابات سياسية".
وفيما دعت وزارة الدفاع إلى الابتعاد عن أي تحركات ميدانية من شأنها إعادة التوتر، أكدت على أن "وحدة الصف، وتعزيز سلطة القانون، وتفكيك مظاهر التسلح العشوائي، ستظل أولوية ثابتة، ولن يُسمح بفرض أي واقع بقوة السلاح أو خارج الأطر الرسمية".
وقبل إعلان الوزارة، أفاد مصدر أمني، تابع لمديرية أمن طرابلس لـ"العربي الجديد"، بتوصل وساطات اجتماعية في طرابلس لعقد هدنة بين أطراف القتال في العاصمة طرابلس، مرجحاً أن يبدأ تنفيذ الهدنة قبل ظهر اليوم الأربعاء. وأوضح المصدر الأمني نفسه أن الاتفاق توصل إلى أن تدخل قوة دعم المديريات مناطق الاشتباك للفصل بين طرفي القتال. وأكد المصدر ذاته أن رقعة الاشتباكات بدأت في الانحسار في مناطق جنوب شرق وغرب طرابلس.
من جانبه، قال مدير مكتب الإعلام بالهلال الأحمر الليبي معاذ الزرقاني لـ"العربي الجديد"، إن الجهاز لا يملك حتى الآن أي إحصائيات لضحايا الاشتباكات في صفوف المدنيين، مشيراً إلى أن وزارة الصحة في طرابلس بدأت في إنشاء غرفة طوارئ موحدة بهدف تنسيق الجهود لتسهيل وصول المصابين إلى المراكز الصحية. وأكد الزرقاني أن فرق الهلال الأحمر على أتم الجاهزية في انتظار بدء تنفيذ الهدنة للدخول إلى الأحياء السكنية لإخراج الأسر العالقة، مشيراً إلى أن الجهاز تلقى مئات الاستغاثات من الأسر المحاصرة في منازلها داخل مناطق الاشتباكات.
ومن جهتها، جددت البعثة الأممية إدانتها التصعيد المسلح الذي تشهده العاصمة طرابلس، وحذرت من أن تصاعد الأوضاع المتسارع بسبب التحشديات من المناطق المجاورة لطرابلس "قد يخرج عن السيطرة بسرعة". وفيما أشارت البعثة إلى وصولها إلى تقارير تفيد بوقوع ضحايا من المدنيين، كررت دعوتها لجميع الأطراف لـ"وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار في جميع المناطق، بما يتيح فتح ممرات آمنة لإجلاء المدنيين العالقين في مناطق النزاع الشديد". ودعت البعثة الأطراف المتصارعة إلى "الانخراط دون تأخير في حوار جاد وبنوايا حسنة لحل الخلافات بالوسائل السلمية"، مؤكدة استعدادها لتقديم مساعيها الحميدة لتيسير الحوار ووضع حد للقتال قبل أن يتفاقم الوضع أكثر.
وتصاعدت حدة الاشتباكات المسلحة في العاصمة الليبية بعد تجدّدها مع الساعات الأولى من صباح اليوم الأربعاء، حيث جرى استخدام الأسلحة المتوسطة والثقيلة. وسمعت أصوات نيران الأسلحة المتوسطة بشكل كثيف في أحياء طرابلس المكتظة بالسكان، لا سيما أحياء زاوية الدهماني، وباب بن غشير الفرناج طريق 11 يوليو، وسط المدينة، فيما أظهرت فيديوهات صوّرها أهالي أحياء غوط الشعال والدريبي، غربي طرابلس، وصلاح الدين والسدرة وعين زارة، شرقيها، استخدام الدبابات والعربات المصفحة في القتال.
واشتد القتال بين فصيل قوة جهاز الردع، مسنوداً بقوة جهاز الشرطة القضائية، وبين اللواء 444 قتال، مسنوداً بقوة العمليات المشتركة والأمن العام. وتتبع هذه الفصائل لحكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي.
