باكستان قلقة إزاء موقف أفغانستان من الصراع مع الهند: "ظهرنا مكشوف"

09 مايو 2025
عناصر أمن أفغان قرب معبر حدودي مع باكستان، 15 يناير 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أعربت الخارجية الأفغانية عن حزنها تجاه الصراع بين باكستان والهند، مؤكدة على حيادها وداعية الدولتين لتجنب الحرب، بينما تتوقع باكستان دعمًا من أفغانستان نظرًا للعلاقات المشتركة.
- تواجه باكستان تحديات على حدودها الشرقية مع الهند والغربية مع أفغانستان، حيث يؤثر حياد كابول على القبائل البشتونية في باكستان، مما يزيد من التوتر بين البلدين.
- تتصاعد الهجمات المسلحة في باكستان، خاصة في إقليمي خيبربختونخوا وبلوشستان، مما يعقد الوضع الأمني، ويشكل الوضع على الحدود مع أفغانستان تحديًا وجوديًا لباكستان.

أعربت الخارجية الأفغانية عن حزنها الشديد حيال الصراع القائم بين باكستان والهند، مؤكدة أن ذلك الصراع ليس في صالح المنطقة، داعية الدولتين إلى تجنب الحرب، والتحلي بالصبر. وبهذا أعلنت كابول، بحسب مراقبين، حيادها في الصراع القائم بين الهند وباكستان، أو لا مبالاتها لما يحدث في الجارة الصديقة والداعمة للأفغان في العقود الأربعة الماضية. في حين أن باكستان رغم مشاكلها القديمة والجديدة مع أفغانستان تتوقع أن تكون الأخيرة إلى جانبها بحكم أنها جارة ودولة مسلمة وتربطها بباكستان علاقات دينية واجتماعية وتاريخية.

كما سارعت باكستان في الأيام الأخيرة إلى تغيير سياساتها مع أفغانستان، خاصة في ما يتعلق باللاجئين الأفغان وبملف التجارة والحدود، لكن يبدو أن كابول لم ترضيها تلك الإجراءات. ولا شك أن موقف كابول مهم جداً لباكستان في هذا الصراع، ولعل تصريحات وزير الدفاع الباكستاني خواجه آصف، الخميس، تبين مدى أهمية الحدود مع أفغانستان، إذ قال إن باكستان معرضة للهجوم على الحدود الشرقية مع الهند، وعلى الحدود الغربية مع أفغانستان، وذلك من قبل من وصفهم بـ"عملاء الهند"، في إشارة إلى طالبان الباكستانية وجيش تحرير بلوشستان. كما أشار إلى ذلك أكثر من مسؤول في باكستان.

ومعروف أنه لا يمكن ضبط الأوضاع على الحدود الغربية مع أفغانستان دون تعاون كابول. من هنا باتت تلك الحدود جبهة إضافية على كاهل القوات المسلحة الباكستانية، وهو ما يصفه بعض المراقبين في باكستان بالظهر المكشوف. ولا تقف الأمور عند هذا الحد بل يؤدي أيضاً التوتر على الحدود مع أفغانستان وحياد كابول إلى حياد القبائل البشتونية في باكستان أيضاً، لأنها غالباً ما تتأثر بالتطورات التي تسود منطقة القبائل. وعلى الرغم من ذكر المسؤولين الحكوميين والعسكريين في باكستان بخطاباتهم الأخيرة دور قبائل البشتون في الصراع التاريخي مع الهند، إلا أن تلك القبائل لم تتجاوب بشكل مناسب مع ما كانت تتطلع إليه إسلام أباد، ولعل هذه تكون أول مرة تمر فيها علاقة القبائل مع الدولة بهذا النوع من البرودة.

في الشأن، يقول الزعيم القبلي الباكستاني محمد نعيم يوسفزاي لـ"العربي الجديد" إن الكثير في باكستان يرون أن موقف أفغانستان في هذا الوقت العصيب ليس مهماً، لأنه ليس لديها جيش يساعد أو قوة عسكرية قد تساند باكستان، لكنهم ينسون أن دعم أفغانستان هو دعم معنوي من دولة جارة صديقة، "كما أننا نواجه العديد من التحديات الأمنية على كل الأصعدة، من هنا عندما لا تساعد معنا أفغانستان في هذا الفترة العصيبة سيكون ظهرنا مكشوفاً، نحن نواجه الآن جبهتين مستعرتين، بالتالي موقف أفغانستان لنا مهم جداً، وعندما نرى البرودة الموجودة بموقف أفغانستان في ظل التطورات السلبية التي حصلت في العلاقات بين أفغانستان وباكستان خلال الأيام الأخيرة، لا بد أن يكون هذا محط قلق لصناع القرار في إسلام أباد، فقبل شهر كانت القوات الأفغانية على الزناد ضد القوات الباكستانية، كما نرى في هذه الأيام التقارب بين الهند وأفغانستان".

الصورة
لاجئون أفغان مرحلون من باكستان / 7 إبريل 2025 (Getty)
لاجئون أفغان مرحلون من باكستان يصلون إلى مخيم مؤقت قرب الحدود بين البلدين، ولاية ننغرهار، 7 إبريل 2025 (Getty)

وكان الزعيم الديني المولوي فضل الرحمن وهو زعيم جمعية علماء الإسلام، قد أكد، في خطاب له أمام اجتماع شعبي قبل يومين، أن القوات المسلحة في صراع مع القوات الهندية "ولكن السؤال المهم هو، ماذا فعلتم لتهدئة الجبهات الأخرى وماذا فعلتم لضبط الجماعات المسلحة؟"، مشدداً على أن الشعب الباكستاني متماسك ويقف مع القوات المسلحة ضد الهند لكن الأمر لا يكون كذلك إذا حصلت أي مشكلة مع أفغانستان.

