انقسام فلسطيني بأبعاد إقليمية

انقسام فلسطيني بأبعاد إقليمية

31 يوليو 2022
حماس تسيطر على أحد مقرات الأمن التابعة لفتح في غزة، 14 يونيو 2007 (سعيد خطيب/فرانس برس)
+ الخط -

ليس الخلاف والاختلاف وصولاً إلى الانقسام حالة جديدة وطارئة على الشعب الفلسطيني، بل عانت منه كافة الشعوب التي رزحت وترزح تحت الاحتلال. قد ينتج الانقسام عن اختلاف الرؤى والبرامج الساعية إلى التحرر والتحرير، وبذلك ينقسم إلى شقين رئيسيين، الأول يعبر عن مقاومة الاحتلال والتحضير لثورة التحرر والتحرير (نمط ثوري)، أما الثاني فينطلق من المهادنة والمواربة والتفاوض والتنازل (نمط استسلامي).

كما يحصل الانقسام أحياناً نتيجة تغليب المصالح الفئوية، الشخصية والعائلية والحزبية، حينها تتحول أطراف الانقسام، كلها أو بعضها، إلى سلطات قمع مافيوية، من أجل تحقيق مصالحها الضيقة. وأخيراً قد يحدث الانقسام بفعل تلاعب وسيطرة قوى خارجية، دولية أو إقليمية، ومصادرتها قرار طرف أو أطراف الانقسام جميعها.

لم تخرج الانقسامات الفلسطينية التي مررنا بها منذ قرابة المائة عام عن الأنماط التي ذكرناها، بدءاً من انقسام الحسيني والنشاشيبي، بدوافع مصلحية شخصية وعائلية، وسعياً خلف الامتيازات والصلاحيات الممنوحة من قبل سلطات الاحتلال البريطاني، مروراً بانقسام الرؤى والبرامج، على خلفية إقرار برنامج النقاط العشر (البرنامج المرحلي)، الذي طرحته الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وتبنته منظمة التحرير الفلسطينية، فأدى ذلك إلى انقسام المنظمة، وتشكيل جبهة الرفض بمشاركة الجبهة الشعبية. وتبعته حرب المخيمات 1985، مُنتجةً انقسامات حرَّكتها القوى الإقليمية والدولية.

وصولاً إلى الانقسام الحالي بين حركتي فتح وحماس، والحاصل منذ العام 2007، وهو أسوأ تلك الانقسامات وأعقدها، فهو خليطٌ يتضمن جميع أنماط الانقسام السابقة، المصلحية والبرامجية والخارجية.

تعود بدايات الانقسام الحالي إلى العام 2007، فبعد تمكن حركة حماس من حسم انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني لصالحها، رفضت السلطة الفلسطينية؛ مدعومةً من الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية والعربية؛ استلام حركة حماس مقاليد السلطة، الأمر الذي أبقى حكومة إسماعيل هنية عاجزة عن ممارسة أي دور، لترد حماس في العام التالي 2007 من خلال فرض سيطرتها بالقوة العسكرية الدموية على قطاع غزة.

اقتصرت سيطرة حماس العسكرية على قطاع غزة فقط، لذا أصبحنا أمام انقسام جغرافي وسياسي وخدمي، أفرز سلطتي أمر واقع، سلطة حماس في قطاع غزة، التي استمدت شرعيتها من المقاومة والانتخابات التشريعية عام 2006، وسلطة فتح في الضفة الغربية، المستمدة شرعيتها من الاعتراف الدولي بها، على اعتبارها سلطة حكم ذاتي أفرزها اتفاق أوسلو، الذي كان من تبعاته انقسام سياسي بين حركة فتح من جهة، وبقية مكونات منظمة التحرير الفلسطينية وحركتي حماس والجهاد الإسلامي من جهة أخرى.

كما ساهم اتفاق أوسلو في تقسيم وفصل المصير الفلسطيني إلى مصائر متعددة (فلسطينيو 48، اللاجئون، فلسطينيو 67). وبسيطرة حماس على غزة فقط من دون الضفة، استمرت مفرزات وتبعات أوسلو، لذا بقيت حماس مقيدة ومحاصرة في كل من الضفة وغزة.

على صعيد آخر، لم تشكل حماس بديلاً أخلاقياً عن حركة فتح على ضوء تجربتها في حكم قطاع غزة، إذ حكمت القطاع عبر منظومة قمعية قابضة على حريات السكان المجتمعية والسياسية، فمارست القمع الأمني والديني، عبر أجهزتها الأمنية التي شكلتها بعد الانقلاب، ومن خلال مرجعيات مجتمعية متخلفة ورجعية. كذلك صادرت حماس الحق في المقاومة من الشعب والقوى السياسية الأخرى، وحصرته بنفسها. مستفيدةً من دعمها إقليمياً (قطر، إيران، تركيا، سورية).