ووفقاً لمعلومات أدلى بها مصدر أمني تابع لمديرية أمن العاصمة في وقت سابق، فإن القتال اشتدت ضراوته بين الجانبين دون أن يتقدم أي منهما على الآخر، مؤكداً أن المديرية فشلت في إقناع الطرفين في وقف القتال لفتح ممرات آمنة لخروج الأسر العالقة في مناطق الاشتباكات. وأفاد المصدر الأمني نفسه بأن فصائل مسلحة من مدينة الزاوية، الواقعة غربي طرابلس بنحو 30 كيلومتراً، وصلت إلى مناطق غربي العاصمة، وبدأت تشارك في الاشتباكات لمناصرة جهاز الردع في حربه ضد قوات الحكومة.
ونشر جهاز الهلال الأحمر على صفحته الرسمية مناشدة لكل الأطراف لوقف القتال للسماح لفرقه بالدخول إلى الأحياء السكنية وإخراج الأسر، معلناً ورود العشرات من نداءات الاستغاثة. وتجدّدت الاشتباكات مع الساعات الأولى من صباح اليوم الأربعاء، وأعلن الهلال الأحمر وجهاز طب الطوارئ والدعم رفع درجة التأهب القصوى في صفوف فرقهما. وسمعت أصوات الاشتباكات بشكل عنيف في أحياء رأس حسن والهاني وجامعة ناصر، وسط العاصمة.
وكان مصدر أمني من مديرية أمن طرابلس قد أوضح لـ"العربي الجديد"، في وقت سابق فجر اليوم، أنّ الاشتباكات تدور بين اللواء 444 قتال التابع لوزارة الدفاع، وقوة جهاز الردع التابعة للمجلس الرئاسي. وأشار المصدر إلى أنّ الاشتباكات اندلعت إثر إقدام اللواء 444 على دخول مقرات أمنية وسجون تابعة لإدارة العمليات والأمن القضائي، المرتبطة بجهاز الردع. وأضاف أنّ هذا التدخل جاء عقب صدور قرار حكومي بإلغاء إدارة العمليات والأمن القضائي وتكليف وزارة الداخلية بالإشراف عليها وإدارتها. وتتطابق هذه المعلومات مع ما تداولته منصات التواصل الاجتماعي من مقاطع فيديو تُظهر سيارات مسلحة تابعة للفصيلين، اللواء 444 قتال وجهاز الردع، وهي تتبادل إطلاق النار في شوارع العاصمة.
وبعد دقائق معدودة من تجدد الاشتباكات العنيفة، أعلن جهاز الشرطة القضائية في طرابلس عن فرار عدد من السجناء من سجن الجديدة، عقب اندلاع اشتباكات في محيط السجن خلال الساعات الماضية. وأوضح الجهاز أنّ عدداً من الفارين هم من أصحاب الأحكام الثقيلة، وبعضهم متورط في قضايا جنائية خطرة. وأشار الجهاز إلى أنّ الأوضاع الأمنية المتدهورة حالت دون السيطرة على محيط السجن، محذراً من تداعيات أمنية خطيرة قد تشهدها العاصمة نتيجة هذا التطور.
وفي ظل التوترات، أعلنت مراقبة التربية والتعليم ببلدية طرابلس المركز تعليق جميع الامتحانات المقررة اليوم الأربعاء، تبعتها جامعة طرابلس بقرار مماثل شمل تعليق الدراسة والامتحانات والدوام الإداري، فيما أعلنت بلديتا سوق الجمعة وعين زارة تعليق الدراسة أيضاً. كما أوقِفت الرحلات الجوية من مطار معيتيقة الدولي وإليه، مع تحويل مسارها إلى مطار مصراتة، وفق ما أوردته وسائل إعلام محلية. وأعلن الهلال الأحمر الليبي في طرابلس رفع درجة التأهب القصوى، داعياً المواطنين إلى توخي الحذر والالتزام بتعليمات الجهات المختصة حفاظاً على سلامتهم.
من جهتها، أعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، اليوم الأربعاء، عن قلقها العميق إزاء تصاعد أعمال العنف في المناطق السكنية بطرابلس، داعية إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار. وأكدت البعثة، في بيان، أن استمرار الاشتباكات من شأنه أن يزيد حدة عدم الاستقرار في العاصمة ومناطق أخرى من البلاد، مطالبة جميع الأطراف بإعطاء الأولوية لحماية المدنيين والانخراط في حوار وطني جاد يضع حداً للتصعيد.