ويبدو أن الحكومة الباكستانية لم تكن منتبهة إلى خطر الحدود مع أفغانستان، بل كانت تظن أن التعامل معها كالتعامل مع الهند، ففي 6 مايو/أيار الجاري، لما نفذ سلاح الجو الهندي غارات داخل باكستان وتمكن سلاح الجو من إسقاط خمس طائرات هندية، أصبحت نبرة بعض المسؤولين في الحكومة الباكستانية حادة كما كانت قبل أسابيع. على سبيل المثال، قال وزير السكة الحديدية، وهو القيادي البارز في حزب الرابطة الإسلامية الحاكم، حنيف عباسي، تعليقاً على ما سماه بالنجاح التاريخي لسلاح الجو الباكستاني ضد الهند، "إننا كما فعلنا برئيس الوزراء الهندي نريندرا مودي وبلاده، سنفعله بكل أعدائنا، ونقول لأفغانستان سوف ننغمس في أرض أفغانستان، ونقتل أعداءنا هناك أيضاً كما فعلنا بالطائرات الهندية، سنقتل مقابل جندي باكستاني واحد عشرات منكم".

تلك التصريحات أثارت غضب الأفغان. وقال الناشط الأفغاني، الإعلامي عتيق الرحمن وفا، لـ"العربي الجديد" إن "مثل هؤلاء الناس لا يعرفون تاريخ هذه البلاد، أفغانستان ليست كالهند، ولا أدري لماذا يربط بعض المسؤولين في الحكومة الباكستانية ما يدور بين باكستان والهند، وبين أفغانستان وباكستان، ثمة فروق كثيرة، أفغانستان ليست الهند، والهند ليست كأفغانستان، كل دولة لها خصوصياتها وباكستان لا تتحمل لا العداء مع أفغانستان ولا مع الهند".

وأضاف الناشط الأفغاني نفسه: "مع إسقاط خمس طائرات هندية هل قضت باكستان على القوة الهندية لتتفرغ إلى أفغانستان؟ المشكلة الأساسية في باكستان أن المؤسسة العسكرية هي التي تقاتل وهي التي تصنع القرارات، وهي نفسها تقرر سياسة البلاد الداخلية والخارجية، وهي تظن أن أفغانستان الحالية كأفغانستان التسعينات، التي كان يحكمها أمراء الحرب وكان بيعهم أسهل شيء لباكستان، ولكن الأمر ليس كذلك".

كذا يقول الصحفي الباكستاني شوكت علي خان، لـ"العربي الجديد"، إن سياسات باكستان الأخيرة بحق اللاجئين الأفغان وكذلك وضع قيود شديدة على التجار الأفغان، بالإضافة إلى المناوشات الحدودية، كانت هي الدوافع الرئيسية وراء توتر العلاقات. وأضاف "يبدو أن صناع القرار في باكستان لم ينتبهوا إلى ما يجري من التغيرات في المنطقة، خاصة في العلاقات مع الهند"، مشيراً إلى أن أفغانستان أيضاً على عاتقها لوم، لأنها لم تتعامل مع باكستان على نحو إيجابي في ما يخص ملف طالبان الباكستانية، بالتالي لجأت إسلام أباد إلى تلك الخطوات التي أدت إلى توتر العلاقات مع كابول. وقال "جاء ذلك في وقت غير مناسب، لم تكن باكستان تتوقعه".

محور إضافي للصراع

أعربت طالبان الباكستانية عن حزنها الشديد حيال مقتل المدنيين جراء الهجمات الهندية في باكستان. وقالت، في بيان لها يوم الأربعاء، إن استهداف المدنيين من أي جهة كانت هي جريمة نحن ندينها بأشد العبارات، مضيفة في الوقت نفسه أن استهداف مراكز لجيش محمد، والذي أدى إلى مقتل عدد من أفراد أسرة زعيم الجيش مولانا مسعود جاء نتيجة منح الاستخبارات الباكستانية المعلومات إلى نظيرتها الهندية من أجل تهدئة الأوضاع. ووصفت الحركة الجيش الباكستاني بأنه "عدو لباكستان وعدو للمسلمين".

بموازاة ذلك تستمر هجمات المسلحين في إقليم خيبربختونخوا في الشمال الغربي وفي إقليم بلوشستان جنوب غربي باكستان، كان آخرها، هجوم على مراكز عسكرية في مدينة بنو أمس الخميس، حيث دارت اشتباكات عنفية بين الطرفين، استمرت لساعات طويلة. كذلك شهدت مدينة كويته الباكستانية أربع هجمات مسلحة استهدفت ثلاث منها مراكز أمنية. وكان سبعة من عناصر الجيش الباكستاني قد قتلوا جراء هجوم تفجيري في إقليم بلوشستان إلى الجنوب الغربي، وفق بيان للجيش الباكستاني في 6 مايو/أيار، وذلك في اليوم الذي استهدفت الغارات الهندية مختلف المدن الباكستانية. وتبنى جيش تحرير بلوشستان مسؤولية ذلك الهجوم.

في المحصلة، لا شك أن التحدي الأكبر في وجه باكستان في الوقت الراهن هو الأزمة المتصاعدة مع الهند، لكن على المدى البعيد فإن الوضع على الحدود مع أفغانستان سيصبح من التحديات الوجودية في وجه إسلام أباد، كما سيكون له تأثير كبير على الأزمة الحالية مع الهند، خاصة إذا استمر الوضع على ما هو عليه.

المساهمون