انقسام "مهني" بالجيش الإسرائيلي حول احتلال غزة واتفاق على جوهره

26 اغسطس 2025   |  آخر تحديث: 15:03 (توقيت القدس)
غارة إسرائيلية على قطاع غزة، 27 يوليو 2025 (مناحيم كاهانا/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الخلافات بين المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل حول حرب غزة تتعلق بالأساليب والأولويات، حيث يدعو رئيس الأركان إيال زامير إلى صفقة جزئية لحماية المحتجزين، بينما يفضل السياسيون احتلال غزة بالكامل لأسباب أيديولوجية وتكتيكية.
- هناك انقسام داخل الجيش حول كيفية التعامل مع قضية المحتجزين واحتلال غزة، حيث يدعم زامير الصفقة الجزئية، بينما يفضل بعض الجنرالات صفقة شاملة مع حماس.
- تتفق المدرستان الفكريتان في الجيش على إمكانية احتلال غزة، لكن زامير يفضل المفاوضات مع الضغط العسكري التدريجي، بينما يدعو المعارضون إلى السيطرة السريعة لمنع تعافي حماس.

لا تتعلق الخلافات القائمة بين المستويين السياسي والعسكري في دولة الاحتلال الإسرائيلي، التي تخرج لوسائل الإعلام العبرية من حين إلى آخر، حول حرب الإبادة على قطاع غزة بجوهر ونتائج الحرب ونيّات القتل الجماعي والتجويع ومخططات التهجير، وإنما غالباً تتعلق باجتهادات حول الأولويات وسُبل التطبيق ومراحله. فضلاً عن المراوغة لتجنب الملاحقات الدولية للجنود والقادة وتوجيه اتهامات لهم بارتكاب جرائم حرب.

وضمن ما سبق يأتي موقف رئيس أركان جيش الاحتلال، إيال زامير، الداعي للقبول بمقترح الصفقة المطروح في الوقت الراهن واستئناف الإبادة بعد ذلك، حفاظاً على حياة المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة وحماية لجنود الاحتلال وللتخفيف من استنزافهم وإرهاقهم، فيما يروّج المستوى السياسي لاعتزامه احتلال مدينة غزة وعدم القبول بالصفقة الجزئية التي قبلت بها حماس، لأسباب منها أيدولوجية ومنها تكتيكية، وأخرى سياسية حفاظاً على الائتلاف الحكومي. وبالتالي تكمن "الخلافات" في التفاصيل لا في الجوهر.

ويندرج في نفس السياق ما نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، اليوم الثلاثاء، حول وجود انقسام حتى داخل القيادة العليا لجيش الاحتلال الإسرائيلي، ووصفته بأنه "خلاف مهني حاد" بشأن قضية المحتجزين واحتلال مدينة غزة. ويقود زامير توجّهاً يُفضّل إتمام الصفقة الجزئية الآن، حيث يرى أن مثل هذه الصفقة ستلغي أو تؤجل إلى موعد لاحق عملية احتلال مدينة غزة بالكامل، وذلك فقط بعد اتضاح نتائج المفاوضات الشاملة لإطلاق سراح المحتجزين ووقف الحرب.

أما الرؤية الأخرى، التي ينتمي إليها عدد من الجنرالات والضباط الكبار في مناصب قيادة ميدانية رفيعة، فترى أنه يجب السعي مباشرة نحو صفقة شاملة يتم بموجبها الاتفاق مع حماس على إطلاق سراح جميع المحتجزين، وتُحدد شروط لإنهاء الحرب تكون مقبولة على حكومة إسرائيل، ويتم إنهاء حكم حماس في قطاع غزة، فيما تتمتع بلدات غلاف غزة بأمن طويل الأمد.

وشددت الصحيفة على أنه "يجب التأكيد أنّ الحديث يدور حول خلاف مهني، وليس خلافاً سياسياً أو أيديولوجياً، كما هو الحال في الكابينت بين وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، اللذين يرغبان في إعادة الاستيطان إلى قطاع غزة، وبين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، ووزراء آخرين يعارضون ذلك في الوقت الحالي".

وتشير الصحيفة العبرية إلى وجود نقطتي توافق على الأقل بين "المدرستين الفكريتين" في هيئة الأركان العامة لجيش الاحتلال، إذ إنّ رئيس الأركان والجنرالات الذين يؤيّدون الصفقة الجزئية لا يستبعدون أن يحتل الجيش الإسرائيلي مدينة غزة في نهاية المطاف، لكنهم يفضّلون أولاً إعطاء أكبر مساحة ممكنة لتحقيق إطلاق سراح جميع المحتجزين وتحقيق أهداف الحرب عبر المفاوضات. ووفقاً لنهج رئيس الأركان، ستُجرى المفاوضات بالتوازي مع ممارسة ضغط عسكري مكثّف على حركة حماس، من خلال إخلاء السكان المدنيين الذين يُقدر عددهم بنحو مليون وربع المليون نسمة، ثم تنفيذ عمليات هجومية تدريجية تتصاعد بمرور الوقت.