تعرب بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن عميق قلقها إزاء تصاعد أعمال العنف في الأحياء السكنية المكتظة في طرابلس، لليلة الثانية على التوالي، مما يعرّض حياة المدنيين للخطر.
— UNSMIL (@UNSMILibya) May 14, 2025
وتدعو البعثة إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار في جميع المناطق المأهولة بالمدنيين، محذّرة من أن استمرار… pic.twitter.com/QagrHwixyU
في السياق ذاته، عقد أعيان منطقة سوق الجمعة في طرابلس، التي يُعد جهاز الردع من أبرز التشكيلات الأمنية فيها، اجتماعاً مع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، منتصف ليل الثلاثاء، لمناقشة تطورات الوضع الأمني في العاصمة. وبحسب المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي، عبّر الأعيان عن انزعاجهم من القرارات الحكومية التي صدرت في وقت سابق من اليوم نفسه، واصفين إياها بـ"القرارات الانتقائية".
ووفق بيان صادر عن المجلس، اعتبر أعيان سوق الجمعة أن تلك القرارات تمسّ أجهزة أمنية منضبطة وفاعلة في المنطقة، في إشارة إلى جهاز الردع، واتهموا الحكومة بـ"الانحراف عن المسار الوطني" و"استغلال النفوذ التنفيذي لتصفية حسابات سياسية". واكتفى المجلس الرئاسي بنشر هذا البيان، من دون أن يصدر عنه أي موقف واضح حيال الاشتباكات الجارية، رغم أن كلاً من جهاز الردع وجهاز دعم الاستقرار، الذي أُطيح به مساء الاثنين، يتبعان للمجلس نفسه.
وبدأ التصعيد العسكري في طرابلس مساء أول من أمس الاثنين، بتحشيد جهاز دعم الاستقرار عرباته المسلحة ومقاتليه في منطقة أبو سليم، معقله الرئيسي، قابله تحشيد آخر من جانب قوات وزارتي الدفاع والداخلية بالحكومة. وفي تلك الأثناء، انعقد اجتماع بين قادة المجموعات المسلحة بغرض التهدئة ووقف التصعيد. وخلال الاجتماع، قُتل قائد جهاز دعم الاستقرار عبد الغني الككلي إثر اشتباكات اندلعت بين حراسات القادة المجتمعين، وأعقب مقتله تنفيذ قوات وزارتي الدفاع والداخلية عملية عسكرية خاطفة سيطرت خلالها على كامل مقرات الجهاز في منطقة أبو سليم.
وفي أعقاب سقوط جهاز دعم الاستقرار، الذي يُعد من أكبر المجموعات المسلحة في العاصمة، أعلنت وزارة الدفاع عن انتهاء العملية العسكرية بنجاح. وكتب رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة تدوينة على حسابه على "فيسبوك"، أكد فيها أن ما تحقق يُشكل "خطوة حاسمة نحو إنهاء المجموعات غير النظامية وترسيخ سلطة الدولة". ومن دون أن يتطرق إلى مصير الككلي أو جهازه، أضاف: "ما تحقق اليوم يؤكد أن المؤسسات النظامية قادرة على حماية الوطن وحفظ كرامة المواطنين، ويُشكل خطوة حاسمة نحو إنهاء المجموعات غير النظامية".
وإثر إعلان وزارة الداخلية عن عودة الهدوء إلى أرجاء العاصمة، أصدر الدبيبة سلسلة قرارات وصفتها الوزارة بـ"الحاسمة ضمن إجراءات تعزيز هيبة الدولة وبسط سلطة القانون"، في خطوة تهدف إلى إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية المرتبطة سابقاً بجهاز دعم الاستقرار، من بينها إلغاء "إدارة العمليات والأمن القضائي"، التي يترأسها أسامة نجيم، الذي كان قد تسبب في وقت سابق بأزمة دبلوماسية بين إيطاليا ومحكمة الجنايات الدولية على خلفية توقيفه في إيطاليا قبل أن يُفرج عنه. وتُعد إدارة العمليات والأمن القضائي من الأجهزة المرتبطة بجهاز دعم الاستقرار وجهاز الردع.