أكد باحثون في العلوم السياسية، اليوم الخميس، أن انتخابات 2022 و2023 بتونس هي "انتخابات لبرلمان دون صلاحيات ودون أحزاب ودون نساء ودون شباب ودون ناخبين"، مشيرين إلى أن شعبوية الرئيس التونسي، قيس سعيّد، هي دون شعب. وشددوا على أن شعب سعيّد "لا نجده إلا في الخطب، أي إنه شعب هلامي وفيسبوكي بمعنى افتراضي".
جاء ذلك خلال ندوة للمرصد التونسي للتحول الديمقراطي بالتعاون مع مؤسسة "فريدريش إيبرت" في تونس بحضور خبراء في العلوم السياسية، خصصت للنظر في نتائج الانتخابات التشريعية وملامح البرلمان وانعكاسات ذلك على المشهد السياسي عموماً.
وقال رئيس المرصد التونسي للتحول الديمقراطي، محمد الصحبي الخلفاوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الشعبوية أكبر خطر على الديمقراطية، وعلى صناعة السياسات العامة"، مبيناً أن "سعيّد بالبرلمان الفاقد للصلاحيات يسعى لتدعيم نفوذه".
ولفت الصبحي الخلفاوي إلى أنّ "هناك تقسيماً للمجتمع، ولا يوجد نظام شعبوي لم ينتهِ بكارثة"، مؤكداً أن "النظام أقصى الأحزاب وهمّش الشباب والمرأة، وأن عدم تجانس البرلمانيين ونوعيتهم الاجتماعية مؤشر خطير على الفراغ السياسي".
وأضاف أن "هناك تحولات في المشهد السياسي، ولكن تبقى الديمقراطية الحل الأنسب لتقدم الشعوب"، مبيناً أن "الشعبوية تستهدف البناء الديمقراطي، وهي من خلال تجارب دول الجنوب ذات منحى استبدادي، وليس ديمقراطياً".
وأشار إلى أن "هذا يعوق التقدم والذهاب إلى الحرية والديمقراطية بدل تنمية الذكاء الاجتماعي"، محذراً من أن "المنظومات القائمة على رأي وحكم الفرد هي الخطر الأساسي، فالشعبوية في حد ذاتها قد لا تكون خطيرة، لكن مآلاتها خطيرة".
وأضاف أن "تونس تتجه نحو مسار سيئ، ومحو كل ما تمّ تحصيله خلال السنوات العشر الأخيرة، التي كان فيها الجيد والسيّئ والمكاسب التي تحققت".
وانتهت الانتخابات التشريعية في تونس، بعد إتمام الدور الثاني منها أواخر يناير/ كانون الثاني الماضي، بهزيمة قاسية للرئيس قيس سعيّد، بعد نسبة عزوف قياسية، بعدما راهن على خريطة الطريق التي أطلقها في عام 2021، بعد حلّه البرلمان المنتخب في 2019 وإلغائه دستور 2014 وتمريره دستوراً جديداً في استفتاء 25 يوليو/ تموز 2022.
وتابع الصبحي الخلفاوي، قائلاً: "نحن اليوم أمام دستور يعطي الصلاحيات لفرد واحد"، معتبراً ذلك "ضرباً للمجتمع المدني والسياسي وتضييقاً على الحريات ومحاكمات عسكرية للمدنيين، وهذا لا يمكن أن يكون جزءاً من البناء الديمقراطي، بل ارتدادات للشعبوية".
من جهته، قال الباحث بالمرصد التونسي للتحول الديمقراطي، حافظ شقير، في تصريح لـ"العربي الجديد" إن "البرلمان لا يضم أحزاباً كالتي نعرفها سابقاً، وهو دون صلاحيات، يغيب فيه الشباب رغم أن وجوده مهم، ولكن نسبة وجوده في البرلمان ضعيفة جداً بـ7 بالمائة فقط".
ولفت إلى أن "عديد الفئات الفاعلة لا حضور لها كالمحامين مثلاً، وبالتالي خريطة البرلمان الجديد غريبة"، مبيناً أنه "قام بالتعاون مع مختصين بقراءة في نتائج الانتخابات والمترشحين، التي بينت نوعية النواب وسير الانتخابات، خاصة من حيث تأثير اللوبيات المحلية، وأنه من خلال ذلك ستُكوَّن قاعدة بيانات لتتبع المسار السياسي".
وأوضح شقير أن "من بين 1058 مترشحاً نجد 412 فقط مترشحاً لهم نشاط سياسي أو مدني، وأن هناك ما يقارب 94 بالمائة منهم لهم مستوى تعليمي عالٍ، رجالاً ونساءً، وأن أغلب المهن تدور في أكبر نسبة 28.2 بالمائة هي حول التعليم والتدريس وتتمثل بمعلمين ومتفقدين ومديري مدارس وقيمين، وهم موجودون في 78 بالمائة من الدوائر، وهي الفئة المهيمنة، وعادة تستقطبها الطبقة السياسية، وهو ما برز في انتخابات 2014، فنسبة هؤلاء كانت كبيرة مع وجود للمحامين حينها".
وتابع موضحاً: "يمثل الموظفون 11 بالمائة، ورجال الأعمال 6 بالمائة، بينما يمثل رؤساء البلديات 3.9 بالمائة من المترشحين"، مؤكداً أن الفئات الأقل تمثيلاً هي التجار بـ1.5 بالمائة، والفلاحون بـ2.5 بالمائة، والمحامون والعدول بـ2.7 بالمئة، والنسبة نفسها تقريباً للأطباء والصيادلة.
وأفاد بأن "الوجه السياسي للبرلمانيين غير واضح، فـ10 بالمائة لهم نشاط نقابي، وثلث البرلمانيين لهم نشاط في المجتمع المدني".
وأشار شقير إلى أن العلاقة مع الأحزاب تظل أكثر غموضاً، مضيفاً: "فالمترشحون أخفوا صفاتهم الحزبية، بدليل أن هيئة الانتخابات لم تصرح إلا بـ23 متحزباً، منهم 12 من حركة الشعب".
وتابع أنه "بسؤال الشباب عن رضاهم عن قيس سعيّد، أكدوا أنهم لن يصوتوا له مجدداً، وبالتالي عزوف الشباب كان متوقعاً"، محذراً من أن "المرور إلى انتخابات الأقاليم والجهات ستكون كارثة على الديمقراطية، لأن التصويت لن يكون من أجل الديمقراطية، بل حسب الانتماء للجهة، خاصة أن الانتخابات التشريعية قادت إلى فراغ سياسي كبير".