تمكنت حماس في بعض الأحيان من الموازنة بين علاقتها مع الداعمين الإقليميين من جهة، وقرارها السياسي المستقل من جهة أخرى، الأمر الذي مكنها في العام 2012 من قطع علاقاتها مع النظام السوري، على خلفية انحيازها إلى صف الثورة السورية، وتماشياً مع خلفيتها الأيديولوجية الدينية (الإخوان المسلمين)، وتلبيةً لرغبات قاعدتها الشعبية (الفلسطينية والعربية)، وهو ما أثر سلباً على علاقتها مع النظام الإيراني.

طبعاً؛ لم تنجح حماس دائماً في الحفاظ على استقلالية قراراها السياسي، لا سيما في المرحلة التي أعقبت تولي يحيى السنوار رئاسة المكتب السياسي في غزة، إذ عادت الحركة سريعاً إلى الحضن الإيراني، رغم دوره التخريبي في المنطقة، وتحديداً في حروب أهلية وانقسامات ضمن أربع دول عربية، وأخيراً طَبّعت الحركة علاقاتها مع النظام السوري.

يبدو الانقسام الفلسطيني مستمراً ما دامت التجاذبات والصدامات مستمرة بين القوى الإقليمية والدولية الداعمة لكل من فتح وحماس

يلعب ارتهان قرار الحركة للقوى الداعمة دوراً أساسياً في ترسيخ الانقسام الفلسطيني، كما يحرجها أمام جمهورها، وخاصة بعد تكشف موقف النظام الإيراني، واتضاح أولوياته، المتمثلة في تحوله إلى قوة إقليمية، أولاً عبر بوابة القضية الفلسطينية، التي تمنحه شرعية شعبية ودينية، وثانياً استناداً إلى القوة العسكرية، المعتمدة على أذرع وأدوات إيران الطائفية في المنطقة،
التي أسماها قائد "مقر خاتم الأنبياء المركزي" اللواء غلام علي رشيد "الجيوش الستة" التي على من أراد مهاجمة إيران مواجهتها. والجيوش الستة، وفق رشيد، هي: "حزب الله اللبناني، وقوات النظام السوري، والحشد الشعبي العراقي، وجماعة الحوثي في اليمن، وحركتا "حماس والجهاد الإسلامي في غزة".

في المقابل، وبما يخص حركة فتح، تخلت فتح عن قرارها المستقل منذ زمن بعيد، حين سلمت جلّ أمرها إلى سلطات الاحتلال، مكتفيةً بدورها الوظيفي ذي الطابع الأمني. في حين صادر داعموها الإقليميون والدوليون، أميركا والاتحاد الأوروبي والسعودية ومصر والإمارات، ما تبقى منه. مع العلم أن داعمي فتح الخارجيين مارسوا ويمارسون دوراً سلبياً تجاه المنطقة، مكملين دور إيران التخريبي.

يتطلب إنهاء الانقسام: بناء قرار فلسطيني مستقل على أساس ثوري، يرفض التفريط بالحقوق الفلسطينية كلها أو بعضها، ويضمن التساوي والفاعلية لكل الفلسطينيين، على اختلاف جنسهم وميولهم ودينهم. وبعد فشل كل المحاولات الشكلية في مواجهة عجز الحركتين عن إنهاء الانقسام بينهما، لا يبقى أمام الفلسطينيين إلا الانتفاض على الحركتين، من أجل فرز قيادة جديدة لكل الفلسطينيين في مختلف أماكن وجودهم.

نتيجة كل ذلك، يبدو الانقسام الفلسطيني مستمراً ما دامت التجاذبات والصدامات مستمرة بين القوى الإقليمية والدولية الداعمة لكل من فتح وحماس. وأصبح واضحا عجز القيادة السياسية الفلسطينية التقليدية، متمثلةً بالفصائل، عن تلبية تطلعات الشعب الفلسطيني السياسية، كما تساهم الفصائل في تقسيم المجتمع الفلسطيني، ودفعه نحو مرجعيات عائلية وعشائرية، تزيده انغلاقا وتعصبا وتخلفا، بعد أن عجزت الفصائل المسيطرة عن تلبية متطلبات الشعب المعيشية الأساسية عبر توزيع الموارد، بدلاً من توزيعها وفق آليات تخدم مصالحها الفئوية.