ويعتقد رئيس الأركان أنه لا ينبغي التسرّع في تنفيذ هذه العمليات. وبرأيه، يجب أولاً فرض حصار على غزة ثم إخلاء السكان المدنيين، وبعد ذلك فقط يأتي دور المناورة العسكرية المكثّفة، في المناطق التي تعتقد إسرائيل وفق معلوماتها الاستخباراتية "المؤكدة"، عدم وجود محتجزين فيها. على أن يتم كل ذلك تدريجياً بهدف الحفاظ على حياة المحتجزين وتقليل عدد الإصابات في صفوف الجنود على الأرض.

كما يسعى رئيس الأركان إلى استخدام الحد الأدنى من الفرق القتالية اللوائية أثناء تنفيذ الحصار والعملية البرية، وذلك لتقليل إرهاق الأفراد واستنزاف المعدات في الجيش الإسرائيلي وخاصة في صفوف قوات الاحتياط. كما تقدم خطة رئيس الأركان عنصراً إضافياً هو إدخال المساعدات الإنسانية بهدف استعادة الشرعية الدولية التي فُقدت تقريباً بالكامل. أما "العيب الرئيسي" في خطة رئيس الأركان، على حد وصف الصحيفة، فهو أنها لا تتيح ممارسة ضغط متواصل على حماس، وتتطلب وقتاً طويلاً، وربما حتى سنة كاملة، لتحقيق النتائج المرجوة من قبل إسرائيل.

بالمقابل، يرى أصحاب الرؤية الأخرى، التي تضم عدداً من الجنرالات والضباط الكبار، أنه إذا تم التوجّه نحو صفقة جزئية فسيتم فقدان الزخم، وسيخسر الاحتلال القدرة على استغلال الضغط الهائل الذي تتعرض له حماس لصالحه، في وقت تُظهر تقارير الاستخبارات الاسرائيلية، أن الحركة تأخذ تهديد احتلال القطاع على محمل الجد، وتبحث عن أي وسيلة لمنع هذا الاحتلال. حيث تزعم مصادر استخباراتية بأن حماس تدرك أن الجيش الإسرائيلي قادر على تنفيذه دون صعوبة كبيرة.

وعليه يرى أصحاب هذا الاتجاه، أن وقف إطلاق النار لمدة 60 يوماً بهدف إطلاق سراح جزء من المحتجزين سيسمح لحماس بالتعافي وسيؤخر، أو يُفشل تماماً، عملية إخلاء السكان من مدينة غزة، كما أن القليل من الشرعية الدولية التي لا تزال لدى إسرائيل سيتآكل أكثر. وما هو أهم، على الأقل بالنسبة لنتنياهو، أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سيفقد صبره ويطالب نتنياهو بإنهاء العدوان. ويرى القادة العسكريون الكبار الذين يطالبون باحتلال غزة، أن "النتيجة ستكون أننا سنضطر إلى القيام بذلك في نهاية المطاف، لكن في هذه الأثناء، بسبب الجوع أو الأمراض، سنفقد مختطفين وشرعية دولية، ولن نحقق جميع أهداف الحرب".

ونقلت الصحيفة عن قائد كبير في جيش الاحتلال، لم تسمّه، قوله: "من الأفضل ممارسة الضغط الآن، بينما حماس تصرخ طلباً للمساعدة، وعدم منحها فرصة للتعافي". ويخشى هو ومن يشاركونه الرأي، أنه إذا تم التوجه نحو صفقة جزئية وتم التباطؤ، فستُفقد الفرصة لانتزاع أهم معقل لحماس في القطاع، وهو مدينة غزة، وبالتالي ستبقى حماس "في القطاع وتواصل العمل فيه كمنظمة حرب عصابات، وستستمر الحرب لسنوات عديدة أخرى".

كما يدّعي أصحاب هذه الرؤية أن "نصف مدينة غزة بات بالفعل تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي، نحن في حي الزيتون، وحي الدرج والتُفاح، ودباباتنا تتجول في حي الصبرة". ويضيف الضابط الكبير أنه "في كل الأحوال، سيكون علينا دخول غزة لتدمير شبكة الأنفاق الرئيسية التي تقع تحتها"، وأنه "إذا لم يتم تدمير هذه الشبكة، فلن يتمكن سكان المناطق المحيطة بغزة من النوم بهدوء".

وعليه، فإن الفكرة التي يتبناها كبار قادة هيئة الأركان العامة، الذين يعارضون الصفقة الجزئية، تطالب بالسيطرة الفورية والسريعة على المدينة، والتوقف فقط إذا وافقت حماس على إطلاق سراح جميع المحتجزين وقبول شروط الحكومة الإسرائيلية. ومن هنا، يعزز الجنرالات الذين يطالبون باحتلال مدينة غزة الآن، موقف نتنياهو، من خلال تأكيدهم أن المعلومات الاستخباراتية المتوفّرة لدى إسرائيل كافية، وأن الوسائل الأخرى التي تتبعها ناجعة أيضاً في منع الإضرار بالمحتجزين الأحياء الموجودين في غزة. وبحسب رأيهم، فإن حماس ستحافظ عليهم لأنها تعتبرهم الأصل الوحيد المتبقي لها في الوضع الحالي.