أشعل فرض الرئيس الأميركي جو بايدن قيوداً على شنّ هجمات بطائرات مسيّرة ضدّ مجموعات متطرفة خارج نطاق ميادين الحروب المنخرطة فيها الولايات المتّحدة رسمياً، وهي أفغانستان وسورية والعراق، معدّلاً بذلك نهج سلفه دونالد ترامب، الذي أجاز استخدام هذه الغارات على نطاق واسع، تساؤلات حول ما إذا كان الأمر سيؤدي فقط للعودة فقط إلى معيار "شبه اليقين" لعدم قتل مدنيين، وهو الذي وضعته إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما في 2013.
كيربي: التوجيهات لا تعني وقف هجمات الطائرات المسيّرة
وعلى الرغم من التقييد، فقد ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، أمس الأول، أن وكالة الاستخبارات الأميركية "سي أي إيه" توسع قاعدتها في النيجر، والتي تشن من خلالها هجمات بطائرات من دون طيار في دول أفريقية. وذكرت أن عملية توسيع القاعدة، التي أقيمت قبل 3 سنوات في جنوب النيجر، تشير إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية ستكون مستعدة لتنفيذ هجمات مسلحة بطائرات بدون طيار إذا سمح لها بذلك. وأوضحت أن صوراً بالأقمار الاصطناعية أظهرت أن القاعدة الجوية في منطقة ديركو في النيجر توسعت كثيراً منذ العام 2018، حيث تم بناء مدرج طويل وزيادة الحراسة عليها. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية جون كيربي، أمس الثلاثاء، إن أي ضربة تم التخطيط لها ضد مجموعات متطرفة خارج أفغانستان وسورية والعراق ستُحال على البيت الأبيض للحصول على إذنه قبل تنفيذها. وتحدّث كيربي عن "توجيهات مؤقتة تم توزيعها لتوفير رؤية شاملة للرئيس بشأن العمليات الهامة". وأشار إلى أنّ التوجيهات ليست "دائمة"، وأنّ الأمر لا يعني "وقف" الهجمات بواسطة طائرات مسيّرة.
وكان ترامب، ومنذ بداية ولايته الرئاسية في 2016، فوّض سلطات إدارة العمليات العسكرية ضدّ المجموعات المتشددة، التي كان أوباما قد تولاها شخصياً، إلى قادته العسكريين مؤكّداً "ثقته بهم". ومنذ وصول ترامب إلى سدّة الرئاسة تضاعفت الضربات بواسطة طائرات مسيّرة من 11 عملية في الصومال في 2015 إلى 64 في 2019، وفق منظمة "إيروورز" المتخصّصة. وعلى الرغم من تأكيد العسكريين أنّ الضربات تتّسم بـ"دقّة جراحية"، فإن منظمات غير حكومية تحمّلهم مسؤولية سقوط قتلى مدنيين. وفي أول تقرير علني حول العمليات العسكرية الأميركية في الصومال، نُشر في فبراير/شباط 2020، ذكّر المفتّش العام في وزارة الدفاع غلين فاينّ بأن المهمة الرسمية الموكلة إلى القيادة العسكرية الأميركية لأفريقيا (أفريكوم) هي "تقليص وجود حركة الشباب وتنظيم داعش في الصومال والتنظيمات المتطرفة الأخرى في شرق أفريقيا، بالقدر الكافي الذي يمنعهم من الإضرار بمصالح الولايات المتحدة". إلا أنّ مكتب المفتش العام، وهو هيئة مستقلة عن وزارة الدفاع، اعتبر أنّه "على الرغم من الضربات الأميركية المتواصلة والمساعدة الأميركية للقوات الأفريقية الشريكة، يبدو أنّ التهديد الذي تشكّله حركة الشباب الطامحة إلى ضرب الأراضي الأميركية آخذ في التزايد".
ودعا موقع "just security"، أخيراً، إلى أن تكون الأولوية هي تقليل عدد القتلى من المدنيين. وطالب بإعادة تثبيت قرار أوباما بشأن "شبه اليقين" من أن المدنيين لن يتعرضوا لأذى قبل الموافقة على الضربة وتقويته. وأشار إلى أنه في ضوء الادعاءات المستمرة من قبل المنظمات غير الحكومية بأن الخسائر بين المدنيين أعلى مما تعترف به الحكومة، فإنه ينبغي على الإدارة مراجعة الإجراءات الحالية وكيفية تفسير قرار "شبه اليقين بعدم وقوع إصابات في صفوف المدنيين"، سواء في الفترة التي تسبق عملية ما أو في تقييم الخسائر الناجمة عن الضربة.
المراجعة التي تقوم بها إدارة بايدن ليست الأولى من نوعها
وكان موقع "بيزنيس انسايدر" أشار أخيراً إلى أن المنتقدين للحرب الأميركية على الإرهاب يأملون بتغيير كبير في سياسة بايدن. وقالت المسؤولة في منظمة العفو الدولية، دافني إيفيتار، للموقع "إذا كان هناك وقفة في الغارات الجوية بشكل عام، فإننا نأمل أن يكون ذلك بسبب إعادة تقييم استراتيجية الولايات المتحدة، والاعتراف بأن الضربات السابقة لم تنجح في إنهاء هجمات الجماعات المسلحة، بل قتلت وجرحت آلاف المدنيين".
وأشار موقع "انترسبت" إلى أن المراجعة التي تقوم بها إدارة بايدن ليست الأولى. ففي 2013، وبعد مواجهة انتقادات من جماعات الحريات المدنية، كشفت إدارة أوباما عن معيار "شبه يقين" حول هوية الأهداف عند شن ضربات خارج مناطق الحرب الأميركية المعترف بها، لكنها أوضحت أن إدارة أوباما ارتكبت أخطاء بارزة، إذ إنه وبعد ستة أشهر من إعلانها عن هذه القاعدة، في ديسمبر/كانون الأول 2013، ضربت طائرات أميركية بدون طيار قافلة مركبات في اليمن. وأشارت التسريبات الأولية إلى الصحافة إلى أنه ربما كان هناك أعضاء في تنظيم "القاعدة" في السيارات، لكن تحقيقاً أجرته منظمة "هيومن رايتس ووتش" خلص إلى أنه تم استهداف حفل زفاف، ما أدى إلى مقتل 12 شخصاً وجرح ستة. كما أسفرت غارة، في يناير/كانون الثاني 2015، بطائرة بدون طيار تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية في باكستان إلى مقتل اثنين من عمال الإغاثة، أحدهما أميركي والآخر إيطالي، كان مسلحون اختطفوهما.